ينظر البعض إلى رؤوس الأموال الضخمة التي تمتلكها الشركات العائلية في دول العالم بصفة عامة، والدول العربية ودول الخليج منها بصفة خاصة، ويتساءل عمَّا ساهمت به هذه الشركات في تنمية بلدانها في المجالات البشرية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المجالات، ويتساءل أيضاً عن ماهية الدور الذي يجب أن تقوم به هذه الشركات، وأيهما أفضل لاقتصاديات الدول: بقاء هذه الشركات العائلية على حالها، أو تحولها إلى شركات مساهمة، تكون قادرةً بصورة أفضل على المساهمة في برامج التنمية عامةً في بلدانها، وبرامج التنمية البشرية خاصةً؟
مما لا شك فيه أن الشركات العائلية تقوم بدور فعال وهام في بناء ودعم اقتصاديات الدول، وذلك منذ أمد بعيد، ومما لا شك فيه - أيضاً - أن الشركات العائلية سوف تستمر في القيام بهذا الدور الفعال.
وقبل أن نخوض في تبيان مساهمات الشركات العائلية في تنمية الموارد البشرية والاستثمار فيها، وهل هذه المساهمة كانت كافية أم لم تؤدي الغرض المطلوب أو المأمول منها، سوف نتحدث عن ماهيَّة الشركات العائلية، وعن حجمها الحقيقي في اقتصاديات الدول.
ماهيَّة الشركة العائلية
:
الشركة العائلية - كما هو معروف تاريخياً - تنسب إلى اسم عائلة، أي إلى اسم شخص واحد، وهو عميد العائلة، أو إلى لقب العائلة، وقد تكتسب الشركة شهرتها من اسم العائلة، أو العكس؛ فقد تكتسب العائلة شهرتها من شهرة الشركة، وهناك حالات كثيرة تدلل على ذلك.
ومن صفات الشركة العائلية أنها – في أغلب الحالات - شركة مغلقة على مُلاكها فقط، وقد انحصر التصنيف القانوني للشركات العائلية في عدة مسميات؛ فقد تكون الشركة العائلية (شركة ذات توصية بالأسهم)؛ خاصة بأبناء العائلة فقط، أو (شركة تضامن)، أو (شركة ذات مسؤولية محدودة)، أو (شركة توصية محدودة).
الحجم الاقتصادي للشركات العائلية، ودورها في التنمية الاقتصادية:
لقد قامت الشركات العائلية – ولا تزال – بدور كبير في التنمية الاقتصادية الوطنية للبلدان التي تنتمي إليها، ولم يقلّ هذا الدور حتى في الدول المتقدمة صناعياً، ذات الشركات الضخمة! فلم يكن هناك تعارضٌ بين الشركات الكبيرة ذات رؤوس الأموال الضخمة والشركات العائلية؛ بل على العكس من ذلك؛ لم تستطع تلك الشركات الكبيرة أن تلغي أو تهمِّش دور الشركات العائلية، وإنما عملت على التعاون معها والاستفادة منها، وذلك بتوفير احتياجاتها الصغيرة والمتكررة الطلب عن طريق الشركات العائلية.
وتمثل الشركات العائلية مكانةً كبيرةً في اقتصاديات الكثير من دول العالم، بغضِّ النظر عن تنوع نهج هذه الدول الاقتصادي، ومكانتها على خريطة الاقتصاد العالمي؛ حيث تمثل الشركات العائلية النسبة الكبرى من إجمالي الشركات العاملة بالاقتصاديات الوطنية لهذه الدول، وتتضح هذه المكانة من هذه الإحصائيات:
- ففي دول الاتحاد الأوروبي: تتراوح نسبة الشركات العائلية ما بين 70- 95% من إجمالي الشركات العاملة بها، وتساهم هذه الشركات بما نسبته 70% من الناتج القومي.
- وفي الولايات المتحدة: يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة في أمريكا قرابة 20 مليون شركة! وتمثل 49% من الناتج القومي، وتوظف 59% من العمالة، وتستحدث زهاء 78% من فرص العمل الجديدة.
- وفي إيطاليا: يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة 95% من إجمالي الشركات العاملة.
