الفصل الأول

الخصائص والسمات الرئيسية لمدخل برامج تحسين الأداء


تعتبر المداخل التقليدية لإحداث تغيير في المنظمات، مداخل ذات طبيعة جزئية بصفة عامة، ذلك لأنها تركز عادة على طرق وأساليب تحسين كفاءة المنظمة، وبالتالي تتعامل مع جزيئات المشكلة بدلا من النظرة الشاملة والكلية للنظام. كذلك فإن هذه المداخل التقليدية تميل إلى الاعتماد على واحد أو أكثر من المداخل التي تعتبر أساسية- من وجهة نظرها- لإحداث تغيير وتطوير في المنظمة، وعلى وجه التحديد تلك المداخل التي تستهدف تحقيق التغيير من خلال إدخال تكنولوجيا جديدة، أو إجراء تعديلات هيكلية، أو تنمية الموارد البشرية للمنظمة.
وبصفة عامة، يمكن القول إن المداخل التقليدية فشلت في أن تنظر إلى المنظمة ككيان متكامل، وأن تتعامل مع العوامل والمتغيرات التي تحكم فعاليتها. فهي في حقيقتها موجهة كلية نحو تحسين ديناميكيات العلاقات التنظيمية الداخلية للمنظمة، ولم تتوصل إلى حلول للمشكلات الأساسية التي تتصل بديناميكيات علاقة المنظمة بالمجتمع الخارجي المحيط بها، أو التفاعل بين هذه العلاقة التنظيمية الداخلية والخارجية.
وباستعراض أهم الدراسات التي أجريت خلال العقدين الأخيرين يتضح لنا بجلاء أن التركيز كان من نصيب المتغيرات الداخلية مثل الحجم، والتكنولوجيا، والموقع، والإستراتيجيات الإدارية، وأسلوب القيادة.. إلخ، وعلى الرغم من أن هذا التركيز على متغيرات"النظام المغلق" مستمر، فإن عددا من الباحثين والدارسين أظهروا في السنوات الأخيرة اهتماما متزايدا بأثر الهيئات الخارجية على أداء وعمل. وسلوك، وفعالية المنظمة، ومن واقع هذا الاهتمام بدأ يظهر في الأفق ويتبلور مدخل"النظام المفتوح" في دراسة المنظمات المعقدة.
من ناحية أخرى فإن هذا التركيز الجديد والتغير في النظرة يمكن أن ينسب إلى ذلك المفهوم في نظرية التنظيم، والذي يطلق عليه أسم"نظرية الارتباط" بين المنظمات. أن هذه النظرية تقوم على أساس حقيقة أن أداء وعمل المنظمة وكذلك سلوكها وفعاليتها إنما يتوقف على الظروف المحيطة بها، الداخلية والخارجية على حد سواء. وقد تم تحديد تلك المتغيرات التي تعتبر ذات أثر على المنظمة فوجد أنها تشمل: حجم المنظمة، والتكنولوجيا، وتدفق ومسار العمل، وظروف العمل، وأسلوب القيادة، والسوق والبيئات التكنولوجية، والظروف الاقتصادية والاجتماعية. ويمكن أن يفهم سلوك أي منظمة على أفضل وجه، إذا ما نظر إليه على أنه سلوك تم في إطار نظام القوى المترابطة التي تعتمد على بعضها البعض. وبما أن هذه القوى مرتبطة ببعضها بطريقة أو بأخرى، فإن أي تغيير في إحداها يؤثر في بقية القوى الأخرى، ومن ثم يجب أن تتكامل حتى لا تعمل في تضاد وتعارض مع أهداف المنظمة. ومن هنا يمكن النظر إلى المنظمات على أساس أنها هياكل قابلة للتكيف لحل المشكلات، وأن فعاليتها تعتمد على مدى تناسب استجابتها- من حيث السلوك والاتجاه- للمشكلات التي تسببها البيئات المتغيرة. لذا ينبغي أن يكون سلوك المنظمات مرنا بدرجة كافية" تسمح لها بزيادة رصيدها من الفرص المتاحة. وحل المشكلات التي تعترضها، وأن تستجيب بسرعة للتطورات. بعبارة أخرى يمكن من خلال بلورة مفهوم البيئة المحيطة بالمنظمة أن ندرك الأبعاد المختلفة التي تؤثر وتحدد من عمل وسلوك وفعالية المنظمة".
