للوصول إلى فرضيات معقولة ومفسر لظاهرة الدراسة تفسيراً شاملاً، فلابد أن تقرر الفرضية الواحدة وتحدد العلاقة بين أمرين أو متغيرين مختلفين أو أكثر (القحطاني وآخرون، 1425هـ: 124-125).
" تشمل الفرضيات على عدد من المتغيرات التي تصنف الخصائص المميزة للأفراد أو الأحداث تصنيفاً منطقياً، والتي يمكن قياسها بحيث يكون بعضها تابعاً، والبعض الآخر مستقلاً " (القحطاني وآخرون، 1425هـ: 126-127).
والمتغيرات التابعة هي " المتغيرات التي تحظى باهتمام كبير من الباحث. فهدف الباحث هو شرح التغير في المتغيرات التابعة أو التنبؤ بهذا التغيير. وبكلمات أخرى، فإن المتغير التابع هو المتغير الذي يقدم نفسه كقضية قابلة للدراسة." (سيكارن، 1992م: 99).
والمتغير التابع هنا هو التسيب الوظيفي في القطاع العام.
والمتغيرات المستقلة كما ذكرها سيكاران " المتغير المستقل هو المتغير الذي له تأثير إيجابي أو سلبي على المتغير التابع. بمعنى أنه عندما يوجد المتغير المستقل فإن المتغير التابع يوجد أيضاً. كما أنه مع كل وحدة زيادة في المتغير المستقل، يحدث زيادة أو نقصان في المتغير التابع. وبكلمات أخرى فإن التغير في المتغير التابع يُفسر بالتغير في المتغير المستقل" (1992م: 101).
ومن هذا المنطلق لمفهوم المتغيرات المستقلة وبعد الاطلاع على دراسات بهذا الموضوع وتفحصها جيداً، وجدنا الكثير من المتغيرات المستقلة والتي تؤثر في المتغير التابع، وهذا التأثير أما تأثير سلبي أو إيجابي. وهذا المتغيرات المستقلة نذكرها كما يلي:
1. الرقابة الإدارية:إن أنظمة الرقابة المعمول بها في منظمات القطاع العام ليست فاعلة لكي تحقق المفهوم الايجابي للرقابة، كما ذكرها طلبة" تحقيق المفهوم الايجابي للرقابة الهادف إلى إجراء تقييم موضوعي لمستويات الأداء واتخاذ هذا التقييم أداة لتشجيع المبادأة وتنشيط الحوافز ورفع الكفاية الإنتاجية " (1411هـ: 151).وكذلك تعدد الأجهزة الرقابية في الدولة على منظمات ومؤسسات القطاع العام، أدى إلى حدوث الكثير من الازدواجية والتكرار، مما أوجد صعوبة في تطبيق الأنظمة والقرارات الرقابية الصادرة من هذه الأجهزة.وعدم جدوى وفاعلية أنظمة الرقابة ساعد على انتشار ظاهرة التسيب الوظيفي.
2. الرضا الوظيفي:مفهوم الرضا الوظيفي مرتبط بالنقاط التالية والتي ذكرها (الحيدر وبن طالب،1426هـ: 28-29) :

#أ. الرضا الوظيفي هو شعور وإحساس داخلي تظهر له مؤشراته الخارجية في سلوك العاملين ويتأثر بما يحيط بالعمل من ظروف نفسيه واجتماعية واقتصادية.
#ب. الرضا الوظيفي هو المعيار الأساسي للعلاقات الإنسانية داخل المؤسسة فهو يبين لنا كفاءة الأداء في إشباع احتياجات العاملين وفي توفير الحوافز والدوافع الإيجابية لحث العاملين باتجاه العمل.
#ج. يعتبر الرضا الوظيفي المؤشر الفعال لجودة عملية الإشراف والقيادة ويتجلى ذلك في وجود التعاون والتماسك والحماسة في أداء العمل ومن ثم تكامل أهداف المنظمة مع أهداف العاملين والسعي في كلا الطريقتين للحصول على أفضل النتائج.
ومن هذه النقاط يتضح ارتباط الرضا الوظيفي بسلوك العاملين وكذلك كفاءة الأداء، وتدني كفاءة العاملين والسلوك السيئ منهم هو ما يعرف بالتسيب الوظيفي.
