يمكن القول إن من معوقات التنمية في المملكة العربية السعودية وبشكل مجمل ما يلي:
1. افتقاد البلاد لرؤية مستقبلة: وخطط مدرسة لتسخير الموارد والطاقات فقد عانت المملكة من كافة مظاهر التقادم والتراجع في كافة المجالات وعلى مختلف الأصعدة ، ولم تحقق أية انجازات تنموية يعتد بها ، وتسجل في تاريخها الممتد لأكثر من 80 عاما ، بل نخرت فيها الأمراض والظواهر الخطيرة ، وشدت حضاريا وتنمويا عن دول الخليج الأخرى ، وساهم المناخ الاجتماعي المحافظ في كبح جماح أي نهضة إنسانية واقتصادية وحضارية يعتد بها، فهربت رؤؤس الأموال والأفكار الاقتصادية والتنموية الخلاقة ، واستفحل الجمود في كافة مرافق البلاد ، وأصبح الأداء الحكومي عديم الشفافية ، وطغى على مختلف المؤسسات الحكومية التقليد والتبعية وغياب الإبداع ، وشاعت التناقضات الاجتماعية وزادت المصاعب المعيشية للمواطنين وتراجعت الخدمات العامة وزادت معدلات الفساد ، وشاع التدين السلبي الذي حارب قيم العصر ومتطلبات النهضة وأصبح عائقا أمام أي تجديد أو تطوير أو تشييد حضاري واقتصادي وتنموي يعتد به.
2. الفساد الإداري والمالي: إن هيبة الدول واحترام قوانينها تعتمد على نزاهة العاملين فيها وتمسكهم بأخلاقيات الوظيفة، حيث يفقد المواطن ثقته بالدولة وعدالتها حينما يواجه فساداً إدارياً قد استشري في أجهزتها، والفساد الإداري واحد في الدول المتطورة والنامية، ولكنه يأخذ شكلاً آخر في الدول النامية من حيث نطاقه، فالدول النامية قد تبنت خططاً تنموية تكفلت بها أو بمعظمها أجهزة الدولة، لذا فقد تنوعت أنشطة الدولة وتنوعت المسؤوليات والصلاحيات، ولكن هنالك فرق شاسع بين الخدمات والسلع التي يطلبها الجمهور وبين ما هو متوفر منها، كما أن المصادر المالية لموظفي الدولة قليلة لا تتناسب مع ثورة التطلعات، وقد يجر ذلك ضعاف النفوس من الرضوخ لضغط الجمهور للحصول على الخدمات عن طريق المحاباة والخروج على قواعد العمل أو القيم وهذا هو الفساد بعينه. وأن من أسباب حصول الفساد ضعف الجهود الإعلامية بالتوعية بأخطار الفساد الإداري والمالي، وضعف أجهزة الرقابة الإدارية والمالية، وقلة الدورات التدريبية المتصلة بأساليب الكشف عن الفساد الإداري والمالي ومكافحته، ومحدودية الصلاحيات الممنوحة لأجهزة مكافحة الفساد الإداري والمالي، وتردد المواطنين في التعاون مع أجهزة المكافحة (آل الشيخ، 1428هـ: 1).
والمملكة تسجل أعلى نسبة فساد في دول الخليج، فقد سجلت المملكة نسبت فساد مالي وأداري قدر ب (3 تريليونات) ريال سعودي سنويا ، وفقدان (120 ألف) وظيفة في العام، وهو الرقم الأعلى في دول الخليج، واحتلت السعودية المرتبة الأخيرة في مدركات الفساد من بين دول الخليج العربية. حيث جاءت قطر في المرتبة الأولى ( 28 عالميا)، والإمارات في المرتبة الثانية ( 35 عالميا)، وعمان في المرتبة الثالثة ( 41 عالميا) ، والبحرين في المرتبة الرابعة( 43عالميا) ، والكويت في المرتبة الخامسة (65 عالميا) ، والسعودية في المرتبة السادسة ( المرتبة 80 عالميا) ، ويقول اقتصاديون وخبراء قانونيون أن انتشار بعض صور الفساد الإداري في السعودية جعلها في مراتب متراجعة حددتها منظمة الشفافية العالمية ، حيث أتت المملكة في المرتبة (80) من أصل (160) دولة في العالم، مشيرين إلى أن الخسائر تعادل الأموال السعودية المهاجرة التي تقدر بنحو (3 تريليونات) ريال. وفي هذا الإطار يتساءل أستاذ الاقتصاد في معهد الدراسات الدبلوماسية في وزارة الخارجية الدكتور محمد القحطاني عن النشاطات الحكومية الممولة من الدولة والمتراجعة كالصحة والتعليم وانتشار ظاهرة الفقر، موضحا أن كل هذه القضايا تدل على أن كل الأموال التي تصرفها الدولة لا تذهب في الوجه الصحيح .