والشكل رقم(1) التالي يوضح تصورا بيئة المنظمة:
إن المستويات الثلاثة الهامة هي: بيئة المنظمة، وبيئة العمل، والبيئة الاجتماعية. ويمكن أن نعرف بيئة المنظمة بأنها الأوضاع الموجود داخل نطاق"النظام المغلق" التي ترسم للمنظمة حدودها. ويقع الجزء الأكبر من هذا



المصدر

Adopted from R. Neghandi. ‘’ Comparative management and an open System theory’’, Academy of Management Proceedings, Thirty third Annual Meeting (Seattl, 1974.)P. 153
المستوى في دائرة إختصاص، وتحت سيطرة المديرين متخذي القرارات ومن أهم متغيرات هذه البيئة: الحجم، التكنولوجيا، ورصيد المنظمة من الموارد البشرية. أما بيئة العمل فهي ذلك الجزء من الوضع الكلي الذي تجد فيه المنظمة أن يتعين عليها أن تنافس غيرها. ومن الناحية النمطية فإن هذه البيئة تشمل بالنسبة لأي منظمة عامة ما يلي: السلطة الإشرافية عليها، والموارد المالية القومية والدولية، والسلطات المحلية، ونقابات العمال، والرأي العام، والموردين، والمنافسين في حالة ما إذا كانت المنظمة العامة لا تتمتع بوضع احتكاري في مجال عملها- وأخيرا فإن البيئة الاجتماعية هي تلك البيئة التي تضم كل هذا في داخلها، ونعني بالبيئة الإجتماعية الظروف الإقتصادية، والسياسية، والإجتماعية، والثقافية. والقانونية السائدة في المجتمع ككل. وعلى الرغم من الفائدة العامة التي يحققها مدخل الارتباط بين المنظمة وما يحيط بها، فإن فشل في تقديم دليل كاف على إمكانية تحقيق المواءمة بين المنظمة أو نظمها الفرعية والبيئة وكذلك فإن هذه النظرية لم تعالج وتبلور على نحو كاف العلاقات المعقدة بين المنظمات وبيئاتها.
وفي نفس الوقت فإن النمو التكنولوجي السريع، وتوسع الأسواق الإقتصادية، والتغير الإجتماعي والسياسيي، تشكل جميعها ضغوطا مستمرة على المنظمات تدفعها وتجبرها على التغيير، والمواءمة، والنمو لمواجهة التحديات التي تفرضها البيئة. لذلك فمن الأهمية بمكان بالنسبة للمنظمات أن" تستمر وتثابر لتطوير نفسها إلى الأحسن"، وأن تتجه دائما إلى المستقبل لاستطلاعه، ولا تعمد كثيرا على خبرات الماضي، التي قد لا تكون صالحة تماما لمواجهة ذلك النوع الجديد من المشكلات، والتي ليس بالإمكان توقعها دائما. لذا فقد أصبح من الأمور بالغة الحيوية بالنسبة لأي منظمة أن تكون لديها إستراتيجيات قادرة على توقع المشكلات والأزمات بدلا من أنتظارها ثم التعامل معها، بمعنى أن يكون تعامل المنظمة معها مبنيا على أساس الفعل وليس رد الفعل. وفي هذا الصدد فإن هناك حاجة ماسة إلى نظام قادر على تقييم الأهمية النسبية للعوامل البيئية، على أن يعمل هذا النظام على أساس مستمر ودائم.
