نشرت مجلة جمعية مديري الموارد البشرية الأمريكية، في عددها الصادر أبريل الماضي، سلسلة من النصائح القيمة التي يمكن أن يطبقها مديرو الموارد البشرية لتعظيم درجات أو مستويات التحفز الداخلي أو التلقائي لدى موظفيهم. أول تلك النصائح إيجاد بيئة متسمة بالتحدي فالبشر بطبيعتهم يصلون إلى أعلى درجات التحفز والأداء حين تكون الأهداف المطلوب منهم تحقيقها متسمة بدرجة معقولة من الصعوبة والتحدي والإثارة. ومن أهم الإرشادات الممكن إتباعها لإيجاد بيئة عمل متسمة بدرجة عالية من التحدي بوجه عام وضع أهداف شخصية واضحة وذات معنى. وجعل عملية تحقيق تلك الأهداف ممكنة ولكن ليس مؤكدة ومنح الموظفين معلومات دورية عن مستويات أدائهم وأوجه القوة والضعف فيهم بالإضافة إلى محاولة الربط بين الأهداف من ناحية وبين اعتزاز الفرد بذاته وشعوره بالثقة بالنفس من ناحية أخرى.أما ثاني النصائح فهي إشاعة جو من الفضول: فالأفراد يميلون إلى الأداء بمعدلات أعلى وإلى التعلم بشكل أسرع كلما كانت بيئة العمل المحيطة بهم تنطوي على شيء محدد يثير انتباههم ويسترعي اهتمامهم ويدفعهم إلى التفكير من تلقاء أنفسهم في الوضع الذي قد يكونون عليه إذا ما نجحوا في إتقان مهارات معينة أو اكتساب وتحصيل معارف محددة. ومن الإرشادات الممكن إتباعها لتحقيق حالة الفضول تلك في بيئة العمل استثارة الفضول الحواسي، وذلك من خلال إجراء تغييرات دورية مفاجئة تدركها حواس الأفراد على الفور ولا تغفل عنها. وأيضا استثارة الفضول الوجداني، وذلك من خلال جعل الأفراد يتفكرون ويتأملون في أشياء محددة تسيطر على عقولهم لفترات غير قصيرة وكذلك محاولة دفع الأفراد إلى استكشاف الأمور والحقائق بأنفسهم وعدم إخبارهم بكافة التفاصيل والنتائج المتوقعة مسبقاً، وخاصة في أيامهم الأولى بالمنظمة.
ويأتي التمكين وإتاحة القدرة على التحكم كنصيحة ثالثة لزيادة التحفيز الداخلي للموظفين فقد ثبت علمياً في العديد من الدراسات السلوكية الحديثة أن غالبية الأفراد لديهم ميل فطري إلى حب التحكم في مجريات الأمور الخاصة بهم وإلى حب الإمساك بزمام العوامل الرئيسية المتحكمة في تطورات حياتهم المهنية. ومن الإرشادات التي يمكن اتباعها لتمكين الموظفين من ذلك، أو على الأقل لإشعارهم بأنهم بالفعل يملكون القدرة على التحكم في مقاليد أمورهم لحد كبير، توضيح وإبراز العلاقة السببية بين ما يتعلمه الأفراد وما يطلب منهم مديروهم أن يؤدوه من ناحية، وبين ما يحدث في الحياة العملية أو على أرض الواقع من ناحية أخرى. وتمكين الأفراد من الشعور بأن ما يتعلمونه من مهارات ومعارف وما يؤدونه من مهام سيولد في النهاية آثاراً قوية وملحوظة.بالإضافة إلى إتاحة الفرصة أمام المتدربين والمتعلمين لأن يختاروا بحرية ما يودون تعلمه والتدرب عليه. أما رابع النصائح فهو إثارة الخيال فالفرد ذو التحفز الداخلي المرتفع يميل بوجه عام إلى التفكير بأسلوب مختلف عن أساليب تفكير بقية أقرانه ممن يشترطون توافر محفزات ومغريات خارجية محددة لكي يصلوا بمعدلات أدائهم إلى الدرجات التي تأملها منظماتهم، ذلك أن الفرد المتحفز داخلياً يحب التطلع إلى الأمور والمؤثرات المحيطة به بشيء من الترفع والخيالية ويجيد الفصل بين الظروف المحيطة به ومستوى أدائه. ويجب على مختلف المديرين أن يتيحوا الفرصة أمام موظفيهم الذين تبدو عليهم علامات التحفز الداخلي للتفكير بدرجة عالية من الخيال والسمو وعدم محاولة فرض تعقيدات روتينية عقيمة عليهم لأنه في حالة فرض مثل تلك التعقيدات عليهم، فإن الأفراد ذوي التحفز الداخلي المرتفع سيفقدون ثقتهم في المنظمة وفي مديريهم وسيفكرون في البحث عن منظمات جديدة أكثر استعداداً لتقييمهم وتفهم طبيعتهم ودوافعهم. تحقيق التنافسية في بيئة العمل هي النصيحة الخامسة وعندها يصل الأفراد إلى أعلى درجات التحفز الذاتي أو الدافعية الداخلية كلما كان بإمكانهم عقد مقارنات مباشرة بين مستويات أدائهم ومستويات أداء أقرانهم. وبوجه عام، فإن الفرد المتسم بدرجة عالية من التحفز الذاتي أو الداخلي عادة ما يميل إلى التعامل مع المنافسة القائمة بينه وبين أقرانه في بيئة العمل تعاملاً شديد الجدية وكأن فوزه في المنافسة بينه وبينهم هو من المهام الوظيفية التي تم تكليفه بها، حتى وإن لم يكن الأمر كذلك بالضبط على الصعيد الرسمي. ومن الملاحظ بوجه عام ان تحقق درجة عالية من التنافسية في بيئة العمل يضمن تعاظم معدلات التحفز والدافعية لدى الجميع بمن فيهم أيضاً الأفراد غير المتسمين بالتحفز الداخلي المرتفع.
أما آخر النصائح فهي التقييم والاعتبار فالفرد ذو الدافعية الداخلية القوية يحب باستمرار أن يسمع من مديره كلمات الإطراء وأن يتم تقديره ومكافأته كلما حقق إنجازاً وظيفياً ما أو تجاوز معدلات الأداء القياسي المتوقعة منه أو من أقرانه. وقد ثبت في أكثر من دراسة تجريبية أن الأفراد ذوي التحفز الداخلي المرتفع قد يفقدون ثقتهم في أنفسهم وفي المنظمة ككل إذا لم يشعروا بجدوى كونهم متحفزين داخلياً ومحبين للإجادة والإنجاز حتى وإن لم تتوافر محفزات ومغريات خارجية محددة. وتكمن أهمية التحفز الداخلي في أنها تضمن للمنظمات أداء مرتفعاً بانتظام حتى عندما لا تتوافر محفزات خارجية كافية. وكذلك، فإن وجود عدة أفراد متحفزين داخلياً في أي بيئة عمل من شأنه أن يلهب الحماس في نفوس الجميع (حتى أولئك غير المتحفزين داخلياً بطبيعتهم) وأن يخلق جواً تنافسياً عالي الكفاءة في بيئة العمل بوجه عام، الأمر الذي لابد أنه سينعكس إيجاباً على المعدلات الإجمالية للأداء والإنجاز في المنظمة ككل.