أوّلاً وقبل كلّ شيء ، لا بدّ من أن تتذكّر أنّ الحريّة ـ حقّ الحريّة ـ هي الامتناع عن أي استجابة لأيّ ضغط سلبيّ يستهدف النيل من عزّتك وكرامتك وشخصيتك وإيمانك .

لقد رفض أبو ذرّ الغفاريّ (رضي الله عنه) عطيّة من معاوية حملها إليه أحد عبيده الذي وعده معاوية بالعتق إنْ قبلها أبو ذر ، فقال العبد لأبي ذرّ : إنّ في قبولك إيّاها عتقي .
فقال له أبو ذر : ولكنّ في قبولي إيّاها رقّي !!
اُنظر ماذا فعل أبو ذر ؟
فمن جهة لم يستجب لضغط معاوية الذي أراد أن يسترقّه بعطائه ، ومن جهة ثانية لم يستجب لضغط العبد النفسيّ عليه في استعطافه لنيل حريّته ، فبقيت حريّته الشخصية وكلمة (لا) أعزّ من هذا وذاك .

وقد يجهل بعض الشبان من حديثي العهد بالتجربة الحياتية ، معرفة الصحيح من الخطأ في اتخاذ القرار ، فيقعون تحت ضغط الجهل مترددين ، أو قد يقدمون دون مراعاة أو حساب للنتائج ، ولأجل أن تخفف من وطأة الضغط في اتخاذ القرار المناسب ضع أسئلة لاكتشاف الصحيح ، من قبيل :

ـ هل هذا العمل يسيء إلى شخصيّتي ، أو أحد ممّن تربطني به علاقة حب واحترام ؟
ـ ماذا يقول عقلي وضميري عن ذلك ؟

ـ هل هذا من العدل والإنصاف ؟

ـ ما ردّ فعلي لو فعله غيري ؟

ـ ما شعوري لو فعلته ، هل سأكون راضياً مقتنعاً ، أو نادماً متألماً ؟

ـ ما هو رأي الذين أثق بهم وأحترمهم من الكبار في هذا العمل أو الخيار ؟

ـ هل هذا يرضي الله سبحانه وتعالى أم يسخطه ؟

ـ ما هي عاقبته ونتائجه ؟

ـ ما هي نسبة سلبياته في قبال إيجابياته ؟

ـ ما هو المعنى المحدّد للألفاظ والمصطلحات الواردة فيه ، فمثلاً ما معنى (العيب) :
هل هو ارتكاب المحرّم شرعاً ؟
أم الذي يبيحه الشرع ويستنكرهُ الناس ؟
أو الحرج النفسي الشديد الذي تسببه لي تربيتي البيتية ؟

إنّ معرفة الإجابة عن هذه الأسئلة أو بعضها يقيك الوقوع تحت مطرقة الضغط ، وكلّما كانت ثقافتك الإسلامية أوسع ، كان الضغط عليك أخفّ .

ومن هنا فإنّ المراد بـ (التفقّه في الدين) هو الثقافة الإسلامية بإطارها الواسع ، وليست الثقافة الشرعية الواردة في كتب الفقه والرسائل العملية والمتضمنة لمسائل الحلال والحرام .