ومهما كانت النظريات فإن هناك إتفاقا عاما الآن- يكاد أن يبلغ درجة الإجماع- على أن النظرة إلى المنظمة ينبغي أن تكون على أساس أنها كائن حي، وليس آلة صماء. وينطوي هذا الوصف ويستند إلى فكرة مؤداها أن أي كائن، سواء أكان مفردا أو متعمدا، يجب أن يتكيف مع ما حوله حتى يكتب له البقاء، ويجب أن يغير من آرائه وأسلوب عمله لتلبية الحاجات الجديدة. من هذا المنطلق فإن النظرة إلى المنظمة لا ينبغي أن تكون قاصرة فقط على إعتبار أنها هيكل رسمي، ولكن أيضا على أساس أنها شبكة علاقات حية، ومرنة، ومتغيرة، ومعقدة بين مجموعة من الأفراد، صممت كي تحقق أهدافا لها معنى وقيمة اجتماعية. من ثم فإن فعالية المنظمة تعتمد إلى حد كبير على قدرات المديرين على خلق علاقات سليمة مع الأجهزة والمنظمات الخارجية التي تؤثر في السياسات والموارد، وتحسين وتحقيق الاستخدام الكفء لمهارات، وطاقات والتزام وولاء أعضاء المنظمة: أي، بعبارة أخرى، قدرة المنظمة على الحصول على الموارد المادية وغير المادية من البيئة، وهو عملية تنطوي على مجالين من مجالات النشاط:
الأول: يجب أن تكون قادرة على إستقطاب الموارد البشرية، والإدارات، والدعم السياسي من بيئتها الخارجية.
الثاني: ينبغي أن تعمل المنظمة على أن يحقق أعضاؤها مستوى كاف من الأداء، والالتزام والولاء إذا كانت ترجو أن يكتب لها الحياة، وأن يؤدي عملها بفاعلية.
ويوضح التحليل التالي نواحي العجز والقصور في مداخل معينة من تلك المداخل" التقليدية" التي تستخدم سعيا نحو تحقيق تحسين مستويات الأداء.
التدريب الإداري:
أنفقت بلايين الدولارات على برامج تدريب المديرين الرسمية، وقد كان إعداد تنظيم مثل هذه البرامج يعتبر في وقت من الأوقات بمثابة أخر وأهم صيحة في مجال التعليم في هذا القرن. ومع ذلك فإن المحاولات التي استهدفت الربط بين التدريب لإحداث تغييرات في السلوك في أثناء العمل وزيادة أو تحسين فعالية المنظمة باءت بالفشل وأسفرت عن نتائج مخيبة للآمال. وقد ثبت من خلال الدراسات التقييمية التي اجراها قطاع الادارة العامة و المالية العامة علي برامج التدريب التقليدية ذات الصبغة العامة، وحتى تلك البرامج التي يمكن أن توصف بأنها رفيعة المستوى، أن أثرها على أداء المنظمة جد محدود وغير مؤكد. والأدلة على ذلك، والتي تم إستنباطها من واقع البحوث التي أجريت تشير بوضوح إلى أن المستشارين المدربين يميلون إلى الاعتقاد في سلسلة من الافتراضات عادة ما تكون مفهومة ضمنا. وهذه الافتراضات هي:
1- أن الاحتياجات التدريبية لمجموعة غير متجانسة من المشتركين تم جلبهم من منظمات متنوعة ومتباينة تجمعها صفات عامة ومشتركة بقدر كاف.
2- إن المشترك الفرد بإمكانه أن يخرج من خبرته في موقف تدريبي لا صلة له بعمله باتجاه ومقدرة جديدة تكفيه لكي يحدث بعض التغيير في سلوكه.
3- إن المتدرب سوف ينقل ما تعلمه، في الموقف التدريبي إلى الموقف في عمله، ويطبق ما تعلمه في ممارسته وأدائه الفعلي:
4- إن المشترك الفرد يخرج من البرنامج التدريبي ويعتبر نفسه داعية تغيير في مواقف العمل التي تقابله، وأن نظم منظمته على استعداد للاستجابة لمبادرته.
وعند نقطة ما على طول هذا الدرب المحفوفة بسلسلة طويلة من الافتراضات غير المؤكدة وغير المأمونة سوف تضطرب مسيرة عملية التغيير التي كانت متوقعه؟ ومن المحتمل جدا أن تتوقف نهائيا بعد برهة قصيرة والسبب الحقيقي هو أن النظرة إلى المدير الفرد على أنه محاط بنظام اجتماعي وفي معقد لم تحظ بالاهتمام الكافي، وكانت الإلتفاتة إليها إلتفاته عرضية، غير مخططة أو مقصودة. والقضية الأساسية التي يمكن أن تثار هنا هي، هل بإمكان الفرد، أي المديرين المعزولين عن كل ما حولهم أن يحدثوا تغييرا علي نطاق المنظمة كلها وبأتساعها، حتى ولو كانوا يشغلون مراكز المسئولية فيها؟!
