تعود بدايات هذا الفرع أو العلم إلى كتابات آدم سميث Adam Smith في مؤلفه الشهير ثروة الأمم The Wealth of Nations الذي نشر سنة 1776م . حيث بين أهمية التعليم ورأى أن التعليم هو المجال الذي يمكن أن يمنع الفساد بين العمال بل انه سيكون عنصر فعال في استقرار المجتمع اقتصادياً وسياسياً ، واتفق معه في ذلك مالتوسMalthus صاحب نظرية السكان المشهورة ، وقد اعتبر التعليم عامل من عوامل تحديد النسل، كما أعتبر سميث التعليم من عناصر رأس المال الثابت Fixed Capital مثل المباني والآلات والمعدات .
ويعد الاقتصادي الكبير الفرد مارشال A. Marshal من أوائل الاقتصاديين الذين أشاروا إلى القيمة الاقتصادية للتعليم حيث أكد على " أن اكثر أنواع الاستثمارات الرأسمالية قيمة ما يستثمر في البشر" 1. كما أن وليم بيتيW. Peety حاول قياس رأس المال البشري وطالب الاقتصاديين من بعده بتخصيص رؤوس أموال كبيرة للتعليم ، وأكد كارل ماركس C.Marx على علاقة التعليم بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، كما أكد على أهمية التعليم والتدريب في زيادة وترقية مهارات العمل .
إلا أن البداية الحقيقية أو ولادة حقل اقتصاديات التعليم كانت عقب الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات من القرن العشرين على يد روبرت سولو R.Solow 1957 وثيودور شولتز T.W.Schultz 1960 وجاري بيكر G.S.Becker 1962 ، ودينيسون E.Dension 1962 وهاربيسون Haribson 1964 وغيرهم .
وتعد الفترة من 1970-1960 المرحلة التي تبلور فيها هذا الحقل وتطورت فيها الدراسات والأبحاث التطبيقية، وهناك من يسميها فترة أو مرحلة الحماس، وقد برز أيضاً في هذا المجال عبد الله عبدالدايم وحامد عمار في الوطن العربي ، أما في العقود الثلاثة التالية فقد برز بعض من الاقتصاديين والتربويين مثل جورج ساكاروبولس G. Psacahropouls وتيلاك Tilak وغيرهم في الدول المتقدمة ومحمد غنيمة في الوطن العربي .[/COLOR]
[COLOR=black]يعتبر من التخصصات أو الفروع الحديثة والتي تهتم بالأنشطة التعليمية من الناحية الاقتصادية والتي شاعت بعد الحرب العالمية الثانية والتي أثرت في كل من الفكر الاقتصادي والتربوي تأثيراً واضحاً في كثير من الدول .
ويعرف علم اقتصاديات التعليم بأنه :
"علم يبحث أمثل الطرق لاستخدام الموارد التعليمية مالياً وبشرياً وتكنولوجياً وزمنياً من أجل تكوين البشر بالتعليم والتدريب عقلاً وعلماً ومهارة وخلقاً وذوقاً ووجداناً وصحة وعلاقة في المجتمعات التي يعيشون فيها حاضراً أو مستقبلاً ومن أجل احسن توزيع ممكن لهذا التكوين " 2
وقد عرف كوهن Cohn اقتصاديات التعليم " بأنه دراسة كيفية اختيار المجتمع وأفراده استخدام الموارد الإنتاجية Productive resources لإنتاج مختلف أنواع التدريب وتنمية الشخصية من خلال المعرفة والمهارات وغيرها اعتماداً على التعليم الشكلي خلال فترة زمنية محددة وكيفية توزيعها بين الأفراد والمجموعات في الحاضر والمستقبل". أي أن اقتصاديات التعليم تهتم بالعمليات التي يتم بها إنتاج التعليم وتوزيعه بين الأفراد والمجموعات المتنافسة، وتحديد حجم الإنفاق على التعليم سواء من الأفراد أو المجتمع، وعلى طرق اختبار أنواع التعليم، وناتجها وكفايتها الكمية والنوعية (الكيفية). 3
وبالنسبة للملكة فإن وزارة المعارف خطت خطوات جادة في هذا المجال ، فاللقاء السنوي لمدراء التعليم في عام 1417هـ والذي عقد في القصيم كان بعنوان اقتصاديات التعليم وتحت شعار التعليم استثمار في أمة وقد ناقش العديد من القضايا في هذا المجال من أبرزها :
- اقتصاديات التعليم استثمار في أمة .
- تنمية القوى البشرية في قطاع التعليم العام (تجربة وزارة المعارف).
- النظم الإدارية والكفاية الداخلية للتعليم.
- الخطة الوطنية للمباني المدرسية وغيرها من الأمور .
وقد صدر قرار معالي وزير المعارف في 21/6/1419هـ بإنشاء إدارة عامة لاقتصاديات التعليم تهدف إلى "إيجاد السبل الكفيلة برفع مستوى الكفاية الاقتصادية للوزارة من خلال العمل على خفض التكاليف بشرط ضمان الجودة وتدعيم إيرادات الوزارة بكل السبل الممكنة المشروعة ، ويشمل البحث عن مصادر تمويل جديدة للمشروعات التربوية والتعليمية من القطاع الخاص بأفراده ومؤسساته وشركاته " 4
كما ان الوزارة حريصة على تنفيذ قرار مجلس الوزراء رقم 105 والصادر في 24/6/1420هـ والذي يتعلق بالسماح للجهات التعليمية بالاستثمار في جزء من الأراضي والمباني المدرسية ذات المواقع الاستثمارية وذلك بإقامة بعض الأنشطة الاستثمارية (التجارية ) التربوية ذات العلاقة بالتعليم مثل المكتبات والقرطاسية ومراكز التصوير وخدمات الطلاب والحاسبات الآلية ودور النشر وتقنيات التعليم ومراكز التدريب والإنترنت وغيرها وكذلك الاستفادة من المباني المدرسية باستثمارها في المواسم الصيفية والشتوية بما لا يؤثر على سير العملية التعليمية أو يتعارض مع القيم والاعتبارات الاجتماعية والتربوية .
ومن ضمن الأمور التي تعنى بها الإدارة العامة لاقتصاديات التعليم في وزارة المعارف الاستثمار التربوي والذي يهدف إلى استقبال التمويل من مصادره المختلفة كالعائدات الاستثمارية من المنشآت والمرافق التعليمية والتربوية ، ريع الإعلانات التربوية ، القطاع الخاص والجهات الأخرى مثل التبرعات والهبات وخلافها .
والطريق لا يزال طويلاً في هذا المجال بالنسبة للملكة ، حيث ان المملكة تفتقر للأبحاث التطبيقية في هذا المجال سواء من جانب التربويين أو الاقتصاديين . كما ان المساهمة من القطاع الخاص ورجال الأعمال والأفراد بشكل عام لا تزال محدودة في مجال دعم التعليم والبحث العلمي .
بقلم / أ. عبدالله بن محمد المالكي