هي دراسة للدكتور عبد الله طلبة (مجلة الأمن، ع4، ذو الحجة 1411هـ: ص141-181) بعنوان "ظاهرة التسيب الوظيفي في إدارات الدول النامية" وقد أوضح الباحث ما يمثله العنصر البشري من أهمية كبيرة في نجاح الإدارة أو فشلها في أي دولة من دول العالم سواء المتقدم منها أو النامي، وسواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، وفيما يخص الدول النامية بشكل خاص فإن العنصر البشري في إدارتها لم يستطع بعد أن يؤثر بالاتجاه الإيجابي والفعال، بسبب عوامل متعددة من أهمها انتشار ظاهرة التسيب الوظيفي في الأجهزة الإدارية المختلفة للدولة.
وقد هدف الباحث من خلال دراسته لظاهرة التسيب الوظيفي في إدارات الدول النامية معرفة مفاهيم وماهية وأشكال التسيب بالإضافة إلى معرفة عوامل وأسباب نمو بيئة التسيب الوظيفي وأثارها الهدامة ومن ثم إيجاد حلول مقترحة لمعالجة هذه الظاهرة وذلك من خلال تحديد أبعاد هذه المشكلة الإدارية في الدول النامية من ناحيتين هما:
1. حتمية الاعتماد على الجهاز الإداري الحكومي في القيام بالدور الرئيسي في جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
2. قصور هذا الجهاز عن القيام بهذا الدور لأسباب عديدة لعل من أبرزها ظاهرة التسيب البشري داخل الأجهزة الإدارية التي تعد ظاهرة عامة ومشتركة بينها.
ولقد طرح الباحث العديد من التساؤلات الملحة والتي سعى إلى الإجابة عليها وهي:
1. كيف يمكن لشعوب الدول النامية أن تتجاوز الاعتبارات القبلية والأسرية والطائفية الضيقة في نطاق الإدارة العامة؟
2. ما العوامل الملائمة لنشوء نمو بيئة التسيب من إدارات الدول النامية؟
3. ما أشكال وأسباب ظاهرة التسيب في إدارات هذه الدول وكيف يمكن معالجتها ولاسيما الاقتصادية منها؟
4. هل يمكننا تصور نظام عام ومتكامل لاستئصال وبتر هذه الظاهرة الخطيرة بما ترتبه من أبعاد وآثار مدمرة على حركة النمو الاقتصادي والاجتماعي والحضاري لهذه الدول؟
ولقد أقترح الباحث العديد من التوصيات (كعلاج للظاهرة) التي يمكن إيجازها فيما يلي:
1. إن ظاهرة التسيب من أهم معوقات التنمية الإدارية لتعلقها بالعنصر البشري الذي هو الدعامة الأولى في نجاح التنمية الإدارية وأن أية محاولة للإصلاح وتقويم الاعوجاج ينبغي أن تركز على أسباب الظاهرة وعلى القضاء على أثارها الهدامة.
2. ضرورة إعادة النظر في الهيكل التنظيمي للجهاز الإداري في الدولة على نحو ما يجعله متفقا مع التنظيم الذي يقتضيه التغير الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع.
3. ضرورة الاهتمام بطرائق العمل وأساليبه والتقليل من الإسراف في الجهد والتدابير في الوقت والنفقات.
4. يجب أن يتجه اهتمام القادة الإداريين إلى القضايا التخطيطية والتنظيمية والتوجيهية التي هي صميم عملهم وعدم تضييع الوقت في القضايا التنفيذية وتركها لمن هم مستواها.
5. ضرورة تطوير نظم الرقابة على نحو يجعل هدفها الأساسي إجراء تقييم موضوعي لمستويات الأداء واتخاذ هذا التقييم أداة لتشجيع المبادأة وتنشيط الحوافز ومع الكفاية الإنتاجية للعاملين.
6. ضرورة انتهاج سياسة تستهدف مكافحة التسيب في جميع أشكاله ومظاهرة ويجب أن توجه هذه السياسة عناية فائقة إلى العنصر الإنساني الفاعل.
7. اهتم الباحث ببيان ماهية الوظيفة من المنظور الإسلامي وفلسفتها وكيف أن مفهوم الرقابة يتضاءل في مقابل نمو مفهوم الرقابة الذاتية والشعور بالأمانة والمسئولية من الفرد تجاه ما يقوم به من أعمال وابتغاء وجه الله الكريم وكيف أنها تعد أفضل أنواع الرقابة بالمقارنة بطرق الرقابة الأخرى.
