تعددت التعريفات التي تفسر القيادة وتوضحها، باعتبارها أحد أهم العناصر الإدارية . فهناك من يرى أنها : " عملية التأثير على الآخرين لتوجيه جهودهم لتحقيق أهداف الجماعة", وهناك من يرى أنها : "استخدام القوة لإحداث نوع من التأثير في الغير" . ويرى البعض أن القيادة هي : " القدرة على التأثير في سلوك أفراد الجماعة وتنسيق جهودهم وتوجيههم لبلوغ الغايات المنشودة" (السواط وآخرون : 1416هـ ,178 ؛ النمر وآخرون : 1417م , 314 ) .
وتتكون القيادة من ثلاثة عناصر أساسية هي :
* وجود مجموعة من الأفراد يعملون في تنظيم معين .
* وجود شخص قائد من أفراد الجماعة قادر على التأثير في سلوكهم وتوجيههم .
* وجود هدف مشترك تسعى الجماعة إلى تحقيقه .
وفيما يلي تعريف موجز بهذه العناصر الثلاثة :
1. وجود مجموعة من الأفراد يعملون في تنظيم معين :
لا يمكن أن يكون هناك قيادة بدون مجموعة , ولا يتصور وجود قائد بدون أتباع , وقد يكون الحد الأدنى للمجموعة هو ثلاثة أفراد مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم". ولكن مع النمو والتطور وكبر عدد المنظمات والمنشآت الحديثة أصبح أدنى حدٍّ لعدد المجموعة يفوق الثلاثة بكثير , ومن المهم اشتراك تلك المجموعة في هدف واحد تسعى لتحقيقه (أبو سن : 1986م ,97,96) .
2. قائد من أفراد الجماعة قادر على التأثير في سلوكهم وتوجيههم :
إن القيادة هي التي يتمتع بها القائد في التأثير على الجماعة , وتوجيههم بطريقة تمكنه من اكتساب طاعتهم وضمان ولائهم وتحقيق التعاون بينهم لأجل تحقيق هدف مشترك .
3. هدف مشترك تسعى الجماعة لتحقيقه :
لا بد من وجود هدف مشترك يسعى القائد وجماعته إلى تحقيقه , ويتعين على القادة أن يحددوا الهدف المشترك بوضوح وجلاء أمام الجماعة . ولا شك أن قوة الإقناع هي ما يعتمد عليه القائد في كسب مجموعته , فوضوح الهدف والقناعة به والإيمان بالعمل على تحقيقه , يبعث في الأفراد الحماس الذي يكون الدافع لبلوغ الهدف المنشود , ومهمة القائد أن يستثمر هذا الحماس ويغذيه ليدفع بالجماعة أكثر لتحقيق الهدف المشترك . ولقد عنيت كثير من الكتابات بظاهرة القيادة لمعرفة مصدر السلطة التي تكفل للقائد حسن إدارة جماعته , حيث أوضحوا أن مصدر السلطة للقائد ليس فقط في الصلاحيات التي يمنحها له القانون , وإنما يتمثل أيضًا في تأثيره الشخصي على الأفراد (كنعان : 1992م , 267 - 287) .
الســلطة الرسمية :
هي السلطة القانونية التي يكتسبها القائد بحكم وظيفته الرسمية , ويستطيع من خلال هذه السلطة توجيه الأوامر واتخاذ القرارات , وهذه السلطة هي التي تمنح للقادة والإداريين حق إصدار القرار والتعليمات للمرؤوسين , وهي نابعة من المركز الرسمي الذي يمثله هذا الشخص .
الســلطة غير الرسمية :
تتمثل في التأثير الشخصي من القائد على مرؤوسيه ومدى حبهـم وولائهـم له, وهو يبرز في مجموعته نتيجة لما يتمتع به من مكانة . وتنبع هذه السلطة غير الرسمية من قبول أفراد المجموعة لذلك القائد وقناعتهم به , فهي سلطة تنبع عن قناعة وقبول , وليست مفروضة عليهم كما هو الحال في السلطة الرسمية (النمر وآخرون : 1997م ,316) .