معونة الخبراء الاستشاريين:
هنا أيضا تصرف بلايين الدولارات سنويا على شكل معونة خبراء تقدم للمنظمات. وتحوي ملفات المنظمات في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء عددا من التقارير الاستشارية المتخصصة: تشخص معظمها بدقة المصاعب والمشكلات التي تواجه العمل في منظمة العميل طالب الاستشارة. وتنتهي بمجموعة من التوصيات المحددة لإحداث التغيير، ولكن مرة أخرى دعونا نتساءل، ما هي النتيجة؟! لقد أسفرت نسبة عالية من هذه الجهود عن تحسن محدود أو لم تسفر عن أي تقدم أو تحسين حقيقي وملموس في مستوى أداء المنظمات. وفي ضوء الخبرات التي اكتسبتها الأمانة العامة للأمم المتحدة من مشروعاتها الميدانية المختلفة، يمكن القول فإن الافتراض القائل بأن كل ما تحتاج إليه المنظمة طالبة الاستشارة لإحداث التغيير هو إعداد تقرير" جيد" من حيث إكتشافه للحقائق أو توصياته- افتراض ثبت أنه قائم على تبسيط شديد للأمور، وبدلا من أن ينمي المستشار في المنظمة قدرتها على حل مشكلاتها من خلال مشاركتها الفعالة في ذلك، إذ به ينمي فيها اعتمادها على مهارته هو في حل هذه المشكلات. والناتج النهائي لعمل الخبير الاستشاري يسلم للمنظمة العملية على شكل مجموعة من التوصيات، أن إمكانية تنفيذ هذه التوصيات- والتي تعتمد ليس فقط على مدى صلاحيتها من الناحية الفنية، ولكن أيضا على موقف وقيم المنظمة، وقدراتها على استيعاب التغيير- لم تختبر على نحو واضح، أو تركت للحكم التقديري الضمني للمستشار، وبهذا فإن العملية كلها بصورتها هذه ليست سوى فرض نموذج تغيير من قبل المستشار على المنظمة طالبة الاستشارة. وبموجب ذلك فإنه يتولى توجيهها إلى ما يجب عمله، وبالتالي فإنه يحقق إمكانية النمو الذاتي والعضوي لدى المنظمة. ويبدو أن الهدف الأساسي الذي يسعى المستشار وراء تحقيقه هو إعداد تقرير مقبول من الناحية الفنية والتخصصية، أكثر من كونه يسعى إلى تيسير تحقيق تحسن في الأداء. وفي نفس الوقت يبدو غالبا أن الهدف الأساسي للمنظمات طالبة الاستشارة ليس التغيير، ولكن توضيح مدى إدراكها لمشاكلها الرئيسية، وهي تعمل على إيجاد الحلول لها.
تقييم الأداء:
هذا المدخل أحد المداخل التقليدية لتقييم الأداء الإداري التي نعرض لها، ولكنه يتميز عن غيره بأنه أكثرها تعرضا للنقد والهجوم. على أية حال فإن النقد الأساسي والمشترك الذي وجه للعديد من هذه المداخل التقليدية، هو أنها أولت الأساليب الفنية للإدارة والإجراءات التي يستخدمها المديرون أهمية وثقلا أكبر بكثير من النتائج التي تحققها هذه الأساليب والإجراءات وفضلا عن ذلك فإن إسهام المديرين التنفيذيين في تحديد المعايير التي أساسها يجري الحكم على أدائهم غالبا ما يكون محددا إن لم يكن معدوما. وأخيرا، فإن السلطات الإشرافية غالبا ما تعتبر نفسها سلطة تقييم فقط، ولا تكلف نفسها مشقة بذل جهد متواضع من أجل تيسير وتدعيم قدرة هؤلاء المديرين الذي تشرف على أدائهم من أجل تحقيق أهداف المنظمة التي يعملون بها.



