إن الإسلام هو دين الله عز وجل الذي أنزله سبحانه على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الدين الذي ارتضاه لعباده، ليكون فيه صلاح البشرية في الدنيا والآخرة. ولقد أحتوى الإسلام على كل ما من شأنه أن تسود المحبة والتسامح والتعاون بين أفراد المجتمع. ولقد احتوى القرآن الكريم والسنة النبوية تعاليم ربانية لو أحسن المسلم فهمها، وقام بتطبيقها، لتحقق له التميز في عملية تقديمه للخدمة وتعامله مع الجمهور. ولبيان المنظور الإسلامي في عملية تقديم الخدمة والتعامل مع الجمهور يمكننا أن نتناول الآتي:
1. بعض النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية التي تدعو إلى حسن المعاملة وإتقان العمل وعلاقتها بتقديم الخدمة والتعامل مع الجمهور:لقد حث الإسلام على حسن التعامل مع الآخرين في جميع الأوقات، ولم يربط ذلك بوقت معين أو انتظار تحقيق منفعة، وهذا ما يميز الشريعة الإسلامية وبأنها صالحة لكل زمان ومكان. وإذا رجعنا إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم نجد أن هناك العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو على حسن المعاملة وإتقان العمل، وذلك منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان. ويمكننا ذكر بعض النصوص والتي توضح ذلك، ومنها ما يلي:

#أ. قال تعالى (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله مع المتوكلين )) (آل عمران: 159). وهذا النص القرآني يخاطب فيه الله جل جلاله رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو في مضمونه دعوة لكل المسلمين بأن لا يستخدموا الكلام الفظ في تعاملهم مع الآخرين، وأن يتلطفوا في تعاملاتهم. وهذا ما يجب أن يلتزم به الموظف في جميع أمور حياته ومنها التميز في تقديم الخدمة والتعامل مع الجمهور.
#ب.قال تعالى (( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم )) (البقرة: 263). وهذه الآية تبين أن يتسم المسلم بالكلام الطيب وأن يدعو من خلال حديثة إلى كل خير. وإذا أتبع الموظف الذي يقدم الخدمة هذا المبدأ أكتسب ثقة الجمهور وكان تقديمه للخدمة والنصيحة مميزا.
#ج. قال تعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره )) (الزلزلة: 7-8). وهذه الآية الكريمة تبين أن هناك ثواب وعقاب من الله تبارك وتعالى على كل أعمال الخلق، ولذلك على الإنسان المسلم السعي الدائم إلى فعل الخير وتجنب الشر حتى ينال رضا الله ويتجنب عقابه، وهذا يجعله يقدم الخدمة بأحسن صورة ممكنة وبكل تميز وإخلاص دون النظر إلى أي حوافز دنيوية، بحيث أنه يؤمن بأن ما يعمله هو عبادة لله عز وجل، وأن أجره سيناله من رب العالمين.
#د. تحفل السنة النبوية بالعديد من الأحاديث الشريفة التي تدعو إلى إتقان العمل، منها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، وهنا دعوة إلى إتقان الإنسان المسلم لعمله وتأديته على أكمل وجه في المجالات التي أحلها الله سبحانه وتعالى.
#ه. قال صلى الله عليه وسلم (رحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى)، وهي دعوة إلى التسامح وتسهيل الأمور في غير محاباة لشخص على حساب شخص أخر، ومتى ما اتصف بها الموظف مقدم الخدمة كان متميزا في تقديم الخدمة، واكتسب احترام الجمهور المتعامل معه.
#و. قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم (تبسمك في وجه أخيك صدقة)، وهنا دعوة إلى البشاشة في وجوه الآخرين في كل الأحوال. كما أنها دعوة للمتعاملين من موظفين وجمهور بأن يكونوا بشوشين مبتسمين في جميع تعاملاتهم، ومتى ما كان الموظف مقدم الخدمة مبتسماً وبشوشاً دائماً في وجه المراجع كل ما كان الجمهور راض عن تعامل مثل هذا الموظف، وقبل ذلك طلب رضا الله بهذه الابتسامة والتعامل الراقي.