-وفي بريطانيا: يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة 75% من إجمالي الشركات العاملة.
-وفي سويسرا: يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة 85% من إجمالي الشركات العاملة.
- وفي السويد: يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة 90% من إجمالي الشركات العاملة.
- وفي أسبانيا: يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة 80% من إجمالي الشركات العاملة.
- وفي البرتغال: يبلغ عدد الشركات العائلية المسجلة 70% من إجمالي الشركات العاملة.
- أما في الدول العربية: فتبلغ نسبة الشركات العائلية قرابة 95% من عدد الشركات العاملة، وفي المملكة العربية السعودية تبلغ نسبة الشركات العائلية قرابة 95% من عدد الشركات العاملة.
ومن هذه الإحصائيات يتضح لنا أهمية الدور الذي تقوم به هذه الشركات، ومدى تأثيرها في اقتصاديات الدول التي تنتمي إليها، ويتضح أهمية هذا الدور أكثر بإلقاء الضوء على حجم الاستثمارات الهائلة للشركات العائلية التي تعمل داخل الاقتصاد الوطني السعودي.
يقدر حجم الاستثمارات العائلية في الاقتصاد السعودي بقرابة 250 مليار ريال، وهناك 45 شركة عائلية تعد من ضمن أكبر 100 شركة في المملكة العربية السعودية، تجاوزت عائدات هذه الشركات 120 مليار ريال في عام 2003م، وتقوم بدور هام في عملية التنمية البشرية، وتسهم في العمل على الحدِّ من مشكلة البطالة بتوظيف العمالة السعودية، والعمالة الوافدة؛ حيث توظف هذه الشركات العائلية ما يقرب من 200 ألف شخص، وتعمل – عبر التوسعات في الأعمال والتطوير المستمر - على زيادة عدد الوظائف المتاحة، وهذا الدور يمثل قيمة اقتصادية واجتماعية كبيرة للمجتمع ككل.
والشركات العائلية السعودية لها نشاط تجاري كبير ومتَّسع، فالسوق التجاري السعودي سوق كبير وهام في منطقة الشرق الأوسط؛ بل يعد من الأسواق الكبيرة على المستوى الدولي، وتتضح ضخامة هذا السوق من خلال إحصائيات الواردات والصادرات.
تعتبر الشركات العائلية حجر الزاوية في العديد من أوجه النشاط الاقتصادي المختلفة، كما إن هذه الشركات قد سجلت على مدار عمرها العديد من النجاحات والنمو، وواكبت التطورات العصرية الهائلة على المستوى البشري، بتنمية مهاراته الإدارية والتقنية، وذلك عن طريق التخطيط الجيد والمدروس لبرامج التدريب الحديثة والمتقدمة، أو على مستوى مواكبة التطورات التكنولوجية والاستفادة القصوى منها، ونقلها إلى أوطان هذه الشركات العائلية.
وعلى الرغم من كل ذلك نجد أن هذا الدور الكبير والهام الذي تقوم به هذه الشركات – كما بيناه آنفاً - لا يسلم من وجود نقص هام وخطير يتعلق بالشركات العائلية ذاتها! ألا وهو إمكانية عدم استمرارية هذه الشركات؛ حيث إن من ضمن خصائصها أن عامل السلوك الإنساني والطبيعة البشرية قد يغلب على قرارات هذه الشركات في أوقات كثيرة، وقد ينتج عن مثل هذه القرارات المتأثرة بعامل السلوك الإنساني عدم الأخذ بوسائل الإدارة الحديثة، وعدم الاستفادة بأهل الخبرة من خارج نطاق العائلة، أو عدم الأخذ بمبدأ التدريب المستمر للعاملين المنتمين لهذه الشركة، أو عدم الأخذ بالوسائل التكنولوجية الحديثة في تطوير منتجات الشركة، تحت حجة تقليل النفقات! مما قد يعرِّض هذه الشركات إلى عدم مواكبة مثيلاتها، وعدم قدرتها على المنافسة، مفضياً في النهاية إلى انهيارها وخروجها من السوق!
