البعد الاستراتيجي لإدارة الموارد البشرية
في ظل التغيرات و التطورات السريعة في عالم الاقتصاد الذي يعرفه اليوم،بات واضحا الدور الكبير الذي تلعبه إدارة الموارد البشرية في المنظمات التي تعمل على المستوى العالمي و تريد أن تبقى و تفرض نفسها في ظل وجود المنافسة و التحديات الكبرى التي تواجهها.
و يعود تاريخ إدارة الموارد البشرية إلى قرنين من الزمن تقريبا و ذلك منذ ظهور الثورة الصناعية، إذ بدّأ التفكير في أهمية العنصر البشري و إنشاء إدارات خاصة بالموظفين، تبحث في شؤونهم و تعتني بكل ما يتعلق بهم....و كان لهذه الإدارة تسميات مختلفة منها: إدارة شؤون العاملين،إدارة شؤون الموظفين،إدارة الأفراد....الخ
وقد ظهر مصطلح إدارة الموارد البشرية في بداية الستينات من القرن العشرين و قد مثّل ظهور هذا المصطلح نقطة البداية لظهور مدرسة الموارد البشرية، و قد بقية تسمية "إدارة الأفراد" حتى عام 1980م تقريبا ثم تغير هذا الاسم إلى " إدارة الموارد البشرية" ويمكن تلخيص نشأة وتطور إدارة الموارد البشرية في الآتي:
نشأة و تطور إدارة الموارد البشرية يعود إلى بروز أهمية الدور البشري في العمل،و أيضا إلى القوانين الحكومية الخاصّة بالحفاظ على الموارد البشرية و القوانين الخاصّة بالنقابات و الاتحادات العمالية و انطلاقا من إلزامية هذه القوانين للمنظمات، اتجهت هذه المنظمات إلى تكوين إدارة متخصصة باسم "إدارة الموارد البشرية" للتعامل مع هذه القوانين.
المنافسة الشديدة بين المنظمات و ظهور مصطلح العولمة أدى بهذه المنظمات إلى توجيه جل اهتمامها في إرضاء العملاء فكان يلزم عليها أن تلجأ إلى إدارة الموارد البشرية.
إنّ التطور الاقتصادي العالمي الهائل، و كبر حجم الشركات، ومن ثم كبر حجم العمالة و ما تجرّه من مشاكل متنوعة، فرضّ الحاجة لإدارة متخصصة-وهي إدارة الموارد البشرية للتعامل مع هذه المشكلات.
و يبقى لمفهوم إدارة الموارد البشرية وجهات نظر مختلفة تحدد له مفهوم موحد، حيث يرى أصحاب النظرية التقليدية أو الكلاسيكية أن إدارة الموارد البشرية ماهية إلا نشاط روتيني يختص بأمور ليس لها تأثير على إنتاجية المؤسسة، فهذه النظرية الضيقة لم ترى فيها سوى جهاز تنفيذي محدود الأهمية لا يرقى إلى مستوى الإدارات الرئيسية في المؤسسة مثل إدارة المصانع أو الإدارة التجارية و غيرها....
في حين يرى أصحاب النظرة الحديثة أن إدارة الموارد البشرية هي إحدى الوظائف الأساسية في المنظمة و لها نفس أهمية الوظائف ألأخرى (الإنتاج، التمويل، التسويق) نظرا للدور الذي يلعبه العنصر البشري في التأثير على إنتاجية المؤسسة.[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
ويعرف" "FRENCHE:إدارة الموارد البشرية بأنها عملية اختيار و استخدام و تنمية و تعويض الموارد البشرية العاملة بالمؤسسة.