3. التدريب:التدريب عرفه رشيد بإنه "عبارة عن عملية منتظمة تهدف إلى تزويد الموظف بمعارف، ومهارات، وقدرات في مجالات محددة، لتحسين أدائه في العمل، أو تغيير اتجاهاته وأنماطه السلوكية اللازمة لأداء عمله الحالي أو المستقبلي، بما يساعد على تحقيق غايات المنظمة" (1424هـ:685).فالتدريب ليس تزويد معارف ومهارات وقدرات فقط، بل أيضاً يساعد على تغيير سلوكيات خاطئة لدى الموظف، ومن هذه السلوكيات ما يدعى بالتسيب الوظيفي. والتدريب يجعل من هذا الموظف موظفاً متقناً لعمله، لا يحاول أن يهرب من عمله بسبب عدم فهمه الكامل لعمله. وبذلك هناك تأثير للتدريب على التسيب الوظيفي في القطاع العام.
4. اتصال الرئيس-المرؤوس: يقول اليامي "يعد الاتصال بين الرئيس والمرؤوس من العوامل الرئيسة التي تؤثر على اتجاهات العاملين وسلوكياتهم في المنظمات الإدارية"(2002م: 65). وبما أن اتجاهات العاملين وسلوكياتهم في المنظمة مرتبطة بالتسيب الوظيفي إما بالسلب أو الإيجاب، وبالتالي هناك علاقة بين اتصال الرئيس – المرؤوس ومستوى تسيب المرؤوس، وهناك اتصال سلبي " مثل انتقاد الموظف أمام الآخرين، وانتقاده شخصياً وليس انتقاد عمله" (اليامي،2002م: 65). وكذلك من الاتصال السلبي الميل إلى وجود علاقات ومصالح شخصيه بين الرئيس والمرؤوس، وبالتالي يؤدي إلى تساهل كبير ومقصود في مراقبة أداء الموظف أو العامل، مما ينتج عنه تسيب هذا الموظف أو ذاك العامل. وبذلك يؤثر (اتصال الرئيس – المرؤوس) الايجابي على تسيب المرؤوس، بحيث يقلل من التسيب الوظيفي في القطاع العام .
5. الثقافة التنظيمية:عرف السواط والعتيبي الثقافة التنظيمية بأنها " تتمثل في مجموعة المعتقدات والقيم والتوقعات المشتركة التي تتفاعل مع بناء المنظمة فتنتج قواعد سلوك " (البريدي، 2008م: 13). إن سعي الإدارة العليا في المنظمة على بناء الثقافة التنظيمية يعزز من الإبداع والولاء التنظيمي داخل المنظمة، وهذا يدفع العاملين إلى أداء أعمالهم بكفاءة علية ولا تدعهم يسعون إلى التسيب فيها.وبذلك فإن بناء الثقافة التنظيمية في المنظمات يساعد على الحد من ظاهرة التسيب الوظيفي في القطاع العام.
6. ضغوط العمل: عرف جبسون وآخرون بأن ضغوط العمل استجابة مكيفة، تتوسطها الفروق الفردية والعمليات السيكولوجية، وأنها نتيجة حادث أو موقف أو فعل بيئي خارجي بحيث تضع متطلبات سيكولوجية ومادية مفرطة على الفرد (المير، 1416هـ: 211). ومن هذا التعريف نستنبط وجود ضغوط بيئية (الضوء، الإزعاج، الحرارة، تلوث الهواء، وضغوط فردية، وضغوط جماعية (ضعف العلاقة مع الزملاء، المرؤوسين، الرئيس)، وضغوط تنظيمية (سياسات، هيكل تنظيمي). (المير، 1416هـ: 211-212). وهذه الضغوط تؤدي وتؤثر على أداء العاملين ومستوى التسيب الوظيفي في القطاع العام.
7. المناخ التنظيمي:والمناخ التنظيمي هو" مجموعة الخصائص التي تعبر عن طبيعة ونوعية البيئة الداخلية لأي منظمة، وهي في تفاعل مستمر تأثراً وتأثيراً مع الأفراد العاملين بها، والتي يدركونها من خلال الطريقة التي تتعامل بها المنظمة معهم " (قوي وسلمى،2006م: 88).ونستنتج من ذلك وجود تأثير للمناخ التنظيمي في المنظمة على أداء العاملين، فإذا كان المناخ التنظيمي سيئ أدى إلى انخفاض أداء العاملين والذي يعتبر شكل من أشكال التسيب الوظيفي، وعلى النقيض من ذلك كلما كان المناخ التنظيمي مناسبً كلما كان أداء العاملين جيداً وقلت نسبة التسيب الوظيفي في المنظمة.