وهذا ما دفع الباحثين في هذا الحقل إلى اللجوء للدراسات المتخصصة؛ من أجل تقدير الأعمار التقريبية للشركات العائلية؛ فتوصلوا إلى أن العمر الافتراضي لهذه الشركات هو 40 سنة تقريباً، وخلصت بعض الدراسات إلى أن واحداً من ثلاثة أنشطة عائلية يعيش حتى الجيل الثاني، ونحو واحد من عشرة أنشطة عائلية يستطيع المواصلة حتى الجيل الثالث! وفي دراسة أجريت في الولايات المتحدة الأمريكية اتضح أن 30% من الشركات العائلية تستمر إلى الجيل الثاني، وتنخفض هذه النسبة إلى 5 – 12% للجيل الثالث، ثم 4% إلى الجيل الرابع، وأخيراً: يصل أقل من 1% إلى الجيل الخامس!! وفي بريطانيا لا يختلف الوضع كثيراً عنه في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث تمكن ما نسبته 30% من الشركات العائلية العاملة في بريطانيا من الوصول إلى الجيل الثاني، وانخفضت النسبة إلى ما يقارب 18% من شركات تمكنت من الوصول إلى الجيل الثالث، وإلى الجيل الرابع بنفس النسبة 18% تقريباً، وبنسبة أقل من 1% إلى الجيل الخامس.
الشركات العائلية تقع بين فكرين أساسيين:
ولكل ما سبق؛ يرى العديد من الخبراء والمختصين والمهتمين بشؤون الشركات العائلية أن هذه الشركات تقع بين فكرين أساسيين:
الفكر الأول:
يذهب الخبراء أصحاب هذا الفكر إلى أن إدارة الشركات العائلية - وهي المكونة من أفراد من داخل العائلة المالكة لهذه الشركات - ترى أن الشركات التي تديرها ستبقى قادرةً على أن تحافظ على وجودها؛ بل وازدهارها ونموها، وعلى تطوير نفسها إلى الأفضل في جميع أنشطتها، سواء كانت فنية، أو معلوماتية، أو تسويقية، أو إنتاجية، أو خدمية. وتعتقد تلك الإدارات - أيضاً - أن هذه الشركات ستكون قادرة على تجاوز المشكلات والعقبات التي تواجهها، سواء كانت عقبات من داخل الشركات ذاتها أو من خارجها، ويبنون اعتقادهم هذا على أن شركاتهم تتمتع بخبرات كبيرة، تكونت من خلال ممارسات عملية طيلة سنوات عديدة، وأن هناك عادات وتقاليد تحكم العائلة المالكة للشركة، هذه العادات تفرض على جميع أفراد العائلة المساهمين في الشركة السمع والطاعة للجيل الذي يتولى إدارة الشركة، وأن هذا الجيل هو المنوط بالتخطيط والإدارة والرقابة، وهو الذي يقود الشركة من نجاحات إلى نجاحات، وأنه سيورث الجيل التالي شركة ناجحة، وسيورثه أيضاً خبرات كبيرة تساعد على استمرار هذا النجاح.
الفكر الثاني:
أما الخبراء أصحاب الفكر الثاني؛ فيرون أن مستقبل الشركات العائلية محفوف بالمخاطر والتحديات التي تجعلها مهددة بالانهيار، ومن ثمَّ التلاشي، وتشتمل هذه المخاطر على:
- مخاطر داخلية:
تتعلق بالتنافس العائلي بين أفراد العائلة للوصول إلى إدارة الشركة، بحجة إدخال أفكار جديدة وطرق حديثة لإدارتها، وهذا يُقابَل من القائمين الحاليين على الإدارة بالمقاومة، بحجة توافر الخبرات العملية لديهم؛ مما يجعلهم أجدر بالقيام بعملية الإدارة. وقد تتعلق – أيضاً - بسيطرة التعامل بالأسلوب (الأبوي) في إدارة الشركة.
-
مخاطر خارجية: تتعلق بعدم قدرة الشركة على التطوير والتجديد، والأخذ بالأساليب والطرق الحديثة في الإدارة، الأمر الذي سيترتب عليه الحاجة إلى تمويل كبير قد لا يتوافر من داخل العائلة، مما يدفعها للجوء إلى التمويل الخارجي، وما يسببه من إملاءات خارجية تؤدي إلى الاعتراض من جانب العائلة على مثل هذا التمويل.