و يعرّفها "SIKHULA"بأنّها استخدام القوى العاملة داخل المؤسسة، و يشمل ذلك عمليات تخطيط القوى العاملة بها، الاختيار و التعيين، التدريب و التنمية، التعويضات و الأجور، العلاقات الصناعية، تقديم الخدمات الاجتماعية و الصحية للعاملين و أخيرا بحوث ألأفراد.[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
كما تعرف إدارة الموارد البشرية بأنها مجموعة القواعد و الإجراءات التي تطبقها المؤسسة، فهي التي تشرف على مجموعة الأنشطة المتعلقة بالعنصر البشري في المنظمة حيث تقوم بتخطيط القوى العاملة و تشرف على عمليات التوظيف و الاختبار، الاستقطاب، التدريب،تحديد الكمية و النوعية اللازمة من العمال كما تقوم بالبحث عن الإطارات المؤهلة من اليد العاملة من أجل وضع الرجل المناسب في المكان المناسب و الوصول إلى النجاح و الإنتاج المطلوب من جهة الأفراد و المؤسسة
و لقد كانت لإدارة الموارد البشرية أدوار هامة تلعبها أكثر اتساعا و شمولا من التي كانت عليها فطالما اعتبرت إدارة الموارد البشرية وسيلة ربط مختلف النشاطات و الوحدات التنظيمية و ساهمت في تحقيق الربحية و الإنتاجية و لعبت هذه الإدارة دورا هاما و حيويا في تحديد نجاح المنظّمة و تحقيق الميزة التنافسية لها، كما لعبت دور التفاعل المستمر و الترابط المتكامل بين مديرو الموارد البشرية و فريق الإدارة العليا باعتباره عضوا فعالا ضمن فريق الإدارة العليا حيث يقوم بالمساعدة في تحديد رسالة و أهداف المنظمة من خلال تحليله للفرص و التهديدات المرتبطة بالمورد البشري و كذلك نقاط القوة و الضعف في الموجودات البشرية في المنظّمة. و هناك أيضا أدوار إبداعية متمثلة في مجالين رئيسين تساهم بهما إدارة الموارد البشرية بفاعلية:
المجال الأول: تطوير الاستراتيجيات الطارئة ووضعها، أي الاستراتيجيات الغير مخطط لها من قبل الإدارة، فنجد في غالب الأحيان أن الإدارة هي التي تسعى في التخطيط الاستراتيجي و اتخاذ القرارات الإستراتيجية التي ينجم عنها ما يسمى بالإستراتيجية المقصودة Intendant stratégieو تختلف عن سابقتها أي الإستراتيجية الطارئة التي يكون لإدارة الموارد البشرية الدور الأساسي و الكبير فيها فهذه الإستراتيجية يتم وضعها من قبل العاملين في المستويات الدنيا في المنظمة من خلال الاقتراحات و الأفكار و الانشغالات الإبداعية التي يأتي بها العاملون و التي لها ارتباط بالأسواق الجديدة أو المنتجات الجديدة، من هذا يتضح دورا مهّما تلعبه إدارة الموارد البشرية و بعدا استراتيجيا من خلال التفاعلات و الاتصالات بين الوحدات المختلفة في المنظمة و تدعيم الأفكار البناءة التي تولد استراتيجيات الجديدة ينبغي لها المناقشة و الدراسة من قبل فريق الإدارة العليا.
المجال الثاني: فهو دور إدارة الموارد البشرية في تحقيق الميزة التنافسية من خلال تطوير رأسمالها البشري الذي يوفر للمنظمة الإمكانيات والقدرات المميزة المتوافقة مع حاجات البيئة المتغيرة فظهور مفهوم المنظّمة المتعلمة LERNINGORGANIZATION هو استجابة للخصائص البيئية المتمثلة في التغيّرات السريعة و التي تتطلب على إدارة الموارد البشرية إعداد و تأهيل العاملين باستمرار لاكتساب أيّة معارف و مهارات جديدة و توسيع المجالات المعرفية لتحقيق المزايا التنافسية[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
من هذا كلّه يمكن القول أن واقع إدارة الموارد البشرية في وقتنا المعاصر -خاصّة في الدول الصناعية المتقدمة- تغيّر كثيرا عماّ كان عليه في الماضي، إذ زاد الاهتمام بالعنصر البشري، و الذي تبعه زيادة في الاهتمام بوجود إدارة الموارد البشرية لها صفة التخصص تهتم بهذا العنصر أو المورد البشري، فقد أصبحت هذه الإدارة هي الجهة المسؤولة عن حماية و تأهيل و تنظيم علاقة العنصر البشري في العمل داخل المنظّمة،و مسؤولة أيضا عن التحفيز بكل الوسائل المادية و المعنوية، لتزيد من انتمائه و ولائه، وهي مسؤولة أيضا عن حل مشكلاته، و تهيأت المناخ و البيئة المناسبة و الصالحة للعمل....و هي بذلك تلعب دورا غاية في الصعوبة إذ تتعامل مع العنصر البشري المتقلب المزاج، المتعدد الثقافات، المختلف في درجات تفكيره و تقديره للأمور.
و لقد كان لهذا الاتساع و التغير في دور إدارة الموارد البشرية عدّة أسباب لعلّ من أهمها هو زيادة تعقد البيئة التنظيمية، فالزيادة في تدفق القوانين الحكومية أدّى بالزيادة إلى الضغوط و الأعباء على مديري الموارد البشرية إلى جانب ذلك تعامل هذه الإدارة مع القوى العاملة التي زادت متطلباتها المتعلقة بالرضا عن العمل، و التغيرات الهامة التي تحدث في تركيبة القوى العاملة مثل زيادة نسبة المرأة العاملة و ما يترتب على هذه الأخيرة من تأثير على هذه الإدارة و أنشطتها مثل إنشاء دور لرعاية الطفل.
