يبدو انه وللمرة الأولى استطاع الاقتصاد الجديد التغلب على الاقتصاد القديم، فبعد سبعة اعوام متتابعة من تربع شركة “جنرال اليكتريك” على عرش جدول الشركات المحترمة في العالم، استطاعت “مايكروسوفت” ولأول مرة إزاحتها والتربع مكانها على هذا العرش.ويبدو ان هذا انتقام مناسب لشركة “بيل جيتس” التي ظلت حبيسة المركز الثاني في جميع السنوات الماضية. أجري هذا المسح بوساطة مجموعة “PWC” وهي مجموعة كبيرة للمحاسبة. وقامت الشركة بأخذ آراء 954 رئيسياً تنفيذياً في 25 بلدا في الفترة ما بين اغسطس/آب واكتوبر/تشرين الاول من هذا العام، ونشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” أوساط نوفمبر/تشرين الثاني.
ووصف واحد من هؤلاء الرؤساء شركة “مايكروسوفت” بأنها شركة مبدعة وتلبي احتياجات المجتمع من خلال منتجاتها وقدرتها على النمو، فيما وصفها آخر بأنها شركة مبدعة جدا تؤثر في كل مناحي حياتنا تقريبا. وعلق آخر بأنها الشركة الأولى والأحسن في العالم لأنها تمتلك قاعدة قوية ويشعر موظفوها بالرضى.
ويأتي توزيع المراتب على الشركات بناء على تصويت أجري لمعرفة افضل الرؤساء التنفيذيين وشارك فيه مديرو ميزانيات ومنظمات غير حكومية. ولإكمال الإنجاز اختير “بيل جيتس” كأفضل مدير يحظى بالاحترام عالميا ليتقدم بذلك على “جاك ويلش” الرئيس السابق لشركة “جنرال اليكتريك”، (وجاء “جيف اميلت” الرئيس التنفيذي الحالي لشركة “جنرال اليكتريك” في المرتبة التاسعة).
وحصلت “مايكروسوفت” على المرتبة الاولى من حيث قيمة الأسهم والالتزام نحو المجتمع والإبداع. ولم تتقدم “جنرال اليكتريك” على مايكروسوفت إلا في التحكم في الشركات التابعة لها. وكان التصويت الوحيد الذي لم تتربع فيه اي من الشركتين على رأس القائمة ذلك الذي جرى حول خدمة العملاء، وفازت فيه “تويوتا”، اما الثاني فهو الذي جرى حول افضل عائد ربحي وفازت فيه “نيسان”.
ويمكن أن تشعر “جنرال اليكتريك” بالارتياح من خلال تعليقات بعض الرؤساء التنفيذيين الذين مدحوا الشركة لقيادتها الرائعة وقدرتها على تجديد نفسها ومرونتها والمنحنى الجاد الذي اتخذته لتطبيق اللامركزية في الاعمال.
وإذا ما نظرنا الى الشركات الاخرى خارج نطاق المركزين الاول والثاني فإن اكثر صعود متميز تم تحقيقه من قبل شركة “آبل”. والتي قفزت من المركز الثاني والأربعين الى المركز التاسع بناء على نجاح مشغل الموسيقا الذي اطلقته “الايبود”.
ووصف واحد من الرؤساء التنفيذيين مجموعة “آبل” بالشركة المبدعة قائلا: انها ولدت مرة اخرى من الرماد وكانت وراء تسهيل طريقة جديدة للحياة.
ومن الشركات التي قفزت الى المراتب الاولى في التصنيف شركة “جوجل” والتي كان ظهورها الاولى في قائمة افضل خمسين شركة في المرتبة التاسعة والثلاثين، وشركة “ستاربكس” التي تشكل رمزا آخر من رموز الحياة العصرية التي حصلت على المرتبة الرابعة عشرة.
