مقدمة
يلقى موضوع الرضا الوظيفي اهتماماً متزايداً من قبل الكتاب والباحثين في مجال علم النفس والسلوك التنظيمي والإدارة، باعتبار أن العنصر البشري هو الثروة الحقيقية والمحور الأساسي للإنتاج في أي منظمة. ولذلك سعت المنشآت بكافة أنواعها وخاصة الخدمية منها إلى أن يكون الفرد راضياً عن عمله، لأن الوقت الذي يقضيه في عمله قد يفوق الوقت الذي يقضيه مع أسرته. وكلما تصور الفرد أن عمله لا يحقق له الإشباع المناسب لحاجاته، وكلما تصور أنه يحرمه من ذلك، كانت مشاعره نحو هذا العمل سلبية، وكان غير راضٍ عن عمله. ويظهر ذلك من خلال بحثه عن عمل آخر أو الانتقال من هذا العمل أو عدم التزامه بالعمل كالغياب أو التأخر.
وقد استخدم علماء النفس الرضا الوظيفي للإشارة إلى المشاعر العاطفية التي يحملها الفرد نحو العمل، ويعبر عنها بشتى الصور السلوكية.
ويُعد الرضا الوظيفي محصلة المشاعر الإيجابية التي تتولد لدى الفرد تجاه الوظيفة التي يقوم بها، كما أنه يتمثل في شعور داخلي لدى الفرد يبعث لديه الارتياح وحب العمل، ويتضمن إشباع الوظيفة لحاجات ورغبات الفرد كالرضا عن سياسة الإدارة في تنظيم العمل، وظروف العمل، وساعات العمل، ونوع الإشراف, وجماعة العمل، والرواتب, والترقيات، والتقدم الوظيفي، ومسؤوليات العمل، والإنجاز، والمكانة، والتقدير والاعتراف، والحوافز.
العوامل التي تسبب الرضا الوظيفي
عوامل ذاتية متعلقة بالفرد ذاته، وتشمل قدراته ومهاراته في مجال العمل الذي يمارسه.
عوامل مرتبطة بالوظيفة، وتشمل الراتب، والحوافز المادية، والشعور بالأمن الوظيفي، وفرص الترقية، والعلاقات المتبادلة مع الآخرين.
عوامل تنظيمية تتعلق بالتنظيم الإداري ذاته، وتشمل الرضا عن نظام وأساليب وإجراءات العمل، والعلاقات بالرؤساء والزملاء والمرؤوسين، وظروف العمل وشروط العمل، والوظيفة نفسها ودرجة إثرائها.
ويمكن تقسيم العوامل التي تسبب الرضا عن العمل إلى ما يلي:

أولاً: العوامل الداخلية أو الخاصة بالفرد
حاجات الفرد: وتمثل المشاعر وردود الفعل لإنهاء حالة الحرمان والتوتر التي تصاحب وجود حاجات غير مشبعة. وكلما كان الإشباع الذي يحصل عليه الفرد من العمل عالياً، كانت مشاعر الرضا مرتفعة. ويتوقف ذلك على مستوى العوائد والمكافآت والحوافز التي تشبع هذه الحاجات، وقوة الحاجة إليها، ومدى اعتماد الفرد على عمله في الحصول على هذه العوائد.
اتفاق العمل مع قيم الفرد: وتختلف القيم التي يسعى الأفراد إلى إشباعها في مجال العمل، كما تختلف الأهمية النسبية لهذه القيم من مجتمع إلى آخر. ومن هذه القيم الحرية، والابتكار، والإبداع، والاستقلالية، والتعاون، والأمان الوظيفي، وإتقان العمل، والتسكين الوظيفي وهو وضع الموظف المناسب في المكان المناسب عند إعادة الهياكل التنظيمية الجديدة. وكلما ساعدت طبيعة العمل وظروفه على إشباع هذه القيم، ساعد ذلك على زيادة الرضا عن العمل. وينتج عن ذلك الولاء للمنشأة وزيادة معدل نموها الاقتصادي.
الشعور باحترام الذات: ويؤثر شعور الفرد باحترام الذات في مجال العمل على رضا الفرد عن عمله. وكلما كان العمل يشبع احترام الذات، كان الفرد أكثر رضا عن عمله. ويلعب المجتمع دوراً كبيراً في إدارة الأفراد والمراكز ودرجات الوظائف، ورموز المكانة المرتبطة بها.
خصائص شخصية الفرد وظروفه: ويظهر تأثير هذا العامل في جوانب كثيرة منها؛ اتصاف الأفراد بالتفاؤل والمرونة والقدرة على التوافق، والتوازن العاطفي والنفسي. كما يتصف الأفراد الذين يشعرون بالسعادة والرضا في حياتهم بصفة عامة نتيجة استقرار ظروفهم العائلية وظروف معيشتهم، أنهم أكثر رضا عن العمل عن غيرهم الذين يوصفون بعدم الرضا عن حياتهم.