وجوب الاستعانة بالمستشارين وأهل الخبرة:
ولكي تتجنب الشركات العائلية كل هذه المخاطر؛ عليها ألا تكابر وتعتز بآرائها دوماً؛ بل عليها اللجوء إلى أهل الخبرة والمستشارين المتخصصين، سواء أكانوا من داخل العائلة أو من خارجها.
وعليها أن تسعى إلى تدريب (كوادر) إدارية - من داخل العائلة ومن خارجها - على أحدث أساليب الإدارة الحديثة، وذلك للاستعانة بآرائهم وأفكارهم المبنية على أسس علمية سليمة، وألا تقصِّر الشركات العائلية في هذا الجانب بحجة عدم زيادة النفقات؛ حيث إن توافر مثل هذه (الكوادر) داخل الشركة يوفر الكثير من تكاليف الاستشارات الخارجية!
ويجب - أيضاً - على الشركات العائلية أن تميز - وبكيفية دقيقة - وتفصل ما بين الشؤون العائلية والشؤون الخاصة بالعمل، وألا تقوم بتعيين أفراد من داخل العائلة ليسوا من ذوي الخبرة، أو ممن ليسوا مؤهلين للقيام بالأعمال التي ستوكل إليهم؛ لأن مردود ذلك - بلا شك - سيعود بالسلب على الشركة في المدى البعيد، إن لم يكن في المدى القصير أيضاً.
التحديات والفرص التي تواجه الشركات العائلية:
وحريٌّ بنا أن نخصص جزءاً من هذه الدراسة للحديث عن الفرص والتحديات التي واجهت الشركات العائلية في دول الخليج العربي، وكيف استفادت هذه الشركات من الطفرات الهائلة التي حدثت من جراء ارتفاع أسعار البترول، التي صاحبها وجود خطط تنموية حكومية بعيدة المدى، وفرت بها تلك الدول العديد من أبواب الاستثمار أمام جميع شركات القطاع الخاص الذي تمثل الشركات العائلية القلب منه!
لقد شهدت دول الخليج العربي في المرحلة الزمنية الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في عائدات البترول، مما أدى إلى زيادة دخلها القومي، ومن ثمَّ انعكست هذه الزيادة على الشركات، وأدَّت إلى مرورها بمراحل نمو كبيرة في حجم أنشطتها وأعمالها؛ فقد أدى ارتفاع المستوى المعيشي للمستهلكين - بسبب زيادة الدخل القومي لدولهم - إلى زيادة في طلب هؤلاء المستهلكين للسلع والخدمات المحلية والمستوردة، هذه الزيادة في الطلب أدت إلى انتعاش الأسواق، ومن ثمَّ زادت الشركات العائلية المستورِدة من حجم عملياتها.
وفي المقابل: تعرضت الشركات العائلية للعديد من الصعوبات والتحديات، كان من أهمها الظروف الصعبة التي مرت بها منطقة الخليج نتيجة غزو العراق للكويت، وما جلبه هذا الغزو على المنطقة من آثار سلبية، تمثلت في عدم استقرار أسعار البترول وتقلبها، وهو الذي يمثل الرافد الأساس لموازنات دول الخليج، مما أثر بدوره على خطط التنمية البشرية والاقتصادية، وهذا يؤثر بطريقة مباشر على الأسواق التي تعمل فيها الشركات العائلية.
مقترحات هامة للشركات العائلية:
(الشراكة الاستراتيجية، البرامج التدريبية، التحول إلى شركات مساهمة عامة):
لقد أسهمت العديد من الدراسات، وآراء الخبراء في تقديم عدة مقترحات لصناع القرار في الشركات العائلية في العالم العربي، نلخص بعضها في الآتي:
1- على الشركات العائلية – خاصةً ذات رؤوس الأموال الكبيرة – أن تجتهد في الدخول في شراكات استراتيجية مع الشركات التي أخذت منها توكيلاً تجارياً لتمثيلها - في دولة الشركة العائلية – وألا تكتفي بدور الممثل التجاري فقط؛ بل عليها أن تسعى إلى المساهمة في تطوير هذا المنتج المستورد، وأن تعمل على فتح أسواق جديدة، والأهم من ذلك أن تسعى الشركات العائلية إلى الاستثمار في الأفكار الجديدة، أو شراء (براءات الاختراع)؛ لكي تنتج سلعاً أو خدمات تحمل علامةً تجاريةً خاصةً بها، مع الأخذ في الاعتبار أن عملية الإنتاج الخاص - أو التطوير لمنتج قائم - تتطلب الكثير من التمويل، والعديد من الكفاءات البشرية، والإنفاق على البحث العلمي، وهو الأمر المفتقد حتى الآن – إلا قليلاً – في الشركات العائلية.
