كان لي شرف المشاركة في الندوة الثانية لمعاهد الإدارة والتنمية الإدارية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بعنوان "استراتيجية تنمية الموارد البشرية ودور معاهد الإدارة والتنمية الإدارية في تنفيذها"، والتي عقدة في 16- 17ربيع الأول 1429ه الموافق 24- 25مارس 2008م في معهد الإدارة العامة في العاصمة العُمانية مسقط، وتم استعراض العديد من التجارب لدول المجلس في مجال تنمية الموارد البشرية، واتضح من خلال المشاركات والمداخلات من المشاركين في الندوة أن دول المجلس لديها جهود ولكنها مشتتة لتنمية الموارد البشرية، حيث أن الجهود التعليمية والتأهيلية والتدريبية للموارد البشرية الوطنية تعمل دون وجود إستراتيجية خاصة لتنمية الموارد البشرية، ومن المعروف في أي إستراتيجية يكون هناك رؤية واضحة وأهداف معينة وأدوار محددة ومتطلبات مادية معينة للجهات التي تشترك في تنفيذ تلك الإستراتيجية، وفي حالة غياب إستراتيجية خاصة بالموارد البشرية في كل دولة من دول المجلس فهذا يعني أن الجهود التعليمية والتأهيلية والتدريبية تسير في خطوط مختلفة ومتعددة ولا يكون هناك رؤية محددة لتنمية الموارد البشرية، بل أن التعليم أو التدريب يكون من أجل التعليم أو من أجل التدريب فقط، وهذا ولا شك وضعاً غير سليم لأنه يبدد الجهود والأموال دون تحقيق الفائدة المرجوة، ويدل على ذلك كثرة الحديث حول عدم ملاءمة مخرجات التعليم والتدريب لمتطلبات سوق العمل في دول المجلس.

وفي المملكة وعلى مدى السنوات الماضية، جاءت الكثير من الجهود التخطيطية التي قامت بها جهات حكومية مختلفة في مجالات تنمية الموارد البشرية، ولعل أبرز تلك الجهود ما جاء في خطط التنمية الثماني حول تنمية الموارد البشرية، وإستراتيجية تنمية القوى البشرية (1420ه) التي قام بإعدادها مجلس القوى العاملة (سابقاً)، والدراسة المقدمة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية (سابقاً) بعنوان "مشروع إستراتيجية تنفيذية متوسطة المدى لتنمية الموارد البشرية بهدف سعودة الوظائف بالقطاع الخاص، وأخيراً إستراتيجية التوظيف السعودية (1426ه) التي قامت بإعدادها وزارة العمل.

إلا أن تلك الجهود لم تر النور، وبقية عبارة عن مراجع وجهود دراسية وبحثية محفوظة لدى تلك الجهات، ما عدا خطط التنمية الثمانية التي تهتم في تنمية جميع المجالات والتي من ضمنها الموارد البشرية، حيث جاء الهدف الرابع من أهداف خطة التنمية الثامنة على ما يلي "تنمية القوى البشرية ورفع كفاءتها وزيادة مشاركتها لتلبية متطلبات الاقتصاد الوطني"، ووفقاً للأسس الاستراتيجي للخطة فأن : "تطوير منظومة التعليم والتدريب بجميع عناصرها، والاهتمام بمخرجاتها، بما يلبي احتياجات المجتمع المتغيرة، وسوق العمل، ومتطلبات التنمية، ويواكب المعرفة والتقنيات الحديثة، مع الاهتمام بالثقافة ونشرها"، كما أن من أهم توجهات خطة التنمية الثامنة تنمية الموارد البشرية بهدف الارتقاء المستمر بمهارات الموارد البشرية وتنمية قدراتها من خلال التوسع الكمي والنوعي في التعليم والتدريب والتأهيل المهني (وزارة الاقتصاد والتخطيط، خطة التنمية الثامنة، 2005م).

ولاشك فأن جميع الجهات التعليمية والتدريبية في المملكة تعمل من خلال خطط التنمية الثماني بناء على أهدافها وأسسها الإستراتيجية وكذلك التوجهات العامة للخطط والتي تخص تنمية الموارد البشرية الوطنية بشكل عام، وبذلك تساهم في هذا المجال حسب الإمكانيات المتاحة لها، ولكن سوف تأتي النتائج في مجال تنمية الموارد البشرية مختلفة في حالة وجود إستراتيجية لتنمية الموارد البشرية.

وتتضح أهمية إيجاد إستراتيجية خاصة بتنمية الموارد البشرية في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام والمملكة بشكل خاص من خلال النقاط التالية:

1- إن تنمية الموارد البشرية في الطريقة الصحيحة والمطلوبة هي أساس للتنمية الشاملة في جميع مناحي الحياة المختلفة من اقتصادية واجتماعية وسياسية.

2- إن التحدي الكبير في الحاضر والمستقبل هو تنمية الموارد البشرية الوطنية بالشكل الذي يتطلبه أسواق العمل المحلي والخليجي والدولي.