وتظهر في القوائم ايضا مقاربات جميلة. وتدل هذه المقاربات على روح الدعابة لدى الرؤساء التنفيذيين. فمجموعة “فيرجين” التي تضم شركة “يرجين اتلانتيك” حصلت على الموقع السابع والعشرين متقدمة على “بريتش ايرويز” بموقع واحد. وبينما دخلت “ايرباص” القائمة في الموقع الرابع والعشرين خرجت منافستها القوية “بوينج” من القائمة كلياً.
فما الذي يجعل هذه الشركات الاكثر احتراما؟ يبدو ان اهم معيار هو النجاح المالي، فما نسبته 69% من الرؤساء التنفيذيين ذكروا اسبابا مثل القدرة على التغيير او الربحية يعتمدون عليها في ترشيحاتهم. أما السبب الثاني الأكثر أهمية والذي ذكره 13% منهم فيتعلق بالجودة العالية للمنتج او الخدمة. أما التواصل الجيد مع المسهمين فلم يتم ذكره إلا بنسبة 2%.
البحث والإبداع
ويعتبر الإبداع ماء الحياة بالنسبة للشركات الشابة التكنولوجية ولكنه ايضا عامل منشط للشركات الأكثر نضوجاً.
ولا يجب أن يحس أحد بالاستغراب من اختيار “مايكروسوفت” مرة أخرى كأفضل شركة في مجال الإبداع او من حقيقة ان “الايبود” أسهم في رفع شركة “ابل” ستة مواقع لتحتل المرتبة الثالثة على القائمة.
ولكن ما يثير الاستغراب ان نصف العشرين شركة الاولى في مجال الإبداع عالميا هي شركات ناضجة في قطاعات مكرسة مثل صناعة السيارات والبضائع الصناعية والمنتجات الاستهلاكية وكمثال على ذلك شركة “تويوتا” اليابانية التي صعدت من الموقع الثالث على القائمة الى الموقع الثاني بما يخص الإبداع. وذلك لاستثمار “تويوتا” الكبير في مجال الابحاث وتركيزها على سياسات تسويقية عالية الكفاءة.
ومن الملاحظ مثلا ان فكرة سيارة “بريوس” كانت موجودة عند “هوندا” قبل أن تنتجها “تويوتا”. وما زالت نسخة “هوندا” من هذه السيارة في طور الانتاج، بما يظهر حقيقة مذهلة وهي أن الشركات الاكثر إبداعية هي الشركات المقلدة للإبداع وليست المبدعة بحق.
وأكثر الشركات التي تعرف معنى ذلك شركة “آبل” التي طورت اول كمبيوتر شخصي في العام 489_B ولكنها سرعان ما خسرت المعركة لمصلحة شركة “اي.بي ام” ومنذ ذلك الحين كانت الشركة تحارب في معارك خاسرة لتبقى في سوق الكمبيوترات الشخصية، لكنها بات لديها الآن اكثر من انتاج الكمبيوتر الشخصي فقط، فهي تنتج “الايبود” ويعتبر “الايبود” بالنسبة للعديد من الخبراء مثالا رائعة على إبداع منتج جديد ناجح.
اما شركة “ديل” التي تحتل الموقع الرابع فلها اتجاه مختلف تماما للإبداع، فهي تنتج سلعا تلبي احتياجات المستهلكين الجديدة. وبناء على ما ذكره رئيسها التنفيذي “نيفن روليتز” يقضي مديرو الشركة 40% من وقتهم مع المستهلكين والذين تصبح تغذيتهم الراجعة مدخلا في عملية “ديل” الإبداعية.
أما بقية الشركات العشر الأولى على قائمة الإبداع فهي إما شركات عملاقة لإنتاج الاجهزة الخليوية او شركات كبرى في مجال تقنية المعلومات. والاستثناء الوحيد هو شركة “جنرال اليكتريك” والتي تراجعت مرتبة واحدة للموقع السابع ولكنها لا تزال شركة مبدعة رغم ان عمرها يزيد على المائة عام. ويبدو ان سمعة الشركة تسبقها لأن الرؤساء التنفيذيين لم يجدوا إجابة واضحة عن سبب اختيارهم للشركة على قائمة الإبداع.
