فيما يلي بعض القيود التي يجب أن تأخذها المنظمة بنظر الاعتبار عند تطبيقها المفاهيم الاقتصادية للاستثمار في رأس المال البشري(1)
1- اختلاف خصائص رأس المال البشري عن خصائص رأس المال المادي ومن أمثلتها:
أ- عدم ارتباط مالك رأس المال البشري بالاستثمار البشري بصفة شخصية؛ فبالرغم أن الفرد يمكنه تأجير استثماره لصاحب العمل فهو لا يستطيع بيعه كما تبيع المنظمة آلة لا تحتاجها؛
ب- عدم استهلاك رأس المال البشري بالطريقة التقليدية للاستهلاك؛ حيث يمكن فقده كلية بموت صاحبه، وهذا يؤدي إلى زيادة معدل الخطر في الاستثمار البشري؛
ج- يتطلب الاستثمار في تكوين رأس المال البشري وقتا أطول نسبيا عن وقت الاستثمار المادي؛
د- اختلاف منحنى إنتاجية الأصل البشري خلال عمره الإنتاجي عن منحنى إنتاجية الأصل المادي.
والاستثمار في الموارد البشرية وتوطينها، مطلب مهم و ملح و لكنه صعب التحقيق. و الإشكالية هي خاصة في إيجاد و تقييم متطلبات ذلك.(2)
2- النقص في البيانات و الأساليب المنهجية اللازمة لتطبيق نظرية رأس المال البشري في مجال الموارد البشرية مثل:
أ- صعوبة الحصول على بيانات التكلفة أو الحصول على حجم عينة كافية للأفراد الملتحقين بالبرامج التدريبية للوصول إلى حسابات محددة ونهائية للتكلفة؛
ب- اعتماد القيمة الحالية للاستثمار في رأس المال البشري على معرفة دخل الأفراد الخاضعين للدراسة، ودخل المجموعة المستخدمة في المقارنة؛
ج- صعوبة تحديد أثر التدريب على أجور و إيرادات الأفراد في ظل غياب معايير البحث التجريبي المحكم و الذي يمكن من خلاله عزل تأثير العوامل و المتغيرات الأخرى المؤثرة؛
د- صعوبة تحديد أو اختيار معدل الخصم المناسب و اللازم لحساب القيمة الحالية لرأس المال الذي يعد الفيصل في نجاح أو فشل أي برنامج. فعند حساب معدل العائد على التدريب، لابد من تضمين المنفعة غير المادية مثل جاذبية الوظائف بعد الحصول على التدريب. لكن يصعب قياس مثل هذا النوع من المنفعة قياسا ماديا؛ مما يؤدي في النهاية إلى إظهار العائد الحقيقي على التدريب بصورة أقل مما هي عليه في الواقع.
3- صعوبة تحديد نسبة التكلفة المخصصة لكل من الاستهلاك و الاستثمار: فالفرد ينفق على المأكل و الملبس و المسكن و الرعاية الصحية وهي تكلفة لازمة لاستمرار الاستثمار البشري. لكن النفقات في هذه الجوانب لازمة أيضا للفرد لكي يعيش و تستمر حياته. وهنا يصعب تحديد ذلك المقدار من هذه التكلفة المخصصة للاستهلاك وذلك المخصص للاستثمار.
4- صعوبة تقييم وقياس المنفعة المتحققة من الاستثمار البشري: ويرجع هذا إلى احتواء هذه المنفعة على عوامل غير مادية وغير خاضعة لظروف السوق مثل المركز الأدبي وتحقيق الذات، وإذا فرض أن المستثمر استطاع تعظيم مثل هذه العوامل غير المادية فقط، لا يمكن اعتبار اختياره اختيار غير رشيد.
و بالرغم من وجود بعض الصعوبات المتعلقة بتطبيق مفاهيم الاستثمار البشري، إلا أنها تمد الباحثين بوسائل لتقييم برامج الموارد البشرية المختلفة، و الوصول إلى قرارات وسياسات وإستراتيجيات أكثر فعالية لإدارة و تنمية الموارد البشرية. ومن ثم لا يجب أن تمنع صعوبة تطبيق هذه المفاهيم من استخدامها، بل فقط يجب أن تستخدم بحذر مع أخذ القيود السابق ذكرها في الاعتبار، ومحاولة إيجاد حلول لها تزيد من فعالية تطبيقها. وكمحاولة للتغلب على بعض قيود تطبيق المفاهيم الاقتصادية على الموارد البشرية، يقترح مستويان للحلول. يتعلق أولهما بالجانب الإتجاهي و المفاهيمي للمنظمات ناحية مواردها البشرية. أما ثانيهما فيتعلق بالجوانب المنهجية و التطبيقية؛ بالنسبة للجانب الإتجاهي و المفاهيمي فهو يتضمن: ضرورة تغيير نظرة المنظمات و اتجاهاتها ناحية مواردها البشرية. ويتم هذا من خلال إدراك المنظمات للموارد البشرية كأصول يمكن تقييمها و الاستثمار فيها لزيادة تنافسيتها واكتسابها ميزة تنافسية من خلال هذه الموارد البشرية. وأيضا يجب أن تدرك المنظمات الاختلافات الفردية لمواردها البشرية، ومن ثم تسعى إلى تنمية أساليب وسياسات إستراتيجية مختلفة تتناسب مع هذه الاختلافات. أما المستوى الثاني للحلول المقترحة فتتعلق بالنواحي التطبيقية و المنهجية. فإدراك المنظمة لأهمية الموارد البشرية كأصول مثلها مثل الأصول الأخرى في المنظمة، و للاختلافات الفردية لهذه الموارد سيؤدي بها إلى السعي للتكيف مع هذه المفاهيم و الاتجاهات الحديثة. ومن أولى الإجراءات التطبيقية التي يمكن للمنظمة أن تتخذها لإحداث هذا التكيف هو محاولة تعديل النظم المحاسبية التقليدية لتعكس هذه المفاهيم. وإقناع المحاسبين على مستوى المنظمة بقبول فكرة أن الموارد البشرية أصول وليس نفقات يجب الحد منها. أيضا لابد من إيجاد طرق محاسبية جديدة للاستهلاك غير الطرق التقليدية تعكس الطبيعة و الخصائص المميزة للموارد البشرية، وتعكس معدل الخطر العالي للاستثمارات البشرية. وفي هذا المجال أيضا فإنه يمكن للمنظمة تقليل درجة الخطر في الاستثمارات البشرية و الناتجة من ترك الأفراد للعمل بعد تحمل تكلفة الاستثمار فيهم، من خلال عقود عمل طويلة الأجل نسبيا.
