إعلان الدكتور أشرف العربي وزير التخطيط الانقلابي في مصر - منذ أيام عن الانتهاء من قانون جديد ينظم الخدمة المدنية لموظفي الدولة ويجيز حصول الموظف علي هدية لا تزيد قيمتها علي300 جنيه ، أثار كثيرا من التساؤلات حول نص القانون.
فالبعض يرى أنه نص صريح يسمح بالرشوة ولا يجرمها، بغض النظر عن اختلاف مسمياتها، وهو ما يتناقض مع قانون العقوبات الذى يجرم حتى مجرد طلب الرشوة من صاحب المصلحة.
وزير التخطيط يقول إن القانون الجديد لا يقنن لجريمة الرشوة، وأنه بديل لقوانين قديمة فى مصر تعد من أقدم القوانين فى العالم، مشيراً إلى أن الهدف من القانون الجديد للعاملين المدنيين فى الوظائف الحكومية هو إصلاح الجهاز الإدارى بالدولة، موضحاً أن القانون الجديد المزمع صدوره قريباً لا يجيز حصول الموظف على هدايا بمبلغ يزيد على 300 جنيه، وهو مايساوى 42 دولارا، مؤكدا أن مخالفة الموظف وتلقيه هدايا بمبالغ أكبر تعرضه للتحقيق والعقاب، فالقانون يفرق بين الهدايا والرشاوى التى تقدم للأفراد والمؤسسات للحصول على خدمة بطريقة غير مشروعة، كما أنه يقلل من الوساطة والمحسوبية ويقدم بديلاً لتفادى مشكلات قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، ويساعد فى رفع كفاءة الانفاق الحكومى على الرواتب، ليحل محل قانونين، الأول برقم 47 لسنة 1978 والذى يعد من أقدم قوانين الخدمة المدنية فى العالم، والذى أدخل عليه 17 تعديلا حتى أصبح لا يمكن العمل به مجددا، والثانى هو القانون رقم 5 لسنة 1991 والخاص بالقيادات، كما اعتمد القانون الجديد العلاوات بحد أدنى 5% من الأساسى للموظف، و6.25% لمنصب وكيل الوزارة، بجانب أنه يقضى على تشوهات هيكل الأجور .


وحول قضية الهدايا يوضح المستشار محمود عبد الهادى عنانى المحامى بالنقض أنه لا يمكن من حيث المبدأ تقنين حصول الموظف على هدية، وهى رشوة بالمعنى الصحيح ،لأنه يترتب عليها الحصول على خدمة من الموظف، فالمتقدم بها يكون طالبا لشيء ممنوع أو يرتكب مخالفة يريد من الموظف أن يتستر عليها، وأنه فى غير ذلك يكون عمل الموظف من أساس دوره فى وظيفته التى يتقاضى عنها راتبه من الدولة، فالهدية لا تختلف عمليا عن الرشوة لأنها ترتبط بطلب خدمة، وأنه طبقا لقانون العقوبات لا يجوز للموظف العمومى أن يأخذ أى هدايا مهما كانت قيمتها المادية قليلة، لأن العبرة ليست فى قيمة الهدايا، وأيا كانت قيمتها فهى جريمة رشوة فالعمل القانونى لا يحتاج تقديم هدايا للقيام به، لأنه ضمن عمل وواجبات الموظف، وبالتالى لم يحدث أن حدد قانون العقوبات قيمة الرشوة، فالراشى والمرتشى لا بد أن يخضعا للعقاب مهما كانت قيمة الهدية أو الرشوة بتعبير أصح.


