بقلم د. بنعلي حداد، المركز المغربي لتنمية الكفاءات

ما من شك في أن الموارد البشرية تلعب دورا فعالا في الرفع من الإنتاجية والمر دودية خاصة إذا كانت كافية كما وكيفا، مما يجعلها حتما تضطلع بمهامها على أحسن حال. وانطلاقا من هذا الدور الفعال للموارد البشرية كان لزاما على المنظمات والمؤسسات باختلاف أهدافها واستراتيجياتها والتي تسعى إلى تحقيق إنتاجية قصوى وتنافسية قوية من أجل معانقة أهدافها و تفعيل استراتيجياتها، أن تعمل على تأهيل مواردها البشرية وتحفيزها انطلاقا من تحديد طبيعة المتغيرات الأساسية للمعرفة المتراكمة في المؤسسات وتحليل دورة الحياة المعرفية فيها وعوامل كفايتها وفعاليتها.

إذا كان الأمر كذلك بالنسبة للمؤسسات والمنظمات، فإن الجمعيات في أمس الحاجة إلى هذا البعد باعتبارها جزءا لا يتجزأ من منظومة التنمية الاجتماعية وحتى الاقتصادية وليست بمعزل عن هذه التحديات. لذلك كان لزاما عليها العمل على إيجاد الصيغ المناسبة والأساليب المتنوعة التي من شأنها أن تساعد على تنمية الموارد البشرية العاملة بالنسيج الجمعوي، والرفع من كفاءتها إلى المستويات المطلوبة في إطار بيئة المنافسة والإنتاجية.

لرفع هذا التحدي إذن، فإن الجمعيات مطالبة أكثر من أي وقت مضى باعتماد التكوين والتكوين المستمر وسيلة غاية في الأهمية من أجل تطوير الكفاءات والرفع من مستوى المردودية هذا علاوة على ما له من انعكاسات إيجابية على الهيكل التنظيمي وفرصة لمواكبة التحولات المتواصلة في محيط الجمعيات.

إن العناية بالتكوين في الحقل الجمعوي ضرورة حتمية لتحسين مردود العناصر الفاعلة في الجمعيات وجودتها وتطعيمها بكفاءات أخرى تنحو بهذه العناصر نحو مزيد من الخبرة والاحتراف في العمل. ولتحقيق ذلك كان من الضروري العمل على ترسيخ المبادئ التالية:

1- التكوين ثقافة:

إن التحولات المتسارعة والمتواصلة التي يعيشها مجتمع المعرفة اليوم وما أفرزته من مفاهيم جديدة في كل المجالات وبخاصة في مجال التدبير الحديث والتقنيات الجديدة للإعلام والتواصل، تتطلب التعامل معها بعقلية وخطاب جديدين قائمين أساسا على أن التكوين لم يعد مرتبطا بمرحلة أو فترة زمنية محددة أو بمكتسبات ثابتة وإنما أصبح ضرورة ترافق الإنسان طول حياته مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم "اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".

هذا التطور يتطلب من الجمعيات تعديل مفهومها للتكوين بغرض رفع التحديات بأن تتعامل معه على أنه ضرورة وثقافة تلتزم باكتسابها وتعهدها باستمرار مما يساهم في رفع الأداء وبالتالي رفع مردودية الجمعية و نجاعتها.

2- التكوين واجب جماعي:

إن التكوين، في خضم التحولات الحاصلة في المحيط، لا يمكن أن نعتبره واجبا فرديا فحسب بل إن ضرورة عمل الجمعية في شكل فريق متكامل تحتم علينا اعتباره مسؤولية جماعية أيضا.

فمن خلال مشروع الجمعية يتم تحديد حاجيات التكوين الفردية وكذلك الجماعية للفريق في مجال معين أو مجالات متعددة بهدف تحسين أداء الجمعية وبلوغ أهدافها. وبالتعاون مع المؤسسات المختصة في تنمية الكفاءات الجمعوية، يمكن ترجمة هذه الحاجيات إلى برامج تكوين لفائدة الفريق لاكتساب الكفاءات اللازمة لتحقيق أهدافه.

3- التكوين مقاربة علمية ممنهجة:

لتحقيق برامج تكوينية خاصة بالجمعيات لابد من اعتماد مقاربة علمية ممنهجة في تحديد الاحتياجات التكوينية للأعضاء العاملة في الجمعيات وهذه المقاربة العلمية التي تسمى "هندسة التكوين" تخضع أساسا لمقاييس البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية وتتبنى نهجا تشاركيا حتى تتم هذه العملية في أحسن الظروف وتعطي نتائجا مرضية وفقا للتوجهات الإستراتيجية لكل جمعية.

و صفوة القول إن تحقيق هذه المبادئ في المنظومة الجمعوية يصقل كفاءة العاملين بها ويجعله يقدم ممارسة جمعوية فعالة وجيدة مما يساهم حتما في تطوير دور الجمعية في المجتمع ويرفع من أدائها ومردوديتها.