القيــادة والرئاســة :
تختلف القيادة عن الرئاسة اختلافاً جوهرياً واضحاً , ذلك أن الرئاسة تفتقر إلى العديد من العناصر القيادية . فليس كل رئيس قائدًا , ولكن يمكن أن يكون القائد رئيســاً. ذلك أن الرئاسة تعتمد على سلطة القانون في ممارستها للوظائف المناطة بها , في حين أن القيادة تعتمد على إقناع واقتناع أفراد التنظيم بقائدهم وثقتهم الكبيرة به . فالقيادة تركز على قدرات واستعدادات طبيعية كامنة في الفرد تؤهله لإحداث التأثير في أفراد الجماعة . وغالباً ما يحاول القائد أن يؤثر في الجماعة بأسلوب الإقناع والنقاش والتفاهم والمشاركة , بينما يعتمد الرئيس في تنفيذ أوامره على اللوائح والقوانين , وعلى سلطته في الأمر والنهي والجزاء والعقاب، ولكي يكون الرئيس قائداً في مجال من المجالات فلا بد أن يحظى بثقة الجماعة واقتناعهم به حتى يكون قائداً عليهم .
وبذلك يتضح أن القيادة تنبع تلقائياً من الجماعة، في حين أن الرئاسة تفرض فرضاً على أفراد الجماعة طبقًا للوضع التنظيمي القائم . كما أن استمرار الرئاسة مرهون بوجود نظام رسمي محدد يقر سلطة الرئيس , أما القائد فهو يستمد سلطته من قدرته على التأثير في سلوك الجماعة بطريقة تمكنه من اكتساب ولائهم وطاعتهم (النمر وآخرون : 1417هـ , 316 – 317 ؛ Bechtel : 1993 , 353 ) .
أصناف القــــادة :
هنالك فئتان من القادة :
الفئة الأولى : القادة الذين ولدوا بمواهب قيادية, ويمكن تلقيبهم بالقادة الطبيعيين .
الفئة الثانية : القادة الذين اكتسبوا هذه القدرة بوسائل التعليم والتدريب والممارسة في المجالات العلمية , ويمكن تلقيبهم بالقادة الإداريين .
ولكن سواء كان القائد من الفئة الأولى أو الثانية , فلأجل تمتعه بهذا اللقب لا بد أن يكون له أتباع أولاً,ويستطيع التأثير عليهم وتوجيههم نحو الهدف المحدد ثانياً (بندقجي : 1980م , 120 - 121) .
خصائص القائد الإداري :
لابد أن يتميز القائد الإداري بخبرته العلمية والعملية وقدرته على قيادة مؤسسته انطلاقًا من معرفته العلمية الإدارية , وقدرته على التخطيط والتنظيم والقيادة والرقابة . ويتمثل ذلك في الأمور التالية :
1. تفهـم معنى المسـؤولية في المستـويات الإدارية كافة , ليتمكن القائد من اتخــاذ القرارات السليمة والمناسبة .
2. استطلاع آراء الآخرين, والحكم على السليم منها, وما هو في صالح المؤسسة.
3. معرفة سلوك الأفراد والقدرة على التأثير فيهم لدفعهم إلى مزيد من الفاعلية والإنتــاج .
4. التمتع بنصيب وافر من الصبر والجلد والنشاط لأن القائد الإداري مسؤول ومطالب بإيصال مؤسسته إلى أهدافها .
5. إجادته وقدرته على التعبير عن نفسه شفهياً وكتابياً لإقنـاع الآخـرين بأهميــة قراراته من الناحية التطبيقية (بندقجي : 1980م , 121 122 ؛ Gardner : 1989 , 10 – 11 ) .
أنماط القيــــادة :
القيادة الأتوقراطية :
يتميز القائد الأتوقراطي بتركيز السلطات والصلاحيات في يده , فهو يحرص على تولي كل صغيرة وكبيرة فلا يشرك معه أحدًا في وظيفته . ويتخذ من المركزية المطلقة أسلوباً في العمل , ولا يفوض سلطاته أو صلاحياته حتى البسيطة منها , بل على العكس يسعى لزيادة دائرة صلاحياته وتوسيعها . ويتفرد القائد في هذا النمط من القيادة بوظيفة اتخاذ القرارات ووضع السياسات والخطط دون أدنى مشاركة من مرؤوسيه أو حتى استشارتهم (الشيباني : 1988م , 287) . ونعني بالسلطة هنا القدرة على إنجاز الأعمال بالأسلوب الذي يريده القائد (Brown and Madone : 1988 , 141 ) .