التطورات الحديثة

يعتبر مفهوم برامج تحسين الأداء نبتا طبيعيا لعدم الرضا عن النتائج التي أسفرت عنها عمليات استخدام المداخل التقليدية. وعلى أساس أن يكون هذا المدخل الجديد أداة للتعامل مع المنظمة ككل، أي كنظام متكامل. ويرتكز هذا المدخل على المفاهيم التي تبلورت حديثا في مجال السلوك التنظيمي، وإن كان يستند بصفة خاصة إلى مفاهيم محددة مثل: تنمية المنظمة، والاستشارات المخططة، والإدارة بالأهداف، وهي المفاهيم التي سنحاول أن تعرضها بشكل موجز في الجزء التالي.
تنمية المنظمة:
هناك تعاريف متنوعة لمفهوم تنمية المنظمة وأحد هذه التعريفات يؤكد أنه أسلوب عمل يتكون من ثلاث خطوات أساسية:
1- جهد طويل المدى لإحداث تغيير مخطط يستند إلى دراسة تشخيصية يشارك فيها أفراد المنظمة أنفسهم.
2- برنامج يأخذ المنظمة ككل في اعتباره كنظام متكامل، وحتى إذا كان التغيير المطلوب في أحد نظم المنظمة الفرعية، فيجب أن يكون على مستوى المنظمة كلها.
3- تحديد هدف زيادة فعالية المنظمة وتدعيم قدراتها على الاختيار.
وفي تعريف آخر لماهية تنمية المنظمة، أنها تغيير مخطط أو نظام كامل للتغيير تبدأه الإدارة العليا للمنظمة بهدف زيادة فاعليتها والارتفاع بمستوى صحة التنظيم والمساعدة في تحقيق وإنجاز أهداف تنظيمية محددة، ولا تتحقق هذا إلا عن طريق التدخلات المخططة في هيكل المنظمة وعملياتها، واستخدام ما توصل إليه علم الاجتماع، وكل المعرفة الأخرى التي لها صلة وارتباط.
وثمة تعريف ثالث يتميز بأن التعريف الأكثر شيوعا وذيوعا من التعريفين السابقين، وهو أن تنمية المنظمة جهد مخطط، على أتساع المنظمة كلها، يدار من قبل الإدارة العليا، لزيادة فعالية وصحة منظمة ما من خلال تداخلات مخططة في عملياتها، باستخدام ما توصلت إليه العلوم السلوكية.
وواضح من هذا العرض أن هذه التعريفات كثير من التشابه الذي يكاد يصل إلى حد التطابق،
ويمكن استخلاص العناصر الأساسية المشتركة التي يقوم عليها هذا المفهوم على النحو التالي:
أولا: إن المستهدف من التغيير هو المنظمة ككل أو نظام فرعي رئيسي بها، وليس الفرد العامل فيها.
ثانيا: ضرورة اشتراك مستويات الإدارة العليا في العملية.
ثالثا: ضرورة الاشتراك الفعال من قبل أفراد المنظمة في عملية تشخيص المشكلات، ووضع خطط العمل الرامية إلى إيجاد الحلول لها.
وتعدم البحوث التي أجريت الحقيقة التي مفادها أن مثل هذه الأنشطة المشتركة سواء في مجال التشخيص أو التخطيط تعتبر حوافز هامة لإحداث التغيير. ويمكن تنمية هذه الحوافز من خلال زيادة مستويات المشاركة في المعلومات بين المنظمة العملية والمستشارية وما يستتبع ذلك من زيادة اشتراك العميل في عملية التغيير وزيادة ثقته في المستشار.
ولعنا نتبين في هذه الملامح الخاصة بجهود تنمية المنظمة التي عرضنا لها أنها تخلصت من الكثير من الانتقادات التي كانت توجه لبرامج التدريب الإداري، والتي عرضنا لها نطاق سابق.