3- وجود حاجه ماسة للحد من مشكلة البطالة في دول المجلس وآثارها السلبية المختلفة من اجتماعية واقتصادية وسياسية، والتي تتفاقم يوما بعد يوم، وكذلك الحاجة إلى تنسيق وتوحيد الجهود للحد منها أو القضاء عليها، ولا شك أن مشكلة البطالة جاءت كنتيجة لغياب إستراتيجية خاصة بتنمية الموارد البشرية في تلك الدول.

4- وجود العديد من العمالة الوافدة في دول المجلس بينما توجد بطالة لدى الموارد البشرية الوطنية، وهذا ولاشك أمر يستدعي الغرابة ويدل على عدم وجود التخطيط الجيد لتنمية الموارد البشرية.

5- تشتت جهود التعليم والتأهيل والتدريب وسيريها في اتجاهات تعتمد على رؤية وجهد الجهات المقدمة لتك الخدمة التعليمية والتأهيلية، مما نتج عنه عدم ملاءمة لمخرجات تلك الجهات لمتطلبات سوق العمل.

6- تشتت وضعف جهود الجهات الداعمة لتنمية الموارد البشرية في دول المجلس، مثل صندوق تنمية الموارد البشرية وصندوق المئوية والصناديق الأهلية في المملكة، وذلك كنتيجة طبيعية لغياب عنصر التخطيط بمفهومه البسيط وكذلك غياب إستراتيجية واضحة وسليمة تهدف إلى وجود رؤية وأهداف واضحة لتنسيق تلك الجهود فيما بينها.

7- يتوفر في الوقت الراهن في دول المجلس فائض مالي كاف لتنمية الموارد البشرية الوطنية ولكنها بحاجة إلى مظلة استراتيجية للعمل من خلالها لتوحيد وتركيز تلك الجهود والنفقات لتنمية المورد البشري للعمل في مجالات عمل محددة يحتاجها سوقا العمل المحلي والخليجي.

8- بما أن المورد الأساسي لدول المجلس هو البترول، آلا أن من الملاحظ أن هناك نسبة كبيرة من العاملين في هذا المجال هم من العمالة الوافدة، بالرغم أنه كان من المفروض أن توجه جهود تنمية الموارد البشرية لهذا المجال، وكان ذلك نتيجة لغياب إستراتيجية خاصة بتنمية الموارد البشرية في مجال البترول والصناعات والخدمات المتصلة به.

9- يمكن الاستفادة من تجارب دول عديدة نجحت في تنمية مواردها البشرية بناء على استراتيجيات تتعلق بهذا المورد الهام مثل الهند والفلبين، حيث نجحت الهند بالتركيز على البرمجيات وتقنية المعلومات، ونجحت الفلبين ببناء عمالة ماهرة في جميع المجالات الصحية والمهنية.

ومما سبق تتضح أهمية إعداد وبشكل سريع استراتيجيات تنمية الموارد البشرية في كل دولة من دول المجلس، وممكن أن تكون تلك الاستراتجيات مكملة لبعضها البعض بحيث يتم التركيز في دولة معينة على تنمية الموارد البشرية في مجال البترول والصناعات المرتبطة به، وأخرى في المجال التقني والثالثة في المجال الصحي، وتكون الفرصة متاحة لجميع مواطني دول المجلس للحصول على التأهيل المناسب، في ظل التوجهات المستقبلية لتوحيد وتنسيق الجهود في دول المجلس، أو أن تعمل كل دولة إستراتيجية لتنمية الموارد البشرية بناء على رؤيتها وحاجتها، والمهم هو وجود إستراتيجية لتنمية الموارد البشرية تحدد الرؤية والأهداف والأدوار للجهات الحكومية والخاصة التعليمية والتدريبية وتحدد المتطلبات المادية لتنفيذها، ويكون هناك جهة حكومية تتولي الأشراف والمتابعة لتنفيذ تلك الإستراتيجية. وفيما يتعلق في المملكة، فأن تشكيل فريق عمل متخصص من الجهات ذات العلاقة (مثل وزارة العمل وزارة الخدمة المدنية وزارة التعليم العالي والجامعات وزارة التربية والتعليم وكذلك الغرف التجارية والقطاع الخاص) في مجال تنمية الموارد البشرية إعداد إستراتيجية متكاملة لتنمية الموارد البشرية الوطنية أصبح أمرا ملحا الآن أكثر من أي وقتاً مضى، وذلك بهدف توحيد وتنسيق وتكثيف الجهود في مجال تنمية الموارد البشرية الوطنية، وأيضاً بهدف القضاء على الهدر الحاصل للجهد والمال في مجال التعليم والتأهيل والتدريب، وتحديد المجالات والتخصصات التي تلبي متطلبات أسواق العمل المحلي والخليجي والدولي.

د. فهد بن معيقل العلي