القيادة الديمقراطية :
تقوم القيادة الديمقراطية على مبدأ المشاركة في الرأي وتفويض السلطات, فالقائد الديمقراطي يتفاعل مع مرؤوسيه , و يشركهم في اتخاذ القرارات وتبادل الرأي , ويتوسع في تفويض السلطات والصلاحيات . كما أن السياسات ترسم وتحدد من خلال المناقشة الجماعية , وتبادل المشورة بين أعضاء التنظيم . وللقيادة دور في بلورة ما تتفق عليه الجماعة من قرارات وسياسات , كما أن القرار يصدر في النهاية من تفكير الجماعة ومبادرتهم. وتظهر مزايا هذا النمط من القيادة على المرؤوسين ، فهو يؤدي إلى رفع معنوياتهم , وإيجاد الثقة في نفوسهم , وزيادة التعاون ومضاعفة الإنتاج , وهذا يشعرهم بأن القرار قرارهم فيتمسكون به و يعملون على تنفيذه .
ويحرص القائد الديمقراطي على عقد المؤتمرات واللقاءات وإجراء الحوار والمناقشات ليتيح فرصة إطلاع مرؤوسيه على حل الصعاب والمشكلات التي تواجه العمل , كما يتيح للمرؤوسين فرصة تبادل الآراء والمعلومات فيما بينهم وبينه. كما أن القائد الديمقراطي في الغالب لا يتمسك كثيراً بالسلطة الرسمية في عمله , فمصدر سلطته ليس دائماً السلطة الرسمية كالقائد الأتوقراطي ، إن مصدر السلطة للقائد هو ما يفرق بين القيادة الرسمية والقيادة غير الرسمية . وتظهر تلقائياً وتنشأ لبعض الأفراد نتيجة لما يقومون به من دور وأثر فاعل في حياة المنشأة , وهو دور بعيد عن خطوط السلطة في الهيكل التنظيمي , فالقيادة غير الرسمية تنشأ داخل التنظيم غير الرسمي, أما القيادة الرسمية فهي تستند إلى القانون الذي يمنح القائد حق إصدار الأمر والتعليمات لمرؤوسيه , فسلطة القائد الرسمي مستمدة من مركزه الوظيفي, أما القائد غير الرسمي فسلطته مستمدة من داخل التنظيمات غير الرسمية, وتكون بناءً على قناعة أفراد التنظيم به كقائد وموجه لهم (الكنعان : 1404هـ , 182 - 184).
نظــريات القيادة :
نتيجة لكثرة ما كتب وأثير حول القيادة الإدارية من الدراسات والتحليل فقد نتج عن ذلك العديد من الآراء ووجهات النظر التي تبلورت في النظريات الشهيرة الآتية :
1. نظرية السمات .
2. نظرية الموقف .
3. النظرية التفاعلية .
أولاً : نظرية الســمات :
تركز هذه النظرية على السمات الشخصية التي يتمتع بها الفرد , وتجعل منه قائداً في مجموعته . ويرى أصحاب هذه النظرية أن الله سبحانه قد منح بعض الأشخاص بعض الخصائص والسمات التي يتميزون بها , ولا يتمتع بها غيرهم , وهي ما تؤهلهم لقيادة مجموعة ما والتأثير في أفرادها .
ويمكن إجمال أبرز هذه السمات في النقاط الآتية :
1. الذكاء وسرعة البديهة وطلاقة اللسان .
2. الثقة في النفس والإيمان بالقيم .
3. المهارة وحسن الأداء والقدرة على التكيف .
4. الحزم والسرعة في اختيار البدائل المناسبة .
5. القدرة على الإقناع والتأثير .
6. الاستعداد الطبيعي لتحمل المسؤولية .
7. القدرة على التعليم والتنسيق وتحقيق الترابط داخل التنظــــيم .
8. المهارة في إقامة الاتصالات والعلاقات الجيدة داخل التنظـــيم .
9. الحكم الصائب على الأمور .
10. الأمانة والاستقامة والشعور بالواجبات الأخلاقية .
11. النضج العاطفي والعقلي .
12. وجود الدافع الذاتي الذي يحفز على العمل ويحقق الإنجازات المطلوبة.
13. المهارة الإدارية التي تتطلب قدرة على التصور والتخطيط والتنظيم 00إلخ .
14. حب العمل والإلمام بجوانبه ونشاطاته .
15. القدرة على تفهم الموقف .
ومما لا شك فيه أنه يستحيل على شخص ما أن تتوافر فيه جميع هذه السمات , وإن كان من المحتمل توافر بعضها في شخص واحد (درويش : 1975م , 111 - 112) . وثمة سمة أخرى يمتاز بها بعض القياديين وتتمثل في الإبداع أو الابتكار,وفي هذا السياق يصف جون لوبانز Gohn Lubans في مقالة بعنــوان : " The Creative Library Manager " الإبداع القيادي بأنه يعني المهارات أو القدرات للنظر إلى احتياجات المؤسسة ( المكتبة ) وخدماتها في ضوء متطلبات المستفيدين, فيمكن على سبيل المثال تطويع ساعات الدوام بدون زيادة عدد الساعات الرسمية . فالمهم دوماً هو وضع رغبات المستفيدين نصب الاهتمام (Lubans : 1987 , 6 ) .