الاستشارات المخططة:
لعل من أهم التطورات التي أتت بها حركة تنمية المنظمة، واستهدفت من ورائها زيادة فعالية المنظمة، هو تحديد دور جديد للمستشارين. إذ أنه بمقتضى هذا الدور أصبحت عملية الاستشارة تلك العملية المخططة التي تستهدف مخاطبة أنشطة العمل التي يمكن أن تحل مشاكله، بمعنى أن بؤرة تركيز المستشار إعتمدت على العمليات التي يمكن أن تحقق النتائج المرجوة والغايات المستهدفة، وليس على هذه النتائج والغايات مباشرة. ومن ثم فإن المستشار- في هذه الحالة- لا يقدم حلولا للمشكلات باعتباره خبيرا، ولكنه يساعد المنظمة طالبة الاستشارة على القيام بتشخيص منظم ومحدد المصاعب التي تصادفها، والتوصل إلى برامج عمل لزيادة وفعالية المنظمة، وعلى أساس هذا المفهوم فإن دور المستشار التقليدي كمحور للخبرة والاستشارة سوف يتقلص ليحل مكانه دور المستشار الذي يركز على كيفية خلق التفاعل وتحقيق التعاون داخل المنظمة لتحقيق أهدافها، وهو ذلك المستشار الذي أصبحت وظيفته الأساسية هي مساعدة المنظمة على حل مشكلاتها عن طريق خلق الإحساس والإدراك لدى هذه المنظمة بطبيعة العمليات التي تقوم بها، والآثار المترتبة عليها، وميكانيكيات تغييرها.
إن هذا المفهوم الجديد للاستشارات يساعد المنظمة على أن تتعلم وتنمو من خلال عملية التشخيص والتخطيط الذاتية التي تقوم بها. لذا فإن الهدف النهائي الآن للمستشار هو تنمية قدرة وطاقة المنظمة على أن تقوم بنفسها ما يجب أن يقوم هو به لها. وواضح غاية الوضوح أن المستشار في الحالة الأولى( التقليدية) كان يقدم للمنظمة طالبة الاستشارة ما لديه من معرفة، أما المستشار في الحالة الثانية فإنه يوظف لديها ما يملك من مهام وقيم.
هذه النظرة الجديدة لدور المستشار في المنظمة تتفق تماما مع الاتجاهات الرئيسية في مجال الاستشارات الفردية. وقد شهدت السنوات الأخيرة تكريس مزيد من الاهتمام لمساعدة العملاء طالبي الاستشارات على تشخيص مشكلاتهم والعمل على حلها بدلا من أن تتوقع منهم الاعتماد على استشارة الخبير، ومن هنا يتضح بجلاء أن الاستشارات المخططة في المنظمات تناسب المشكلات المتعلقة بقضايا التنظيم والموارد البشرية أكد من تلك المشكلات المتصلة. بالقضايا الفنية، حيث يملك المستشار في الحقيقة خبرة ليست موجودة في المنظمة طالبة الاستشارة.
الإدارة بالأهداف:
الإدارة بالأهداف نظام للإدارة صمم لضمان التزام المديرين بأهداف المنظمة. ووفقا لهذا النظام فإنه يتوقع من المديرين أن يتولوا تحديد أهدافهم على ضوء أهداف المنظمة وعلى أساسها، وأن يعبر عن هذه الأهداف بصورة تكون قابلة للقياس، حتى يتمكن هؤلاء المديرون من تقييم أدائهم والرقابة عليه. وبهذا فإن نظام الإدارة بالأهداف يستبدل الرقابة الخارجية الجامدة، برقابة داخلية تتميز بالدقة والفعالية. وهو أسلوب يدفع المدير إلى العمل ليس لأنه تلقى أوامر أو تعليمات بذلك، ولكن لأن تحقيق أهداف عمله يتطلب منه هذا.
والخبرة المكتسبة من تطبيق برامج الإدارة بالأهداف توضح أن هناك سبع مكونات تكاد تكون هي القاسم المشترك الأعظم وراء نجاح جميع برامج الإدارة بالأهداف:
1- تحديد أهداف محددة وواضحة لكل مركز ووظيفة.
2- مشاركة الرئيس والمرءوس في تحديد ووضع الأهداف.
3- الربط بين الأهداف من خلال المديرين.
4- قياس تحقيق الأهداف والرقابة على الإنجاز.
5- إعادة النظر في الأهداف، وإعادة دوران العملية.
6- إشتراك وإلتزام السلطات العليا.
7- إشتراك وإلتزام مرءوسي المدير.