ثانياً: العوامل الخاصة بمحتوى العمل أو الوظيفة
تؤثر طبيعة العمل الذي يؤديه الفرد على درجة رضائه، ويرتبط بذلك عدد من المتغيرات منها:
درجة تنوع مهام العمل، ودرجة التكرار والرتابة.
درجة الاستقلالية.
أهداف ومستوى الطموح والتوقعات.
استخدام الفرد لقدراته ومهاراته وخبراته.
خبرات النجاح أو الفشل.
فرص النمو والتقدم والتقارير المهنية.
علاقات العمل الطيبة مع الزملاء والرؤساء.

ثالثاً: العوامل الخاصة بالأداء
يتحقق الرضا عن العمل نتيجة إدراك الفرد العوامل التالية بالنسبة للأداء:
ارتباط الأداء بمكافآت وحوافز العمل.
شعور الفرد بأن قدراته تساعده على تحقيق الأداء المطلوب والأهداف المحددة.
إدراك الفرد بأن حوافز ومكافآت العمل ذات أهمية وقيمة بالنسبة له.
إدراك الفرد العدالة في توزيع عوائد ومكافآت العمل.
مستوى الإنجاز الذي يحققه الفرد.
رابعاً: العوامل الخارجية
سياسة المنشأة في الأجور والترقية والحوافز.
ظروف بيئة العمل.
القيادة والإشراف.
جماعات العمل.
الاتصال.
فرص التقدم والنمو.
الآثار الناتجة عن الرضا الوظيفي
كفاءة الأداء، والإنتاجية العالية.
السلوك التعاوني والانتظام في العمل.
انعدام الغياب إلا في الضرورة القصوى، ودوران العمل.
قلة الحوادث وإصابات العمل.
الارتياح الوظيفي.
الشعور بجودة الحياة في مجال العمل.

الخلاصة
أنه مما لا شك فيه أن لرضا الأفراد في أعمالهم أهمية كبيرة بالنسبة للإدارة والأفراد على السواء. ويُعد رضا الفرد عن وظيفته بالنسبة للإدارة مقياساً لمدى فاعلية أداء الفرد، فمستوى رضا الفرد عن وظيفته له تأثير كبير على مدى كفاءته في العمل وحرصه عليه. ويزداد جهد الفرد في عمله بزيادة استغراقه فيه أو بمقدار توحده مع عمله، وبمقدار ما يوفره العمل له من إشباع لحاجاته ودوافعه واستغلال لقدراته.
وإذا كانت الكفاءة الوظيفية تدل على الإعداد المتخصص والتدريب والخبرة وغيرها، فإنها تدل أيضاً على مقدار رضا الفرد عن عمله لأدائه وإحساسه بالنجاح والتقدم فيه. لذا فإن الرضا الوظيفي مسألة مهمة بالنسبة للأفراد، فرضا الفرد عن وظيفته يعتبر الأساس الأول لتحقيق توافقه النفسي والاجتماعي، ذلك أن الرضا يرتبط بالنجاح في العمل، والنجاح في العمل هو المعيار الموضوعي الذي يقوم على أساسه تقييم المجتمع لأفراده، كما أنه يمكن أن يكون مؤشراً لنجاح الفرد في جوانب حياته الأخرى، الأسرية والاجتماعية، فكثيراً ما كانت مظاهر السلوك غير السوي للأفراد ومشكلاتهم النفسية ناشئة عن إحساسهم بأن هذا لم يكن العمل الذي يريدونه, أو أن ما يوفره العمل بمختلف جوانبه أو بعضها لا يشبع حاجاتهم ولا يرضي طموحاتهم


الدكتور/ ناصر عبدالله ناصر المعيلي