هل سبق أن شعرت بأن عليك أن تتخذ قراراً قبل أن تتمكن من تجميع وتحليل الحقائق اللازمة، وربما في موقف متأزم؟ هل سبق أن فكرت "كل شيء يبدو أنه في مكانه، ولكنني غير مرتاح لذلك"؟ هل سبق أن شعرت بأن إحدى الأفكار تبدو مقنعة تماماً بحيث أنك عملت بها رغم عدم توافر البيانات المهمة؟ إن حدثت هذه الأمور معك فإن الحدس يلعب دوراً في قراراتك.
يُعَرَّف الحدس بأنه العملية العقلية التي تعمل على تقييم المواقف وصياغة الأحكام دون الاستفادة من التحليل الصريح للحقائق. يقوم الحدس أساساً على التعرف على الأنماط. وكلما ازدادت كمية بيانات الأعمال التي يخزنها دماغك ازداد معها احتمال أن يتوصل إحساسك الغريزي إلى عقد صلات مفهومة بين تجارب الماضي والحاضر.
وعلى الجانب السلبي فإن الثقة المفرطة في قدراتك الحدسية يمكن أن تغريك بالتجاوز عن التحليل الموضوعي الذي ينبغي أن ينير جميع قراراتك العملية المهمة تقريباً. المهم أن تعرف متى تستطيع الثقة بإحساسك الغريزي.
وإليك فيما يلي طريقتين يمكنك فيهما الاستفادة من أحاسيسك الغريزية.
1 ـ استعملها وسيلة اختبار
استخدم الحدس وسيلة للتأكد من التحليل المستند إلى الحقائق. وفي هذا المقام ينصح كيم والاس، رئيس شركة أبحاث التسويق والاس وواشبيرن في بوسطن، بأنه إذا قال التحليل الموضوعي بالمضي قدماً ولكن إحساسك الغريزي قال بالتوقف، أَجِّلْ قرارك. "أَخِّ رْ قرارك إلى حين أن يصبح منطقياً بالنسبة إليك وتشعر بأنه قرار سليم. إذ لا بد أن يتفق جانبا الدماغ، وهما الجانب المنطقي والجانب الحدسي. فإذا لم يتفقا، حاول أن تحصل على مداخلات واقتراحات من مصادر أخرى إلى أن يستوي القرار من المنظور المنطقي والمنظور الحدسي".
ما الذي يجري حين يختلف المنطق مع الحدس؟ يجيب على هذا السؤال جون هاموند، أحد المؤلفين الثلاثة الذين اشتركوا في تأليف كتاب خيارات ذكية: دليل عملي لاتخاذ قرارات أفضل (مطبعة كلية هارفارد للأعمال، 1999)، حيث يقول إن النزاع بين التحليل الموضوعي والمعنى الحدسي يمكن أن يعني أنه قد فاتك شيء مهم في التحليل. ويقترح هاموند أن تعد ذلك إشارة تدفعك إلى النظر من جديد إلى الدليل والنتائج المستخلصة منه.
2. استخدمه للنفاذ داخل سحابة التوظيف
التوظيف هو مجال آخر يمكن أن تستفيد فيه من إحساسك الغريزي. منذ فترة قريبة طلبت من ستة من كبار التنفيذيين أن يذكروا لي أنماط صنع القرار التي يعدونها تشكل أكبر التحديات بالنسبة إليهم. وقد أشاروا جميعاً إلى القرارات الخاصة بالأشخاص، وكان على رأس القائمة القرار الخاص بتوظيف الشخص غير المناسب.
ينبغي ألا نفاجأ بالنتائج السيئة التي تحدث عنها هؤلاء التنفيذيون . فالسيرة الذاتية تهدف أصلاً إلى إعطاء صورة ممتازة عن صاحبها. كما أن مراجع التوظيف لا تكون دائماً صريحة معك. وكثير من المرشحين للوظائف يستعدون للمقابلة استعداداً كاملاً بحيث إن أجوبتهم تأتي مناسبة وسليمة دائماً.
يعتمد بيتر لامبيرتوس، رئيس شركة تشارلز ريفر ديفلوبمنت، على الحدس في مواقف من هذا القبيل، ويستخدمه بصورة تنسجم مع مصادر المعلومات الأخرى. "أحيان اً تجري مقابلة مع شخص تبدو سيرته الذاتية ومستوى خبرته في وضع جيد، ومراجعه جيدة. ولكن إحساسك الغريزي يقول لك إنه غير مناسب. هذا شعور ليس من السهل أن تضع إصبعك عليه بالضبط، ولكنك تشعر أن هناك أمراً ما غير مريح".
