لعل من بين أكثر المآزق والتحديات التي تواجه المخططين في مجال إستراتيجيات الموارد البشرية هي القفز مباشرة إلى تدريب الكوادر البشرية على أساس تحديد الاحتياجات التدريبية ومن ثم تعميم البرامج وتنفيذها بشكل غير متعمق يفتقر في أساسه إلى إجراء البحوث المتخصصة. بل يمكن القول إن مأزق البطالة قد دفع المخططين للقوى البشرية إلى الدخول في تحدٍّ غير محسوب العواقب وذلك من حيث محاولة السرعة في توفير ما أمكن من القوى البشرية لسد احتياجات السوق، دون مراعاة للواقع الفعلي لهذه الاحتياجات. لقد كان التركيز في جله منصبّاً على محاولة إيجاد فئة من المحترفين المهنيين وذلك بغرض تقليص الاعتماد المفرط على العمالة الأجنبية التي أثبتت إلى حد الآن قبولها من قبل أصحاب الشركات، وذلك للعديد من الاعتبارات المهنية والاقتصادية والاجتماعية. هذا التركيز على فئة المهنيين المحترفين دون غيرهم لم يعد له ما يبرره في ظل بقاء العديد من المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع نحو الاتجاه المعاكس في نجاح هذا التوجه. لذلك فإنه من المناسب اليوم أن نعيد إستراتيجياتنا فيما يتصل بتأهيل القوى البشرية وذلك من خلال التركيز على فئة أخرى من الموارد البشرية، وهي ما يطلق عليه رأس المال الفكري. وللوصول إلى هذه الفئة وتحديد جدواها فإننا بحاجة إلى تبني منهج البحوث العلمية في هذا الشأن؛ وذلك من خلال الاختيار من بين بديلين أو الدمج بينهما، وهما : منهج البحث العلمي ومنهج تحليل السياسات العامة ؛ وسوف نعرض بإيجاز لمدى مساهمة منهج البحث العلمي في تحديد رأس المال الفكري. منهج البحث العلمي:
لسنا في هذا المقام بحاجة إلى التعريف بالمنهج العلمي وخطواته بالتفصيل؛ لأن ذلك المنهج أصبح من الذيوع في أوساط الباحثين والممارسين بما يكفي دون الحاجة إلى سرد تفاصيله. إن اللجوء إلى المنهج العلمي تكمن أهميته في النقاط التالية : أ. تحديد مشكلة الدراسة وخصائصها
فمن خلال هذه الخطوة يمكننا أن نتبين حجم الفئة المستهدفة من رأس المال الفكري وخصائص هذه الفئة من حيث أعمارها ومؤهلاتها وأمكنة وجودها سواء على مستوى القطاعات أو على مستوى المناطق. إن تحديد الفئة المستهدفة باعتبارها تمثل مشكلة الدراسة سوف يساعدنا على استجلاء الكثير من جوانبها بما يمكننا لاحقاً من متابعتها وتطويرها. ب. تحديد الأسلوب المتبع في دراستها
إن تحديد الفئة المستهدفة للدراسة في مجال رأس المال الفكري سوف يساعدنا لاحقاً على تحديد الأسلوب الذي يمكن من خلاله دراسة هذه الفئة، سواء من حيث استخدام أسلوب الاستبانات أو المقابلات الشخصية أو الوثائق أو الجمع بين أكثر من أسلوب. إن الاتصال مع هذه الفئة من خلال استخدام هذه الأساليب سوف يزيد من معرفتنا لحجم هذه الفئة، كما سيشجعنا في الوقت نفسه على متابعة البحث في تشخيص واقعها، ومن ثم تقديم صورة صحيحة عن الكيفية التي يمكن بها إدارتها في المستقبل. على أن ما ينبغي التنبيه إليه هنا هو أن دراسة رأس المال الفكري تتطلب منا الابتعاد عن النمط الروتيني في دراستنا الميدانية. فلقد أصبحت الاستبانات والمقابلات في البحوث الميدانية عملاً روتينياً لا يستند على الأصول العلمية في البحث. لذلك فإن دراسة رأس المال الفكري تتطلب منا التدقيق في وسائلنا العلمية بحيث تكون نتائجها ذات مصداقية عالية وأساساً لأي خطط إستراتيجية لإدارة واستثمار رأس المال الفكري.
ج. ربط نتائج الدراسة بجهود الاستشارات والتدريب
إن الغرض من اتباع منهج البحث العلمي في دراسة واقع رأس المال الفكري السعودي ليس مجرد وصف لهذه الفئة وخصائصها، بل إن المطلب النهائي هو ربط هذه النتائج بأعمال الاستشارات والتدريب. ذلك أن تعظيم الفائدة من رأس المال الفكري يتطلب توظيف منهج الاستشارات والتدريب في تمكين هذه الفئة وإتاحة المجال لاستثمارها، سواء في داخل المملكة أو خارجها ، وإن كان التوجه الأنسب هو استثمارها في الخارج. وسوف نتحدث عن دور الاستشارات والتدريب في برنامج إدارة رأس المال الفكري باعتبارهما مكملين لمنهج البحث العلمي.