وهذه الشراكة الاستراتيجية بين الشركات العائلية والشركات العالمية المصدرِّة لها العديد من المزايا، أهمها نقل التكنولوجيا المتقدمة إلى بلداننا العربية من أجل التصنيع والتطوير، وهذا يؤدي إلى تدريب الأيدي العاملة المحلية على هذه التكنولوجيا المتطورة من أجل العمل بها، وهذا سيجعل من هذه العمالة عمالة ماهرة ومدربة، تكتسب الخبرات على أسس علمية سليمة، وتتنامى هذه الخبرات بالمزيد من البرامج التدريبية، وبنقل الخبرات المتوافرة في الشركات العالمية، وهو ما سيكون له آثاره الإيجابية على التنمية البشرية والاقتصادية، وسيكون أفضل من اكتفاء الشركات العائلية بدور الممثِّل التجاري للشركات العالمية. هذا من جانب، ومن جانب آخر - وهو الجانب الأهم - آثاره الإيجابية على الاقتصاد الوطني ككل.
وأقترح هنا على الشركات العائلية الكبيرة:
ألا تكتفي باستخدام العمالة فقط؛ بل عليها أن تنشئ مراكز تدريبية داخل شركاتها لتدريب العمالة المتوافرة لديها، فضلاً عن فتح أبواب التدريب – بالتعاون مع الجامعات، والكليات التقنية، والمدارس الفنية - لطلاب الجامعات، كلٌّ في تخصصه.
على سبيل المثال: إذا كانت الشركة العائلية تعمل في مجال المقاولات، فبإمكانها أن توفر برامج تدريبية عملية لطلاب كلية الهندسة المدنية والمعمارية؛ ليضيفوا الجانب العملي إلى الجانب الأكاديمي، وبالمثل: توفير برامج تدريبية لطلاب كليات الإدارة والمحاسبة.. وهكذا.
وإذا لم تستطع الشركة العائلية الواحدة القيام بهذا الواجب تجاه منسوبيها ومجتمعها، فما المانع من أن تجتمع عدة شركات في حقل ما لكي تنشئ مثل هذه المراكز التدريبية، مساهمةً منها في برامج تأهيل الطلاب والشباب والعمالة الوطنية، كلٌّ حسب تخصصه؛ لكي تجعل منهم قوى عاملة حقيقية، تتمتع بالمهارة المطلوبة من قِبَل سوق العمل؟!!
وهذا الواجب الوطني من قِبَل الشركات العائلية ليس من سبيل فرض الكفاية، وإنما من سبيل فرض العين؛ حيث تنتشل بهذا الدور الكثير من الشباب من دمار البطالة، التي قد تتسبب في انحرافهم وعدم استفادة وطنهم منهم؛ فهم القوة الحقيقة للوطن، وليس من المنطقي أن تسخَّر هذه القوة لدماره، بدلاً من تسخيرها لحمايته ورفاهيته، ومن ثمَّ دمار الشركات العائلية؛ لأن الكل في مركب واحد؟!
فيجب أن لا تجعل الشركات العائلية عائق التمويل (شماعة) تعلق عليها تقاعسها عن القيام بمثل هذا الواجب.
ويجدر بنا في هذا المقام أن ننوه إلى وجود عدد قليل من الشركات العائلية لمست بحسِّها الوطني حقيقة ما ذكرناه آنفاً، وتعمل جاهدةً في تدريب الشباب وتأهيلهم، وإعدادهم لتحمل أعباء العمل، سواء بالاستفادة منهم في شركاتها، أو الاستفادة منهم في شركات أخرى، فالمهم هو استفادة الشباب أنفسهم، ومن ثمَّ استفادة وطنهم.
