[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]







لكي تكشف الحيل التي يمارسها المسوقون عند صياغتهم لوهم اسمه ”النضارة“، ليس عليك إلا أن تذهب – مثلاً – إلى
سلسلة متاجر ”هول فوودز“ الأمريكية، أكبر متاجر الأطعمة العضوية والطبيعية. ما الذي يخطر ببالك حين تسمع كلمة
”طازج“؟ أبقار ودواجن منطلقة في الطبيعة؟ ثمار وأزهار مقطوفة باليد؟ طماطم مزروعة في حديقة البيت؟
عندما ندخل أحد متاجر ”هول فوودز“، تغمرنا رموز كهذه. فأول ما تقع عليه عيناك هو الزهور بجميع أنواعها. وخلف
صفوف الزهور، يتهادى نهر رائق المياه (رمز آخر يوحي
بالهدوء والصفاء). الزهور – كما نعرف جميعًا – من أكثر
الأشياء التي تتسم بقصر العمر، لهذا السبب توضع دائمًا في الواجهة والمقدمة، أمام عيوننا، لتحثنا لا شعوريًا على التفكير
في النضارة منذ لحظة دخولنا المكان. (تخيل رد فعلك لو حدث العكس، ماذا لو دخلت متجرًا واستقبلتك الزهور البلاستيكية
ورائحة السمك المتعفن؟) تحت تأثير الإيحاء سنظل نحمل هذه الصورة في أذهاننا خلال تسوقنا.
تُكتب أسعار الزهور والخضراوات والفاكهة بخط سريع بالطباشير على ألواح حجرية، وكأن – أو حسب ما يجب أن
نصدق – المزارع قد مر على المتجر هذا الصباح وباع ما لديه ثم قفز إلى شاحنته وعاد أدراجه إلى مزرعته. يدل
الطباشير والكتابة السريعة على أن السعر يتغير يوميًا، أو حتى على مدار اليوم الواحد. ولكن في الحقيقة معظم هذه
الزهور تم شحنها منذ أيام، وسعرها محدد وثابت لدى المقر الرئيسي لإدارة متاجر ”هول فوودز“، والسعر ليس الشيء
الوحيد الذي لا يتغير يوميًا، ولكن حتى ما قد يبدو لنا كخط طباشير على ألواح حجرية هو في الأصل كتابة يصعب محوها،
لأن هذه الألواح قوالب مصنوعة بالجملة في أحد المصانع. هذه استراتيجية الهدف منها غرس صورة ”زائفة“ في عقولنا
عن مزرعة حقيقية كل شيء فيها طبيعي، في حين أن كل ما نراه أمامنا هو في الأصل صناعي، أو بالأحرى ”مُصنَّع“.