أيضا فإنّ إدخال الحاسب الآلي كان له تأثير كبير و واضح ففي حقيقة الأمر فإن وظيفة إدارة الموارد البشرية تطورت تطورا سريعا لتصبح واحدة من أكبر مستهلكي و عملاء الحاسب الآلي[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]
من كل هذه التطورات والأسباب جعلتنا نفكر في إدارة الموارد البشرية في المستقبل والأدوار الجديدة لها؟
تتطلب الفترة القادمة من إدارة الموارد البشرية أن تصبح أكثر شمولا وتعقيدا عن سابقتها، لكي يكون لديها القدرة على مواجهة تحدّيات المستقبل، فلكي تحقق هذه الإدارة الدور المطلوب منها،أصبح واجبا و ملزما على مديرها أن يكون لهم دور متكامل مع استراتيجيات المؤسسة وهذا ما نجده في بعض المنظّمات اليوم فقد أصبح مدير إدارة الموارد البشرية عضو في مجلس الإدارة، أو لجنة التخطيط أو الاثنين معا.
"و في بحث أجري سنة 1980 في الولايات المتحدة الأمريكية لاستطلاع أراء حول أهمية إدارة الموارد البشرية في المستقبل، أظهرن النتائج أنّ 69% من مديري الإدارة العليا و 73% من مديري الموارد البشرية توقعوا زيادة أهمية وظيفة الموارد البشرية من خلال السنوات القليلة القادمة، كما تنبأ البعض بتوسيع دور إدارة الموارد البشرية"
و إذا سلمنا بهذا الرأي حول مستقبل إدارة الموارد البشرية، فوجّب على مديري هذه الإدارة أن يغيروا بعض الأفكار السلبية و غير الصحيحة المرتبطة بإدارة الموارد البشرية و لتحقيق هذا يجّب على مديرها أن:
يصبح أكثر اهتماما بأن يكون رجل أعمال و يصبح أكثر تخصصا و أفضل مستوى، و هذا من خلال زيادة معرفته عن الاتجاهات و القضايا الحالية و المستقبلية بالمنظّمة.
يساعد على تشجيع الاستثمار في الرأس المال البشري داخل المنظّمة و التركيز على أهمّية التأثير الايجابي للاستخدام الأمثل للموارد البشرية.
يساعد في حل المشاكل التنظيمية من خلال تقديم الاقتراحات العملية و المفيدة في تحقيق الأهداف الحالية للمنظّمة.
و تسعى إدارة الموارد البشرية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف يمكن إجمالها و تلخيصها فيما يلي:
أ#- تحقيق أعلى كفاءة إنتاجية ممكنة، و ذلك من خلال تخطيط احتياجات المنظّمة من الموارد بشرية كمّا و نوعا باستخدام الأساليب العلمّية بصفة عامة و الإحصائية و الرياضية بصفة خاصّة.
ب#- العمل على زيادة مستوى أداء العنصر البشري، و ذلك من خلال الاهتمام بزيادة قدرة الأفراد على العمل وزيادة رغبتهم في أداء العمل،و ذلك عن طريق تنمية قدراتهم بالتدريب و توفير مناخ العمل المناسب ماديا و نفسيا.
ت#- زيادة درجة الولاء و الانتماء و ذلك من خلال وضع هيكل عادل للأجور و الحوافز و سياسات واضحة للترقية، و الاهتمام بالعلاقات الإنسانية و العمل على تدعيمها من حين لآخر.
ث#- و ضع نظام موضوعي لقياس و تقييم أداء العاملين، بحيث يضمن إعطاء كل ذي حق حقه سواء في الترقية أو المكافآت أو العلاوات الاستثنائية أو الحوافز المادية و المعنوية.
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]د علي سلمي-إدارة الأفراد و الكفاءة الإنتاجية. دار غريب للطباعة، القاهرة 1985، ص 16
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]د.صلاح عبد الباقي ،د.عبد الغفار حنفي-إدارة الأفراد و العلاقات الإنسانية المكتب العربي الحديث ،الإسكندرية -ص 04
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]د-سهيلة محمد عباس.، إدارة الموارد البشرية "مدخل استراتيجي. دار وائل للنشر 2003" ص 28-29
[مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]د- راوية محمد حسن، مدخل استراتيجي لإدارة الموارد البشرية . الدار الجامعية الإسكندرية. طبعة 2000 ص28