2- تحويل الشركات العائلية إلى شركات مساهمة عامة، إذا كانت تريد وترغب في الاستمرار - وبقوة - لمواجهة العديد من الصعاب والتحديات غير التقليدية؛ إلى جانب التحديات التقليدية المتمثلة في تفككها لأسباب تتعلق بخلافات الورثة، ويرى الخبراء أن هذا التحول صار حتميّاً في الوقت الراهن؛ لحماية الشركات العائلية الكبرى من الانهيار والتلاشي، وبنظرة إلى أوضاع العديد من الشركات العائلية الكبرى؛ نجد أنها قد أخذت فعليّاً في التحول.
ولهذا التحول - في رأي من ينادون به - العديد من المزايا، منها:
أ – دمج أنشطة وأعمال الشركات العائلية بصورة أوسع وأكبر مع عجلة التطور الاقتصادي المتنامي والسريع في الدول التي تنتمي إليها؛ حيث ستكون هذه الشركات جزءاً من الثروة الاقتصادية الوطنية المقيَّمة بموجب أسس ومعايير السوق، وستسعى هذه الشركات للالتزام بهذه المعايير، بنشر البيانات المالية الصحيحة والواقعية، والتعامل في الأوراق المالية، وخاصةً الأسهم.
ب – إدراج أسهم الشركات بالبورصة، يعني: إيجاد قيمة حقيقية وعادلة يومية لأسهم هذه الشركات، مما يسهل عملية نقل الملكية، سواء من حيث
(تسعير الحصص)، أو من حيث (قانونية وإجراءات نقل الملكية) المعمول بها في سوق المال، عند وجود الضرورة لذلك، وهذا سوف يجنِّب الشركات العائلية الكثير من المشاكل والخلافات التي قد تنشأ عن نقل حصص الملكية بين أفراد العائلة.
ج – تهيئة الشركات العائلية لعصر العولمة وانفتاح السوق؛ حيث قد تواجه تلك الشركات في المستقبل المنظور أو البعيد - وفي ظل هذه التطورات الاقتصادية العالمية السريعة - خيارَ الدمج مع شركات وطنية محلية، أو مع شركاء أجانب، يحققون لها تكاملاً أفضل، ووجودا مميزاً وأقوى في الأسواق التي تعمل فيها. وبالتالي؛ فإن وجود قيمة عادلة لأسعار أسهم هذه الشركات، ووجود شفافية في البيانات الخاصة بأعمالها وأدائها ومركزها المالي الحقيقي، مع توافر السمعة المالية والاقتصادية المرموقة، التي لن تتوفر إلا من خلال إدراجها في سوق المال أو التحول إلى شركة مساهمة عامة، أي: شركة مفتوحة غير مغلقة.
وينادي آخرون بعدم تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة؛ لأن هذا التحول سيؤدي إلى:
1 – ظهور أعباء مالية جديدة على الشركات العائلية؛ بسبب خضوعها لقوانين ولوائح جديدة – لوائح وقوانين سوق المال – تتطلب دقةً وتفصيلاً أكثر فيما تعرضه الشركة من بيانات ومعلومات مالية من تلك المطبقة على الشركات الخاصة، ويتطلب التحول - أيضاً - الإفصاح الدقيق عن معلومات مالية للشركة العائلية، تبين حقيقة أوضاعها المالية.
2 - على المؤسِّسين المساهمين القبول بفكرة التخلي عن جزء – أو أجزاء - من حقِّهم في ملكية شركتهم عند قبولهم بعملية التحويل من شركة عائلية إلى شركة مساهمة عامة.
3 – تحمل نفقات ومصاريف
(دراسة جدوى التحول) إلى شركة مساهمة عامة، وكذلك مصاريف إعداد وإصدار نشرة الإصدار، فضلاً عن مصاريف مكاتب التدقيق والمحاسبة القانونية، ومصاريف التعامل مع البورصة... إلخ.