3. سوء الإدارة : تخسر المملكة بسبب سوء الإدارة والبيروقراطية سنويا (16 مليار) دولار، ومن أمثلة ذلك ما جاء في خبر نشرته صحيفة الوطن في عددها رقم (10421) تحت عنوان تفاقم أزمة تفريغ الحاويات في ميناء جدة ومطالب بتدخل رسمي جاء فيه : تفاقمت أزمة الحاويات في ميناء جدة الإسلامي بعد أن ارتفعت مدة تسليم الحاويات من ساعات محدودة إلى يومين وسط احتجاج التجار على الشركات العاملة في الميناء والمتعهدة بتقديم خدمات نقل وتفريغ تلك الحاويات. وتحرك عدد من التجار وأصحاب المصانع والمستوردين إلى تحويل البضائع المستوردة لميناء جدة الإسلامي عبر الخطوط الملاحية العالمية إلى موانئ دبي لتلافي الخسائر والتلفيات في البضائع نتيجة تأخر خروج الحاويات. وكارثة سوق الأسهم السعودية: في عام (2006م) حلت كارثة في سوق الأسهم السعودية حيث فقد المؤشر (50%) وفقد معظم المتداولين السعوديين (75%) من رؤوس أموالهم، وبلغت السيولة التي خرجت من سوق الأوراق المالية السعودي أكثر من (سبعمائة مليار) ريال، وعد ذلك عند بعض الاقتصاديين من اكبر السرقات المالية في التاريخ الحديث، حيث يعادل هذا المبلغ ميزانيات بعض الدول النامية. وكان رد فعل الحكومة هو تخفيض أسعار البنزين (رغم اعتراض شركة ارامكو لما يسببه ذلك من خسائر مباشرة ، حيث إن أسعار المحروقات الحالية مدعومة من قبل الدولة وليس لها مدخول يعتد به) من دون سعيها لمعاقبة المتلاعبين وضبط النشاط في السوق ومساعدة المواطنين على تعويض خسائرهم الفادحة التي كانت لها آثار اجتماعية وأسرية وصحية سلبية ، كما فعلت الحكومة الكويتية في أزمة سوق المناخ الشهيرة عام 1983م عندما قررت تعويض كل مواطن عن خسائره. (قزاز، 2009م: [مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]).
4. التضخم الكبير في الأجهزة الإدارية: قياساً بحجم الوحدات الإدارية، نتيجة لحدوث توسع أفقي في بناء التنظيم الإداري، كما يرافق ذلك تعدد في مستوى بناء التنظيم وكثرة الفواصل بين مستويات التنظيم، مما يعيق التوصل إلى أحكام عمليات الإشراف والتوجيه ويسبب تضارباً بين الأنشطة.
5. ضعف أجهزة الخدمة المدنية: المعنية بشؤون الأفراد وقلة تدريب القائمين عليها وافتقارها إلى إستراتيجيات وخطط واضحة ومحددة مما يمنعها من القيام بدورها في تدريب الكوادر البشرية وفي إحداث التغيير في المفاهيم والأساليب السلوكية والتقليدية.
6. الاعتماد على النفط: على الرغم من محاولات التخطيط ووضع السياسات المختلفة للحد من الاعتماد على النفط, فان اعتماد اقتصاد المنطقة عليه ما زال اعتمادا شبه مطلق, إن حوالي ثلثي الناتج المحلى والدخل القومي مصدرهما إنتاج النفط الخام, والثلث الأخير في معظمه هو دخل غير مباشر للنفط, إضافة إلى كون حوالي (90 %) من الإيرادات المحلية للميزانية العامة مصدرها ريع صادرات النفط, كما أن ما يقارب من (95 %) من إيرادات ميزان المدفوعات تمثل قيمة الصادرات النفطية, وتتبين خطورة الاعتماد على النفط وحده إذا ما أخذنا في الاعتبار الأثر غير المباشر لريع صادرات النفط في دعم أجور ورواتب قوة العمل المواطنة والوافدة, ودعم نشاطات الإنتاج السلعي من زراعة وصناعة تحويلية, فضلا عن الخدمات في القطاعين العام والخاص, إلى الدرجة التي لا يمكن معها استمرار أغلب هذه النشاطات دون دعم مباشر أو غير مباشر من ريع النفط ومنتجاته المكررة, وأخيرا فان اعتماد المنطقة على استيراد أكثر من تسعة أعشار احتياجاتها وتمويل ذلك من دخل صادرات النفط حرى بإبراز حجم التحدي الذي تطرحه مسألة الاعتماد على النفط, الأمر الذي يحتاج إلى جهود واسعة من أجل بناء قاعدة إنتاجية بديلة ترتكز على نشاطات اقتصادية متنوعة.(الرويلي وآخرون، 1430هـ: 8-22).