أما بالنسبة للقصور في النواحي المنهجية للبحوث فيمكن أن يتم معالجته من خلال بعض الاقتراحات مثل:
أ- الاهتمام باستخدام وتطبيق التصميمات التجريبية المحكمة مثل: التصميم العاملي و الذي يمكن من خلاله معالجة الصعوبة في تتبع الأثر الصافي للتدريب على مهارات وإيرادات الفرد. ومثل هذا التصميم يمكن من عزل أثر المتغيرات الأخرى التي قد تؤثر على إيرادات ومهارات الفرد مثل الخبرة، و العمر، و التعليم؛
ب- الاهتمام بقياس التكلفة و المنفعة غير المباشرة للتدريب. فبالرغم من صعوبة قياسها إلا أنه يجب تضمينها في حسابات التكلفة و المنفعة الكلية للتدريب حتى تعكس القيمة الحقيقية لهذه المنافع و التكاليف. و يمكن قياس تكلفة الفرصة البديلة أي دراسة الخسارة في أجور وإيرادات و إنتاج الأفراد المتدربين و الناجمة من التحاق الفرد بالتدريب. ويتم هذا القياس من خلال معرفة كل من معدل إنتاج الفرد، ومعدل أجره في الساعة، وعدد الساعات التي قضاها الفرد في التدريب في أوقات العمل الرسمية. أما بالنسبة لقياس المنفعة فيجب بنفس المنطق الاهتمام بقياس المنافع غير المادية المتحققة من التدريب و التي قد يكون تأثيرها أقوى من المنفعة المادية أحيانا. ومن أمثلة هذه المنافع المركز الأدبي، وتحقيق الذات، ويمكن قياس مثل هذه المنافع من خلال استطلاع لاتجاهات المتدربين للتعرف على أنواعها وعلى آثارها؛
ج- الاهتمام بإدخال بعض المعايير الاجتماعية وغير المادية عند حساب معدل العائد على الاستثمار البشري. فمن الأهمية بمكان إدخال العوامل الاجتماعية في قياس معدل العائد على الاستثمار البشري لأن الطبقة الاجتماعية للفرد تؤثر في نوعية الاستثمار الذي يمكن للفرد أن يستثمره في نفسه لتنمية وتحسين مهاراته، و بالتالي في مقدار العائد الذي يمكن أن يحققه من خلال هذا الاستثمار؛
د- الاتجاه بالدراسات و الأبحاث في مجال الاستثمار البشري إلى الأبحاث التي تغطي سلسلة زمنية أطول نسبيا، نظرا لطول الوقت الذي يتطلبه تتبع الآثار المترتبة على الاستثمار البشري.
ويمكن اقتراح بعض الضوابط المنهجية لاستخدامها في دراسات تحليل التكلفة و العائد المتعلقة بمجال تأثير الاستثمار في التدريب، ومن هذه الضوابط:
أ- ضرورة تنوع عينة البحث لزيادة القدرة على القياس و التعميم؛ حيث تختلف العلاقة بين تكلفة ومنفعة التدريب باختلاف المجموعات الضابطة، وباختلاف المتدربين، و المهن، و سوق العمل؛
ب- الاعتماد على الاختيار العشوائي للعينات؛
ج- كفاية الفترة الزمنية اللازمة لدراسة الآثار المترتبة على التدريب بحيث تعكس المنافع المتحققة، مع مراعاة أن هذه المنافع تتميز بطبيعتها بأنها طويلة الأجل نسبيا. وقد حددت هذه الفترة من سنة إلى خمس سنوات؛
د- تعدد مصادر الحصول على البيانات، حيث يمكن جمعها من خلال استقصاء المتدربين، و المقابلات الشخصية، و بيانات بعض أجهزة التدريب الحكومية، وغيرها؛
ه- استخدام الطرق الإحصائية غير الخطية مثل الانحدار المتعدد باعتباره من أفضل الوسائل لتقدير آثار التدريب.
...............................
(1) راوية حسن، مدخل استراتيجي لتخطيط و تنمية الموارد البشرية، الإسكندرية، الدار الجامعية، 2002، ص ص82-87.
(2) Bernard, GAZIER, Les Stratégies des Ressources Humaines, Paris, Editions la Découverte, 1993, p 58.