ويبدو انه عندما يتعلق الأمر بالإبداع لا نجد عند الرؤساء التنفيذيين نظرة واضحة المعالم لعامل الرؤية.
النصر من الهزيمة
وأكثر ما يحترمه قادة الأعمال في الشركات هو قدرتها على إحداث التغيير، أو بكلمات أخرى قدرتها على الخروج من فكي المشكلة والتحول إلى قوة لا يستهان بها. وهذه هي المرة الأولى التي يسأل فيها الرؤساء التنفيذيون عن أكثر الشركات قدرة على التغيير.
وكان ربع الرؤساء التنفيذيين يعطون أهمية في هذا المجال للشركات التي استطاعت الخروج من مأزق مرت به من خلال إحداث تغيير في سلوكها، أما 20% منهم فقد ركزوا على الشركات التي حققت معدلات نمو جيدة واستطاعت زيادة أسعار أسهمها، فيما ركز ربع آخر منهم على استراتيجية الشركة الآمنة.
وبالتالي ركز الكثيرون على “كارلوس غصن” الفرنسي من أصول لبنانية برازيلية والذي أوكلت إليه مهمة إدارة “نيسان” بعد أن قامت شركة “رينو” بحيازتها، واستطاع “غصن” بعد ثلاث سنوات من سياسة شد الحزام زيادة المبيعات وارتفع سهم الشركة من 330 ين في العام 1999 إلى 1162 في يناير/كانون الثاني من هذا العام، وبعد انقاذ الشركة وإحداث التغير رجع “غصن” لإدارة “رينو” في فرنسا.
وجاءت في المرتبة الثانية شركة “ابل” بعد أن أنقذت نفسها من الكارثة بواسطة اختراع “الأيبود” و”الأيتيونز”، وقد شهد سهمها قصة نجاح نادرة في مجال صناعة التكنولوجيا في هذا القرن. فقد ارتفعت أسعار أسهمها بمقدار خمسة أضعاف تقريباً خلال السنتين الماضيتين، وبعد أن رجع “ستيف جوبز” إلى الشركة بعد أن طرد منها في العام 1985 نتيجة خلاف مع الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك “جون سكلي”.
والذي كان يتقاضى بعد رجوعه إلى الشركة عام 1997 وهي في اسوأ حالاتها مليون دولار فقط سنوياً، استطاع تحقيق نجاح باهر، وهو الآن يتقاضى 350 مليون دولار سنوياً.
وجاءت “آي. بي. ام” في المرتبة الثالثة، بعد أن أصبحت تقدم خدمات مالية وبرامج مختلفة (نظم تشغيل، قواعد بيانات وغيرها) وتنتج أيضاً الهاردوير وتصمم وتنتج الرقائق الالكترونية والمعالجات، كما أن الشركة انتقلت إلى صقل الاستشارات الإدارية وتعهيد العمليات في الشركة. ولا توجد شركة أخرى في قطاع تقنية المعلومات تجمع مثل هذه الأنشطة الكثيرة في مجموعة واحدة.
وفي المرتبتين الرابعة والخامسة تأتي شركتا “جنرال الكتريك” و”مايكروسوفت” على التوالي، ورغم أن “مايكروسوفت” شركة شابة مقارنة “بجنرال الكتريك” إلا أن الكثير من الرؤساء التنفيذيين ينظرون إلى نموها الثابت وقدرتها على السيطرة على صقل عملها بإعجاب.
