إن عملية استقطاب المرشحين الملائمين لشغل وظيفة محددة قد يكون من الصعوبة بمكان، ألا تكفي هذه الوسائل لتوفير العناصر البشرية ذات الكفاءة حين الحوجة إليها، فمع اشتداد المنافسة في الصناعة لتصل إلى مستوى المناسة الحادة، يكون الوقت المبذول في الاستقطاب الفيصل بين النجاح والفشل، فالمؤسسة تحتاج إلى وقت لا يستهان به في البحث حتى يتم الحصول على هذه العناصر، ومهما بلغت جهود التخطيط للقوى العاملة فإن المورد البشري ليس من الموارد التي تتوفر بمجرد الحوجة إليها.
لذلك نرى كثيرا من الشركات العملاقة ذات السمعة والصيت تلجأ إلى فتح مدارس مهنية في بعض التخصصات المهنية النادرة على أمل أن تنجح في سد هذه الفجوة بالشكل المطلوب.
إنها أشبه بمدارس الأشبال الكروية، التي تعنى بتدريب صغار السن منذ نعومة أظفارهم على مهارات اللعب والتكتيك وسرعة البديهة ومقدرات التميز. بذلك فإن المنتخب القومي يعمل على وتيرة احلال منتظمة - إذا جاز القول - تمكنه بإضافة أفضل العناصر من غير مجهود أو زمن يذكر في استقطابهم، إذ يتم اختيار الأفضل من فريق الشباب تلقائيا، ويظل اللاعبون الجدد على مقاعد الاحتياط حيث يتم اشراكهم تدريجيا في اللعب حتى يصبحوا أساسين.
هذا الخيار رغم أنه قد يوحي بصعوبة إدارته من حيث التكلفة وضعف مردوده على المدى القصير (إذ أن المدرسة تستغرق زمنا حتى تقوم بتخريج كفاءات بصفة مستديمة) إلا أن الفوائد التي تجنيها المؤسسة على المدى المتوسط والبعيد باهرة وتستحق الجهد المبذول.
كما أن المدرسة بالإضافة إلى دورها الأساسي تقوم بتدريب تلاميذها على ثقافة المؤسسة ورسالتها وأسلوب عملها، ونلاحظ أن المتميزين فقط هم الذين يتم اختيارهم وفق مؤهلات ومواصفات محددة وهم الذين يتم اختيارهم للعمل، وأما أولئلك الذين لم يتم اختيارهم فيمنحنون شهادات مهنية تؤهلهم لمستوى أقل من الوظائف وهم بأي حال من الأحوال غير خاسرين، بل ويمكنهم توظيف ما تعلموه في حياتهم المهنية خارج نطاق المؤسسة المعنية.
وتصبح المؤسسة في حالة مستمرة من التوظيف تغنيها عن الحوجة الماسة لرحلة البحث في سوق العمل، والذي قد لا يكون فعالا في سد احتياجاتها من الموارد البشرية، بالإضافة إلى عجز كثير من مكاتب التوظيف تفهم طبيعة احتياج المؤسسة إلى العنصر البشري كما تطلبه وتوفر تبعا لذلك خدمة غير فعالة. وهذا من ضمن الأسباب الداعية لتبني فكرة المدارس المهنية.