وأخيراً:
أودُّ أن أضع بين يَدَي المسؤولين عن اتخاذ القرارات في الشركات العائلية عدة أسئلة مهمة وضرورية، أرجو منهم عند الإجابة عليها تحرِّي عوامل الموضوعية والدقة والشفافية؛ فقد تكون هذه الإجابات أحد الوسائل المعينة على استمرارية شركاتهم.
ونوجز أهم هذه الأسئلة في الآتي:
1- هل مُلاك الشركات العائلية يأخذون بالتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى لاستمرارية عملهم العائلي في المستقبل؟
2- هل مُلاك الشركات العائلية – ممن تتركز في أيديهم القرارات - يقومون بأعمال أخرى خاصة بكل منهم، ويعطونها جلَّ وقتهم، مما يوثر بالسلب على تقدم وتطور شركاتهم العائلية؟
3- هل مُلاك الشركات العائلية يختارون المسؤولين عن إدارة هذه الشركات من داخل العائلة تحت ضغط النفوذ أو الملكية الأكبر، ويتجاهلون الكفاءة العلمية والخبرة العملية التي يجب توافرها في هؤلاء المسؤولين؟!
4- ما هي معايير تقييم ومحاسبة المسؤولين عن الإدارة؟ وهل سيحاسب المقصِّر، بغضِّ النظر عن مكانته ونفوذه داخل العائلة؟!
5- هل العاطفة والعصبية تفرضان على ملاك الشركات العائلية توفير فرص عمل لأفراد العائلة، بغضِّ النظر عن مدى صلاحيتهم أو عدم صلاحيتهم لشغل هذه الوظائف؟! وهل سيتساوون في الحقوق والواجبات مع زملائهم في العمل من خارج أفراد العائلة؟!
6- هل يسعى مُلاك الشركات العائلية إلى العمل على تهيئة قيادات جديدة من داخل العائلة - مؤهلة بالشهادات العلمية، والخبرات العلمية، التي تكتسبها من برامج التدريب المتنوعة التي توفرها لهم الشركات – لتحمل القيادة في المستقبل، مما يساعد على تطور ونمو شركاتهم، فضلاً عن استمراريتها؟
7- ما مدى إمكانية توجيه النصح والاقتراحات من قِبَل أفراد العائلة للقائمين على الإدارة؟ وهل ستوضع معايير وقواعد ملزِمة للجميع، تهدف إلى عدم التدخل في شؤون مجلس الإدارة، إلا عن طريق الجمعية العمومية للعائلة أو مجلس العائلة... إلخ؟
8- هل وضعت اللوائح المنظِّمة لتوزيع الأسهم والأرباح بين أفراد العائلة الذين يملكون أسهماً ويعملون داخل الشركة، وأفراد العائلة الذي يملكون أسهماً ولا يعملون داخل الشركة؟ وهل سيحدَّد في اللوائح رواتب شهرية أو نسب سنوية من الربح للأفراد العاملين داخل الشركة، ثم يقسم الربح المتبقي بالنسب التي تنظمها تلك اللوائح... إلخ؟
9- هل هناك (آلية) واضحة وملزِمة لحلِّ النزاعات بين أفراد العائلة المالكة للشركة؟!
10- هل هناك (آلية) واضحة تنتهجها إدارة الشركة العائلية في حال أراد أحد أفراد العائلة بيع أسهمه في الشركة؟
11- ما مدى استعداد وتقبُّل مُلاك الشركة العائلية للاستعانة بأصحاب الكفاءة العلمية، والخبرة العملية من خارج أفراد العائلة لإدارة شركتهم؟
12- ماذا تقدم الشركات العائلية للمجتمع والوطن الذي تحيا بين جنباته؟
المراجع
1- إحصائيات مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية.
2- جون ورد (Ward, J.L) الشركات العائلية.. الازدهار والانهيار؛ ترجمة: مركز الخبرات المهنية للإدارة (بمبك)، القاهرة، 2004م.
3- Stevenson , H. "Defining corporate strengths and weaknesses". Sloan management review , spring 1976.
4- turtevant, F.D., Ginter, J.L., and Sawyer, A. G. Manager's conservatism and corporate performance .
"Strategic Management Journal, 17-36, 16, 1985.
5- Ward, J.L. "The Imp act of family business ownership on marketing strategy and performance ...Washington, D.C.: American Marketing Association, 1983.