وحصلت “جنرال الكتريك” على مرتبة عالية من قادة الشركات بناء على استراتيجية أعمالها المربحة، كما أن العديد منهم أشاد بجودة منتجاتها وبالطريقة التي تم فيها نقل السلطة من “جاك ويلش” إلى “جاك ايمليت”. وتحتل “ديملر كرايسلر” و”تويوتا” المرتبتين السادسة والسابعة على التوالي، وأشار الرؤساء إلى تقديرهم لعالمية “تويوتا” فيما مدحوا قدرة “ديملر كرايسلر” على النمو في أسواق صعبة.
وأتت شركات “وول مارت” و”سامسونج” و”بريتيش ايرويز” في المراتب الثامنة والتاسعة والعاشرة على التوالي. وامتدحت “وول مارت” بقدرتها على الاستجابة لمتطلبات السوق المحلي وتماسكها الاقتصادي والمالي. فيما امتدحت “سامسونج” على منتجاتها من الهواتف الخليوية وقدرتها على تخفيض التكلفة من خلال الانتاج الضخم، أما “بريتيش ايرويز” فقد امتدحت من العديدين لتحويلها الخسارة إلى ربح.
أما المراتب من 11 15 فقد احتلتها شركات “هيوليت بكارد” و”نوكيا” و”جنرال موتورز” و”سيتي جروب” و”كوكاكولا”.
كيف تم إجراء المسح؟
هذه هي السنة الثامنة التي تقوم فيها مؤسسة “PWC” بإجراء مسح لآراء الرؤساء التنفيذيين العالميين، واستطاعت المؤسسة هذا العام إجراء مقابلات مع أكثر من ألف رئيس تنفيذي على امتداد 25 دولة.
ويبقى هدف إجراء المسح ثابتاً كما هو ويتركز في معرفة اكثر الشركات وأكثر القادة احتراماً من قبل زملائهم وسبب اختيار من تم اختيارهم.
ولأن السمعة الإدارية تشكل تحدياً مستمراً بالنسبة للشركات من خلال الاهتمام المتزايد في اعطاء صورة دقيقة وشفافة عن الشركات، فقد أظهر المسح ايضاً الشركات المتميزة في مجال التحكم والاستثمار في المجتمعات المحلية والإبداع.
وتمت دعوة الرؤساء التنفيذيين أولاً لترشيح اكثر ثلاث شركات يحترمونها في العالم، ثم طلب منهم اختيار اكثر ثلاث شركات يحترمونها في العالم بشرط أن تكون في نفس مجال عملهم.
كما طلب من كل رئيس تنفيذي اختيار اكثر ثلاثة قادة للأعمال يحترمونهم في العالم، وتم طرح هذه الأسئلة في جميع المسوح السابقة، وفي جميع الحالات طلب من المشتركين توضيح أسباب اختيارهم، وفي السنوات الأربع الأخيرة طلب منهم تسمية اكثر ثلاث شركات احتراماً في منطقتهم أو بلدهم كما طلب منهم اختيار ثلاث شركات متميزة في مجال تحقيق عائد أكبر للأسهم.
وهذه هي المرة الثالثة التي يطلب فيها من الرؤساء التنفيذيين تسمية اكثر ثلاث شركات تميزاً في مجال التحكم، والمرة الثانية التي يطلب منهم اختيار ثلاث شركات متميزة في مجال الإبداع في المنتج أو الخدمة.
ولإعطاء وجهة نظر أخرى تم سؤال اكثر من 130 معلقاً إعلامياً ومؤسسات غير حكومية عن التحكم، كما تم سؤال 150 مديراً للميزانية حول أرباح الأسهم والإبداع.
وتمت اضافة أربعة أسئلة جديدة لمسح هذا العام، الأول يختص بالاستثمار في المجتمع المحلي والثاني يختص بقدرة الشركة على إحداث تغيير والثالث يختص بخدمة العملاء.
ومن الإضافات الأخرى اتاحة اختيار كاتب اقتصادي أو مرشد للأعمال من قبل الرؤساء التنفيذيين.