عقب محاضرة ألقيتها في أحد المراكز الثقافية وكانت بعنوان " إدارة الموارد البشرية بين النظرية والتطبيق " سألني أحد الحضور : هل إدارة الموارد البشرية علم أم فن - أم كلاهما معا ؟ وهذا السؤال كثيرا ما يطرق فهو يحمل على أمور كثيرة ، إذ يمكن أن تسأل : هل السياسة علم أم فن ، هل قيادة السيارة علم أم فن ؟ الخ ...
إن أي عمل في إدارة الموارد البشرية يبدأ من فكرة في الذهن إلى مخطط على الورق إلى تنفيذ ، فالفكرة والتخطيط هما نظرية أما التنفيذ فهو تطبيق لتلك النظرية ، ولأن هناك اختلاف بين البشر في طريقة التفكير بل وفي فهم الكثير من الظواهر ولا سيما السلوكية بسبب التفاوت في الإدراك فإن كل نظرية تختلف عن غيرها وإن كانت لمووع واحد، النظرية هي فن في التفكير وفن في التخطيط وكذلك فهي إن لم تستند إلى مبادئ وقوانين أو إلى جملة من المقاييس لن تكون علما ، ولذلك أقول إن الفن والعلم يلعبان دورين مشتركين ولا أقول متساويين في صياغة الفكرة وفي التخطيط لها ، أما التنفيذ فهو آلية عمل حتمية لما جاء في التخطيط فإن لم يكن كذلك فهناك الفشل الذريع الذي ينتظر الإدارة .
سأعطي بعض الأمثلة : مؤسستي تحتاج إلى عامل خبير في صيانة أجهزة التكييف ، الفكرة هنا : تعيين عامل خبير ، التخطيط يكمن في الإعلان عن حاجتنا إلى عامل خبير ، التنفيذ يتم عندما أقوم بتعيين أحد المتقدمين ، فإن تم الاختيار الصحيح بعيداُ عن العاطفة والوساطة أو أية ضغوط خارجية بمعنى أنني قمت بإجراء سبر واختبار وعليه تم التعيين فهذا يعني أنني وضعت الرجل المناسب في المكان المناسب ، وكنت بذلك عالما وفنانا بآن معا ، عالم لأنني مدرك للمقاييس والمبادئ والقوانين ، وفنان لأنني استطعت أن أصيغ أسئلة الاختبار بدراية وفهم وأنني اخترت عاملا خبيرا متجاوزا العاطفة والضغوط .
مثال آخر : إدارة مؤسسة خدمية كمشفى مثلاً : تستند إلى العلم وإلى الفن معاً ، فعندما أطبق القوانين والأنظمة دون أن يتذمر مني أحد العاملين فمعنى هذا أنني فنان في طريقة دخولي إلى قلوبهم فاكتسبت ثقتهم ومحبتهم ، وهذا ينعكس ايجابيا على أداء هؤلاء .