8. وجه الباحث إلى قيام القيادة السياسية بدورها في تجسيد العلاج الشافي للقضاء على نتائج ظاهرة التسيب الوظيفي عن طريق قرارات سياسية ملزمة لجميع العاملين وأجهزة الدولة، كما يتطلب الأمر البدء في تطبيق هذه السياسة بحزم وثقة وعزم دون تمييز بين الوحدات الإدارية ودون محاباة لبعض القادة والرؤساء الإداريين ودون تقرير بعض الاستثناءات من قواعد هذه السياسة أيا كان الباعث أو السبب لتقرير تلك الاستثناءات.
والدراسة تعتبر من أهم الدراسات التي تناولت ظاهرة التسيب الوظيفي في القطاع العام في الدول النامية حيث تميزت بالعديد من جوانب الإجادة ويمكننا استعراض أهم إيجابيات الدراسة فيما يلي:
1. لقد أجاد الباحث في التمهيد لموضوع الدراسة وشرح أبعاده المختلفة والمرتبطة بالتحولات الاقتصادية في بعض الدول النامية من الأنظمة الاشتراكية إلى الرأسمالية وكذلك إيضاح الغرض من إجراء الدراسة بوضوح كامل.
2. تساؤلات الباحث غاية في الدقة نظراً لارتباطها بموضوع الدراسة.
3. الباحث ذكر أمثلة لبعض الدول التي تنتشر فيها ظاهرة التسيب الوظيفي ومن أهمها جمهورية السودان والذي يعتبر بمثابة تحديد لمجتمع الدراسة وهو الدول العربية ولعينة الدراسة وتتمثل في بعض الدول النامية مثل السودان.
4. أوضح الباحث تعاريف واقعية لظاهرة التسيب حيث استعرض مفهوم التسيب الوظيفي وتعريفاته سواء اللغوية أو الاصطلاحية.
5. استعرض الباحث أشكال التسيب الظاهرة التي ترتبط بكل من الموظف والإدارة، كما استعرض الباحث أسباب ظهور المشكلة من جوانبها المختلفة حيث استعرض الأسباب الاجتماعية والاقتصادية بالإضافة إلى الأسباب الإدارية والتنظيمية، كما استعرض الباحث الأسباب السيكولوجية والنفسية التي تؤدي إلى تسيب الموظفين.
6. تناول الباحث موضوع الدراسة من المنظور الإسلامي حيث تناول مفهوم الوظيفة من المنظور الإسلامي وكذلك أساليب الرقابة من المنظور الإسلامي بالإضافة إلى بيان وجهة النظر الإسلامية المناهضة للتسيب الوظيفي.
وعموماً فقد أجاد الباحث في تناوله للظاهرة محل الدراسة حيث تناوله من أبعادها المختلفة وامتاز الأسلوب الذي به الباحث دراسته بالبساطة والسهولة التي تجعل الإنسان العادي يلم بماهية الظاهرة وأبعادها المختلفة وكذلك مسبباتها بالإضافة إلى أن الباحث قدم حلوله المقترحة بأسلوب خالي من التعقيد يستطيع القارئ فهمه بسهولة.
أما فيما يخص الجوانب السلبية التي يمكن أن تكون قد شابت الدراسة فهي قليلة جداً وتتمثل في الآتي:
1. عدم تضمين الدراسة أي إحصاءات خاصة بموضوع الدراسة وهو التسيب الوظيفي في الدول النامية والتي ترتبط بتأثير ظاهرة التسيب الوظيفي على معدلات الإنتاج وكذلك ترتبط بحجم هذه الظاهرة.
2. لم يستعرض الباحث أي من الدراسات التي قد أجريت على هذه الظاهرة من قبل وما تعرف بالدراسات السابقة.
3. لم ينوه الباحث في بداية الدراسة إلى أنه سيتطرق إلى المنظور الإسلامي في تناوله الدراسة ولم يضع تساؤلا أو اقتراحا بديل على ذلك.
4. الباحث ذكر حلولا ًلمشكلة الدراسة أو ما أسماه بعلاج ظاهرة التسيب ولكن يعاب عليه عدم التفصيل فيها، كما أنه عند صياغته للحلول لم يوضح كيفية المزج بين المنظور الإسلامي والحل المقترح.
ولكن في العموم الدراسة غاية في الأهمية وتساعد الباحث على التعرف على الظاهرة وأبعادها المختلفة وأسبابها وكذلك أشكالها بالإضافة إلى تقدم حلول مقترحة للظاهرة لذا أرى أنها من الدراسات المكتملة من ناحية المحتوى.