نقـد نظرية السـمات :
واجهت هذه النظرية العديد من الانتقادات التي تتلخص في الآتي :
1. عدم اتفاق الكتاب والباحثين في مجال القيادة الإدارية على عدد محدد من السمات التي يجب أن يتمتع بها القائد .
2. من الصعب أن تتوافر كل هذه الصفات في شخص واحد , وإلا كان الشخص إنساناً غير عادي .
3. صعوبة قياس السمات والصفات الشخصية لتعددها وعدم ثبوتها وعدم الاتفاق على أسلوب محدد لقياسها .
4. أثبتت التجارب العملية أن القائد الإداري لا يمكن أن يكون ناجحاً في جميع المواقف , بل لا بد أن ينجح في موقف , ويخفق في الآخر (درويش : 1983م ,111 - 112) .
ثانياً : نظــرية الموقف :
تقوم هذه النظرية على فلسفة خاصة هي : أن الظروف هي التي توجد القادة وتبرزهم , وأن طبيعة القادة تختلف باختلاف الظروف والمواقف التي يواجهونها, فالقيادة لا ترتبط بسمات شخصية يملكها القائد , بل هناك سمات وخصائص نسبية ترتبط بموقف ما أو ظرف قيادي معين .
وكذلك نجاح القائد في منظمة ما أو منشأة من المنشآت لا يعني نجاحه على الدوام , فاختلاف المنظمات والمجتمعات من حيث البيئة والفلسفة والاتجاه يؤدي في النهاية إلى اختلاف خصائص القيادة فيما بينها . كما أن السمات والمهارات المطلوب توافرها في القائد تعتمد بدرجة كبيرة على الموقع الذي يشغل قيادته , فرئيس دائرة حكومية يتمتع بمهارات وصفات تختلف عن القائد العسكري في الميدان , فلكل قدراته وخصائصه . وهذا يعني أن نظرية الموقف تعتمد بنسبة كبيرة على سمات القائد وصفاته, والموقف الإداري الذي يعمل من خلاله , فبقدر ما يكون الموقع مناسباً وملائماً للقائد الذي يشغله تكون النتائج مثمرة وباهرة .
نقد نظـرية الموقف:
يمكن استخلاص أبرز المآخذ على نظرية الموقف في النقطتين الآتيتين:
1. عدم اتفاق الكتاب والباحثين حول عناصر الموقف الذي يمكن من خلاله تحديد ما إذا كان الموقف ملائماً أو غير ملائم .
2. ليس هناك اتفاق بين الكتاب والباحثين حول أنماط السلوك القيادي (النمر وآخرون : 1417هـ , 323 - 324) .
ثالثاً : النظرية التفاعليــة :
تركز هذه النظرية على الجمع بين النظريتين السابقتين , نظرية السمات ونظرية الموقف . ولا شك أن القيادة الناجحة لا تعتمد على السمات التي يتمتع بها القائد في بعض المواقف , ولكن تعتمد على قدرة القائد في التفاعل مع أفراد الجماعة , والسمات التي قد يملكها القائد في موقف معين لا تكفي لظهور القائد بل لا بد من إقناع الجماعة بهذه السمات والقدرات , فهي ضرورية من وجهة نظرهم لتحقيق الأهداف وبلوغ الغايات . فالقائد الناجح هو الذي يستطيع أن يحدث التفاعل , ويحقق التكامل مع أفراد الجماعة , وذلك لن يتحقق إلا من خلال معرفته بمشكلات الجماعة ومتطلباتها .
وتعد النظرية التفاعلية أكثر واقعية وإيجابية في تحليلها لخصائص القيادة الإدارية . ووفقاً لهذه النظرية فالقيادة تعد عملية تفاعل اجتماعي , تتحدد خصائصها على أساس ثلاثة أبعاد :
1. السمات الشخصية للقائد .
2. عناصر الموقف .
3. متطلبات الجماعة وخصائصها .
ويمكن القول إن القائد الناجح هو الذي لديه القدرة على إيجاد التكامل والتفاعل بين هذه العناصر جميعاً , وبقدر ما يستطيع أن يكيف سلوكه ليواجه متطلبات الموقف والمرؤوسين بقدر نجاحه في النهوض بأعباء القيادة وتحقيق أهداف المنظمة والعاملين (كنعان : 1404هـ , 276 - 377) .