وأضاف محمود عبد الهادى أن المادة (103) من قانون العقوبات تنص على أن كل موظف عمومى طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته، يعد مرتشيا ويعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه، ولاتزيد على ما أعطى أو وعد به، كما أن القانون عاقب الوعد بالرشوة، واعتبرها جريمة حتى لوكانت غير مادية، فالمادة (107) تنص على العقوبة أيضا فيكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشى أو الشخص الذى عينه لذلك أو علم به ووافق عليه أيا كان اسمها أونوعها، وسواء كانت هذه الفائدة مادية أوغير مادية، بل إن القانون يعاقب على مجرد العرض أو الوساطة فى الرشوة، ووفق المادة (209 مكرر ثانيا) يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد علي500 جنيه كل من عرض أو قبل الوساطة فى رشوة، ولم يتعد عملها العرض أو القبول، فإذا وقع من موظف عمومى يعاقب الجانى بالعقوبة المنصوص عليها فى المادة (104) وهى السجن المؤبد وضعف الغرامة، وإذا كانت الوساطة لدى موظف عمومي، يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائتى جنيه ولا تزيد علي500 جنيه وفق المادة (105 مكرر) وتساءل: هل إعطاء هدية عينية بقيمة 300 جنيه للموظف يخرجه من دائرة الجريمة؟ محذراً من أن يؤدى ذلك إلى أن تكون الجريمة عنوان الوظيفة بالدولة .


وقال : إن المشرع واجه ظاهرة الرشوة باستحداث نص المادة (103 مكرر) من قانون العقوبات بالتعديل المدخل بالقانون (69) لسنة 1953 المعدلة بالقانون (120) لسنة 1962 مستهدفا به الضرب على أيدى العابثين عن طريق التوسع فى مدلول الرشوة وشمولها كل من يستغل وظيفته من الموظفين العموميين، والذين ألحقهم المشرع بهم، للحصول من ورائها على فائدة محرمة ولو كان ذلك على أساس الاختصاص المزعوم، بل إن محكمة النقض اعتبرت أن جريمة الرشوة تتم بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف والقبول من جانب الراشي، (الطعن 696 لسنة 58 قضائية جلسة 1-12-1988).» ونحن هنا لا نجد طلب الرشوة فقط ولكن نجد دفعها إلزاما وضرورة على صاحب المصلحة .


من جانبه أكد المستشار حسنى عوض رئيس محكمة استئناف الإسكندرية سابقا أن فكرة الهدايا لا تجوز مطلقا وقانونا مع موظف الدولة مهما كانت درجة وظيفته، غير أنه ربما يقصد الموظفين الكبار الذين يعملون فى وفود دولية وهو ما حسمته الدولة مسبقا حتى مع منصب رئيس الدولة أوالوزير الذى لا يسمح له بالحصول عليها لنفسه خاصة منها الذهب والهدايا القيمة فيتنازل عنها للدولة لتباع بعد ذلك فى مزادات علنية لصالح خزانة الدولة، وفيما عدا ذلك تكون الهدايا تحت أى مسمى رشوة بلا جدال، لأنه من البديهى أن الهدية تكون فى نظير خدمة، وغالبا ماتكون مخالفة قانونا، وفى نفس الوقت فإن هذه المادة تفتح الباب للفساد لأن أى قضية خاصة بالهدايا سيكون من السهل الهروب منها تحت هذا المسمي، وحتى لوتعدت قيمتها أضعاف هذا المبلغ يمكن أن تحدد بالتلاعب بـ300 جنيه ، ومعنى ذلك أن تسعيرة الرشوة سترتفع إلى هذا المبلغ، وهو ما يخالف القانون والدستور، ولا يمكن تحت أى مسمى أن يستمر هذا البند بالقانون الجديد لأنه سيهز ثقة الناس، باعتباره عبئا يلزم المواطن بتقديم الرشوة، وهذا يحتاج عرض المادة الخاصة به على مجلس الدولة، مؤكداً أنه حتى مع اختلاف المسميات فإن الهدية هى الرشوة فى مختلف الحالات مع الموظف، وربما يكون مقبولا تقديم أجندة أو نتيجة حائط مثلاً على سبيل المحبة دون أن تكون هناك خدمة مطلوبة من الموظف.

المصدر:
https://www.ahram.org.eg/NewsQ/346969.aspx