ويتميز تفكير الشخص الناضج باعتماده على المعلومات وإثارة الأسئلة (وماذا - متى - كيف - أين - لماذا) ويتخذ قراراته بناء على بدائل واحتمالات.
أما مشاعره فهي أصلية مباشرة تركز على الحقائق ويهتم بأن يكون احترام الآخرين له مبنياً على إنجازاته وقدرته على تحقيق النتائج.
أما سلوكه الوظيفي ومع زملائه ورؤسائه، فيتميز بالإخلاص، والإنصات للآخرين، والانشغال بمشكلات العمل والتفكير فيها بعمق وذكاء، والصبر والمثابرة.
كيف يمكن تحقيق النضوج؟ إن الفرد ينتقل خلال سنوات عمره من مرحلة إلى أخرى، فمن التنشئة الاجتماعية الأولى في البيت، إلى المدرسة، على التعليم في مراحله المتقدمة، ثم التدريب المستمر، كل ذلك يمكن إذا كان مخططاً ومدروساً جيداً أن يوصل الفرد إلى حالة من النضوج العقلي، فالتنشئة السليمة تمده بالأساس الذي ينطلق منه، والتوجيه السليم في المدرسة الأولى يضعه على الطريق السليم، والمعرفة العميقة في مراحل التعليم المختلفة تصقل تفكيره وهكذا، لذلك يقول الفلاسفة أن الحياة هي الاكتشاف المستمر للنفس.
لماذا نحتاج إلى أفراد ناضجي الشخصيات في هذا القرن؟ لأن لكل خاصية من خواص النضوج التي ذكرناها، تأثيراً قوياً على العمل والنجاح والإنجازات.

خذ الإيجابية مثلاً، إذا كان العامل يتميز بها فإنه سيشغل نفسه بمشكلات المجتمع وهمومه والإنجازات التي تسهل له طريق التقدم.
وذلك يعكس التفكير السلبي الذي يحدث فجوة بين الأفراد والمنظمات التي يعملون فيها، فتجدهم يهتمون بالحصول على الأجور والحوافز وغيرها، ولا يعنيهم بعد ذلك ربحت الشركة أم خسرت، حققت أهدافها أم لم تحققها.
وخذ أيضاً خاصية التوجيه والرقابة والذاتية، إن الموظف أو العامل يؤدي واجباته ويحقق إنجازاته، ليس بدافع الخوف من العقاب ولكن لرغبة داخلية في العمل، ليس لأن المدير قائم عليه متربص به ولكن لأنه هو يريد -داخلياً- أن يؤدي عمله ويحقق أهدافه.
وخذ المرونة - وخاصة الجانب الفكري فيها- أنها تؤدي إلى زيادة البدائل والتفكير في حلول جديدة للمشكلات واقتحام آفاق جديدة للأعمال (أنظر المصالح الحكومية التقليدية تجد أن مشكلات اليوم تحل بأسلوب الأمس، رغم التغيرات الهائلة التي حدثت وما تزال تحدث حولها، الأمر الذي يفسر تدني الأداء وانخفاض الإنتاجية لهذه المصالح).

إن الشخصية الناضجة تساعد صاحبها على النجاح، وتشحذ رغبته في التطور وتحقيق مزيد من النمو والتقدم، ولا شك أن الأفراد الناضجين يعملون على (إنضاج) المنظمات التي يعملون بها، كما أن المنظمات الناضجة تعمل على مزيد من نضوج أفرادها، أنها لعبة يكسب فيها جميع الأطراف.