2. تميز المنظور الإسلامي في تقديم الخدمة والتعامل مع الآخرين: إن المنظور الإسلامي أوسع وأشمل من مجرد أن يقتصر في تعليماته ورؤيته على علاقة وقتية قصيرة. وإذا كانت المراجع العلمية وآراء الخبراء والباحثين تضع قواعد وإرشادات ونصائح وأساليب وفنون يمكن من خلالها تقديم خدمة متميزة إلى الجمهور أثناء العمل، فإن الإسلام يضع مبادئ وأسس يتم إتباعها من قبل المسلمين في كل أفعالهم وأقوالهم وإعمالهم داخل وخارج العمل وفي السر والعلانية، وفي جميع جوانب حياتهم، حيث أنها عقيدة يؤمنون بها. ومن هنا كان الأحرى بنا كمجتمع مسلم أن يكون كل ما نقوم به متميزاً، وتكون هذه الأعمال عالية الجودة، لأننا مراقبون من الله عز وجل في كافة أعمالنا الظاهرة والباطنة. وإذا كان الخبراء الغربيون قد وضعوا معايير يُقاس بها الأداء، ويتحقق بها توافر الجودة اللازمة، فإن الإسلام قد سبقهم في وضع المبادئ، ونظم علاقة الإنسان بأخيه الإنسان على أحسن ما يكون. ويمكننا أن نذكر بعض أوجه التميز للإسلام على غيره من النظم البشرية في عملية تقديم الخدمة والتعامل مع الجمهور ومن أهمها ما يلي:

#أ. إذا كانت النظم التي وضعها البشر تدعو إلى تقديم خدمة مميزة للجمهور من منطلق مادي بحت، وهو تحقيق الربح وكسب ثقة العملاء، فإن الإسلام دين رباني يجعل من إتقان العمل وحسن المعاملة من صلب هذا الدين، وهذه العمل نوع من أنواع العبادات، متى ما كان خالص لله بنية التعبد لله بهذا العمل. والمسلم لا يسعى إلى الإجادة والتميز من أجل الربح المادي أو المراتب والمكافآت المادية فقط، بل يسعى إلى ذلك طلبا لرضا الله وثوابه، وعليه فإن مبادئ الإسلام يمكن تطبيقها في المنظمات التي تهدف إلى الربح والتي لا تهدف إليه في عملية تقديم الخدمة والتعامل مع الجمهور.
#ب. إذا كان الخبراء في هذا المجال يوصون أن يُشعر الموظف الجمهور والأفراد المراجعون والعملاء بأن لهم مكانة خاصة واهتمام خالص بهم من أجل كسب ثقتهم واحترامهم، فإن الإسلام ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث جعل المسلمين أخوة، وأشترط أن يكونوا متحابين حتى يدخلوا الجنة، تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا). وإذا كان خبراء الإدارة يوصون بإظهار البشاشة والكرم في التعامل مع الجمهور حتى تكون الخدمة متميزة، فإن الإسلام قد أشترط الكرم والقول المعروف كدليل على الإيمان بالله واليوم الآخر، كما قال صلى الله عليه وسلم (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت). وإذا كانوا يشترطون لتحقيق الخدمة بشكل متميز أن يشعر الموظف بمسؤوليته تجاه الجمهور، فإن الإسلام قد وضع مبدأ أشمل وأعم للمسؤولية، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
#ج. من الأهمية بمكان التأكيد على أن المبادئ التي جاء بها الإسلام لا تقتصر في التعامل على المسلمين فقط، بل إن الإسلام أوصانا بغير المسلمين خيراً، أن لا ينتقص من حقوقهم شيئاً، وأن لا نظلمهم، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (من ظلم معاهدا أو انتقصه فإنه خصمه يوم القيامة).

ومما تقدم نخلص في أنه إذا كان التميز في الخدمة وفن التعامل مع الجمهور يعتبر عند غير المسلمين من مهام الموظف الناجح، ومن الضروريات التي تضمن للمنظمة الاستمرار، وتجعلها تكتسب ثقة الجمهور، فهي في الإسلام نوع من أنواع العبادة لله رب العلمين، قال تعالى في محكم التنزيل ((قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين)) (الأنعام: 162). لذا وجب على المسلمين الاجتهاد في أن يكون أداء كل أعمالهم بإتقان وأن تكون أعمالهم خالصة لوجه الله تعالى.