إدارة الجودة الشاملة Total Quality Management تعبير شاع في أدبيات الإدارة المعاصرة, ويعبر عن توجه عام يسيطر على فكر وتصرفات ممارس الإدارة في كافة المؤسسات, وذلك لأن العصر الحالي تميز بسمات جعلته مختلف اختلافاً نوعياً عن كل ما سبق, هذه التوجه بدأ في اليابان, وأستمر حتى الآن. خلال هذه الفترة حدثت تطورات كبيرة كان على قمتها ظهور مفهوم جامع يبلور الغاية الأساسية للإدارة في المؤسسات المعاصرة من جهة, ويبرز السمة الرئيسية التي يجب أن تتصف بها من ناحية أخرى, وهو مفهوم امتياز الأعمال Excellence Business.
وجود الجودة الشاملة وامتياز الأعمال أمام ممارس الإدارة خلق خلط كبير بينهما, فيرى البعض أن الامتياز هو درجة أعلى من الجودة, ويرى البعض الآخر أن الجودة هي مجموعة الوسائل التي تحقق الامتياز, بينما ترى مجموعة ثالثة أن الجودة هي فلسفة تقوم على مجموعة من المبادئ والقيم, والامتياز هو غاية تلك الفلسفة.
هذا الخلط نتج عن النظرات المختلفة لمفهوم الجودة الشاملة, وارتباطه بمفهوم الامتياز عند مؤسسي فكر الجودة والامتياز, والذي يظهر بشكل واضح في المصطلحات المصاحبة لجوائز الجودة والامتياز, مثال على ذلك سميت جائزة مالكوم بالدريج الأمريكية بجائزة الجودة الأمريكية, وسميت معايير الجائزة بمعايير الأداء المتميز, وأيضاً, المنظمة الأوربية لإدارة الجودة أنشأت النموذج الأوربي للامتياز, ووضعت مبادئ الامتياز الأساسية, وهكذا.

مقطع من اليوتيوب لكتاب الجودة الشاملة وامتياز الأعمال
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]

إن كل منظمة مهنية متخصصة – سواء أكانت في الجودة, أو في الإدارة بشكل عام, أو المحاسبة - تقوم ببناء أسلوب إداري تقوم في المقابل بربطه بمجموعة مبادئ متفق عليها, توضّح ما يركز عليه أسلوبها الإداري. فمثلاً ISO 9000 أسلوب إداري يركز على بناء نظام إداري يسمى نظام إدارة الجودة Quality Management System, يوثق هذا النظام العملية الإنتاجية داخل المؤسسة, لذلك يلاحظ أن المبادئ الإدارية تدور حول العملية الإنتاجية في المؤسسة.
أما مبادئ المنظمة الأوربية لإدارة الجودة فهي أشمل, فهي تضيف لمبادئ ISO 9000 مبادئ تشمل الأطراف أصحاب الشأن, وذلك لأن الجائزة الأوربية في معاييرها تقيم الأساليب الإدارية المستخدمة في المؤسسة, وأيضاً تقيم النتائج المحققة للأطراف أصحاب الشأن, ولذلك تعتبر مبادئها أفضل المبادئ تعبيراً عن فلسفة الجودة الشاملة, فهي تمكن المؤسسات من أن تختار الأساليب الإدارية التي ستطبقها, ولا تجبرها على نوع معين من الأساليب, وهذا ما تختلف فيه المؤسسات فيها حسب ما يميزها, فمثلاً المبدأ الثاني التركيز على المتعاملين يمكن اتباع عدد من الأساليب, مثل أسلوب الباب المفتوح معهم, أو أسلوب صناديق الشكاوي والمقترحات, أو استخدام منهجية إدارة علاقات العملاء, فأي من هذه الأساليب يكون مناسباً مع مؤسسة, ولا يكون مناسباً مع مؤسسة أخرى.
إن المبادئ الإدارية ثابتة, ولكن الأساليب الإدارية تختلف, وكل يوم جديد يحمل العديد من الأساليب الإدارية التي نجحت في بعض المؤسسات, فأيها يكون مناسباً مع هذه المؤسسة أو تلك؟ والأساليب الإدارية الناجحة في العالم كثيرة, ولكن أيها تختار؟ يجب على المؤسسات أن تختار الأساليب الإدارية التي تتماشى مع بيئتها ومجتمعها مع نقاط القوة وفرص التحسين داخلها, بمعنى آخر تتماشى مع ما يميزها مهما كان مستوى نجاح هذه الأساليب في غيرها من المؤسسات.
اليابان اعتبرت الجودة الشاملة فلسفة إدارية, بناءً على المحاضرات التي قدمها دكتور وليام ديمنج, ولكنها وضعت الأساليب اللازمة لتحويلها لواقع ملموس حسب ما يميزها, مثل الأدوات الإحصائية السبعة ودوائر الجودة ونظام التسليم في الوقت المحدد. والغرب ابتكر واستخدم ما يميزه من أساليب إدارية؛ مثل Six Sigma , والقياس المتوازن للأداء.
لذلك ظهرت نماذج الجودة الشاملة والامتياز بأساليب ومعايير تمكن من تقييم مستوى الامتياز, رغم اختلاف سمات امتياز المؤسسات, حيث يقوم التقييم على مجموعة مبادئ تعبر عن فلسفة الجودة الشاملة. فالتقييم للمبادئ وليس للأساليب, ودور الجوائز هنا أن تمكن المؤسسات من تقييم أدائها لتتأكد من أن الأساليب التي استخدمتها قد رفعتها إلى مستوى أعلى في طريق الامتياز.