ويستقطب نظام الإدارة بالأهداف الاهتمام الرئيسي بتقييم الآراء ويركزه على النتائج، ويشترط وضع أهداف وتحديد خطط عمل لتحقيق هذه الأهداف من خلال جهد مشترك العاملين في المنظمة. ويؤكد بوضوح دور السلطة الإشرافية كمصدر من مصادر دعم المديرين. وفي حالة تطبيق نظام الإدارة بالأهداف على نحو سليم ورشيد، فإنه يحقق إتاحة الفرصة لإجراء حوار( صاعد/هابط) بين الرئيس والمرءوس، ويقلل من البعد الإجتماعي القائم بينهم. مرة أخرى يمكننا القول إن نظام الإدارة بالأهداف يحاول أن يعالج مباشرة الانتقادات التي وجهت إلى المداخل التقليدية بالنسبة لمعالجتها لقضية تقييم الإدارة التي أشرنا إليها آنفا.
هذه المداخل الثلاثة الأخيرة تعتبر مداخل جديدة هدفها تحسين مستوى الأداء على كافة المستويات داخل المنظمة. فأسلوب تنمية المنظمة هو التغيير المخطط في النظام كله أو في نظام فرعي رئيسي. والاستشارات المخططة جزء لا يتجزأ من هذا الأسلوب، على إعتبار أن عمل المستشار وتدخله إنما يكون موجها لتحسين أداء الجماعات الموجودة، أي الرئيس التنفيذي والعاملين معه أو العلاقات بين الوحدات الوظيفية، مثل الإنتاج والرقابة على الجودة. أما الإدارة بالأهداف فمحور تركيزها العلاقة بين الرئيس والمرءوس. ومع محاولة ربط أهداف الأفراد الرئيسيين في المنظمة بأهداف المنظمة ككل. وتشترك المداخل الثلاثة في تأكيدها على ضرورة وأهمية المشاركة الكاملة والفعالة من أفراد المنظمة في جهود التغيير.
ويقوم مدخل برامج تحسين الأداء على أساس تحقيق مزج وتكامل المفاهيم الحديثة الخاصة بفاعلية المنظمة، فهو يضم بدرجات متفاوتة أساليب تنمية المنظمة والاستشارة المخططة، والإدارة بالأهداف أي بعبارة أخرى فإنه يعتبر مدخلا انتقاليا يشجع عملية المراجعة وإعادة النظر باستمرار، وإجراء تغيير وتعديل كلما حتم ذلك التطبيق في مواقف جديدة، وتساهم الطبيعة التجريبية لبرامج تحسين الأداء في خلق إحساس وشعور داخل أي منظمة بالمشاركة، هذا الإحساس هو الذي يغلف ويحيط بكل عملية تنفيذ برامج تحشين الأداء، فهناك تحديد مشترك للمشكلات يشترك فيه كل الأفراد المعنيين. كذلك أيضا تنبع الحلول التي يتم التوصل إليها من خلال الاتفاق المشترك بين هؤلاء الأفراد. وهذه المشاركة تتم على أساس مرتب ومنظم بحيث يصبح من الممكن تجنب القفز مباشرة إلى مقترحات العلاج، والتأمل مع أعراض المشكلة، بدلا من التعامل مع أسبابها الرئيسية. وفي ظل هذا المدخل فإن الجهود الرامية إلى إحداث التغيير لا يتم إملاؤها أو فرضها بإجراءات تعسفية جبرية، في نفس الوقت فإن هذه الجهود لا تنطلق من فراغ أو يحكمها نظام. فهناك إطار عمل مشترك، شامل وكلي، يتم تحديده ويجمع كل هذه الجهود، ويتحقق من خلاله عنصر الالتزام، ومن المتوقع أن يظهر من خلال تطبيق هذا الأسلوب مواطن القوة الكامنة، والمواهب المطمورة، والإمكانيات غير المستغلة بصورة طبيعية، وأن تسخر على الفور وآليا لخدمة العمل بالإضافة إلى ذلك فإن مدخل برامج تحسين الأداء تيسر عملية إدخال أسلوب الإدارة الموجهة نحو تحقيق الأهداف، كما أنه يقضي على إجراء الرقابة اللصيقة علي القرارات المتعلقة بتسيير العمل اليومي , و التي تمارسها عادة الاجهزة الإشرافية في المنظمات التي تعمل في ظل نظام سلطة هرمي صارم.