لا شك في أن إحساسك الغريزي نحو الناس يمكن أن يكون عوناً لك في قرارات التوظيف، ولكنه يمكن أن يؤدي كذلك إلى اتخاذ قرارات سيئة، بل وربما إلى مشكلات قانونية. يقع كثير من الناس في فخ التحيز للمثيل، بمعنى أنهم بصورة لاشعورية يفضلون الأشخاص الذين يماثلونهم من حيث العرق أو الجنس أو الطبقة الاجتماعية وما إلى ذلك. ولذلك فإن ما ينبئك به إحساسك الغريزي يجب أن يُخفَّف بالتقييم الموضوعي.
ويقول لامبيرتوس إن التنفيذيين في شركته يسألون أنفسهم أسئلة أربعة حين يقيمون المرشحين للمناصب الإدارية: هل يتمتع هذا الشخص بالطاقة والحيوية؟ هل يستطيع أن يبث الحماس في الآخرين؟ هل يستطيع تنفيذ الخطط؟ هل يتمتع بالجرأة والقوة، أي هل يتمتع بالصلابة اللازمة للنجاح في المواقف الصعبة؟
ولذلك هل يجدر بك الإنصات لصوتك الداخلي حين يتحدث إليك؟ نعم. كن منفتحاً مع هذا الصوت ومع الكثير من الخبرات والذكريات اللاشعورية التي تقف وراءه. وفي الوقت نفسه لا تنس أن تتبع النصيحتين الواردتين في تحذير رونالد ريجان الشهير: "ثق وتحقق".
ولكن كيف يمكن أن يوقعك الحدس في المشكلات؟ ..
أحد المحركات الأساسية للحدس هو ما يعرف باسم التعرف على الأنماط، أي أن ترى في أحد المواقف الحالية شيئاً شبيهاً بموقف سابق. وبعبارة أخرى فإننا نرى الخبرة السابقة باعتبارها قياساً نقارن به الموقف الحالي ونستخدم هذا القياس لنسترشد به في اتخاذ قراراتنا.
إن القياس يمكن أن يكون أمراً مفيداً للغاية إذا نظرنا إليه على أنه مجرد قياس وأنه يشجعنا على التعمق في التفاصيل: "كان مشروعنا المشترك مع ألفا كومباني ناجحاً للغاية. ونفترض أن المشروع المشترك مع أوميجا إنك، حين نستخدم نفس تركيب الصفقة وأحكامها، ينبغي أن يتمتع بنتائج مماثلة. فهو موقف مماثل من حيث ما تتمتع به شركتانا من التكنولوجي ا والأسواق والقدرات".
ولكن القياس يمكن أن يخدعنا ويجرنا إلى اتخاذ قرارات رديئة. على سبيل المثال فإن الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون جونسون ومستشاريه نشأوا خلال ثلاثينيات القرن العشرين، وهي فترة اتسمت بالغليان والجيشان، وانغرست في ذاكرتهم صور الطغيان في الأنظمة الدكتاتوري ة وهي تستعد لدخول الحرب العالمية الثانية. ورأوا أن القتال في فيتنام على أنه من هذا القبيل، وفاتهم أن فيتنام كانت حركة مناهضة للاستعمار تتمتع بتأييد قوي من أهل البلاد.
فكيف يستطيع أهل الأعمال تجنب القياس الفاسد وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بمنافع الذاكرة والخبرة؟ هناك عدد من النصائح المفيدة جاءت في الكتاب المشهور "التفك ير من خلال الزمن: استخدامات التاريخ لصانعي القرارات" (فْري برس، 1986) من تأليف ريتشارد نويشتات وإرنست ماي. إذا ووجهت بظروف تبدو أنها مماثلة لشيء حدث معك من قبل، اسأل نفسك الأسئلة التالية:
ما الأمور المعروفة عن هذا الموقف؟
ما الأمور غير الواضحة؟
ما الأمور المفترضة؟
ما أوجه الشبه مع الأحداث الماضية؟
ما الفروق بينهما؟
ينبغي أن يكون كل سؤال من هذه الأسئلة أساساً للبحث الجاد. وحين تجيب عليها، يقل احتمال وقوعك ضحية للقياس الفاسد.