تعتبر البطالة مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية تعاني منها معظم الدول النامية والمتقدمة على حد السواء ، ولقد برزت مشكلة البطالة ضمن المشكلات التي تحاول السياسات والخطط الاقتصادية والاجتماعية مواجهتها ووضع الحلول المناسبة لها ، كما أضحت مشكلة البطالة عائقا تنمويا كبيرا في الكثير من دول العالم الثالث وأصبحت سببا في تهديد استقرار العديد من الأنظمة والحكومات في ظل المعدلات المتزايدة للنمو السكاني في هذه البلدان وزيادة الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك، ومن هنا فأن مشكلة البطالة أصبحت من القضايا الملحة والحاسمة التي لا تقبل بأي حال التأخير والتأجيل حيث أصبحت بالفعل خطرا مباشرا يهدد الاستقرار والسلام الاجتماعي ، ومهما تضاربت الأرقام والبيانات فإنها تنذر بأزمة إن لم تتخذ الحكومة وبالتعاون مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية والأهلية حلولا عملية لمواجهتها .
ويحتل مفهوم البطالة حيزا في عدد من الفروع المعرفية منها علوم الاقتصاد والإحصاء والاجتماع. إن المنظور الاقتصادي لتحديد البطالة يهتم بإلقاء الضوء على أشكالها وأنواعها وأسبابها والمفاهيم المتعلقة بهذه القضية،كما يمتد التحليل الاقتصادي ليسجل الإختلالات الهيكلية للنظم الاقتصادية والتي تعوق التشغيل الكامل وتعثر النظام الاقتصادي نحو توفير فرص جديدة للعمل لكل قادر عليه، أما المنظور السوسيولوجي للبطالة فانه يتناولها باعتبارها ظاهرة من الظواهر السلبية التي يترتب عليها الكثير من المشكلات الاجتماعية التي تحدث بالمجتمع كمحصلة لوجودها ومن هذه الآثار الجرائم وغيرها من آثار الانحراف التي يقترن ظهورها وانتشارها بالبطالة.
البطالة، مفهومها، إبعادها ،أسبابها :
ويقصد بالبطالة حالة عدم توافر عمل لشخص راغب فيه مع قدرته عليه في مهنة تتفق مع استعداداته وقدراته وذلك نظرا لحالة سوق العمل ويستبعد من هذا حالة الإضراب أو حالات المرض أو الإصابة، و تعتبر البطالة زيادة في القوى البشرية التي تبحث عن عمل اكبر من فرص العمل التي يتيحها المجتمع بمؤسساته المختلفة، والعاطل لا يعمل وهو قادر عليه يبحث عنه ولا يجده، ويقصد بالبطالة الأفراد الذين لا يعملون ولكنهم متاحين للعمل ويبحثون عنه.
والبطالة تضم من سبق لهم العمل وتركوه لسبب أو لآخر، ومن لم يسبق لهم العمل، وهؤلاء يمثلون بطالة صريحة وهم يطلبون العمل ويبحثون عنه، أما تلك الفئة التي تعمل فعلا، ولكن العمل ليس في حاجة إليهم ولكنهم محملون على واقعه فإنهم يمثلون ما يسمى بالبطالة المقنعة، وإذا كان وجود عجز في القوى العاملة المطلوبة يمثل مشكلة فان وجود فائض يمثل مشكلة اشد ويعتبر من المشكلات الخطيرة، وذلك لأنه لا يتيح الاستفادة المثلى من القوى العاملة، فوجود عجز يؤدي إلى ضغط عبئ العمل وعدم إمكانية تحقيق الأهداف المطلوبة بالإضافة إلى العديد من الأزمات، ووجود فائض يؤدي إلى ارتفاع تكلفة العمل نتيجة لزيادة عدد العاملين عن الحاجة الفعلية.
و تعرف منظمة العمل الدولية العاطل بأنه : " كل من هو قادر على العمل و راغب فيه، و يبحث عنه، و يقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى " . من خلال هذا التعريف يتضح أن ليس كل من لا يعمل عاطل، فالتلاميذ، الطلبة، المعاقين، المسنين، المتقاعدين، من فقد الأمل في العثور على عملن، أصحاب العمل المؤقت، من يعاني من نقص الاستخدام، من هم في غنى عن العمل لا يتم اعتبارهم عاطلين عن العمل. هذا التعريف يروم تقليص الرقم الحقيقي للعاطلين.
و هناك حدا تصبح فيه البطالة مشكلة، ففي كل دول العالم توجد فئة من الأفراد الذين لا يعملون وهم متاحين للعمل ويبحثون عنه وهم بالضرورة طبقا للتعريف عاطلون، ولكنهم قد لا يمثلون مشكلة لوجود نسبتهم في الحد الأمثل للتوظيف وهو مستوى التوظيف الكامل والأمثل لهيكل سوق العمل والذي يتزن فيه حجم الطلب الاقتصادي من قوة العمل مع حجم المعروض منها في سوق العمل ولا يتجاوز هذا المستوى(+5%،-5%) فائض أو عجز.
و يحتسب معدل البطالة كما يلي: معدل البطالة = عدد الأفراد العاطلين / عدد الأفراد القادرين على العمل و هو معدل لا يمكن تحديده بدقة (حساب معدل البطالة على أساس الساعات التي تم اشتغالها، فترة الركود يتخلى العديد من العمال عن البحث عن العمل). تختلف نسبة العاطلين حسب الوسط، حضري أو قروي، حسب الجنس، السن، نوع التعليم و المستوى الدراسي.
أبعاد مشكلة البطالة عربيًا:
أشار التقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2002 إلى أن البطالة تعتبر أحد أهم التحديات التي تواجه الاقتصاديات العربية في هذه المرحلة وخلال السنوات المقبلة نظرا لانعكاساتها العميقة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، وأوضح أن عدد سكان الوطن العربي بلغ نحو 284 مليون نسمة عام 2001 وارتفع إلى نحو 300 مليونا بنهاية العام 2002 وذلك بمعدل زيادة سنوية 25 % وهو من بين أعلى المعدلات مقارنة بمعدل النمو السكاني في العالم ، وأن عدد سكان الوطن العربي يتجاوز حاليا 340 مليون نسمة وسيرتفع إلى 482,8 مليون نسمة عام 2025 وهذا يتطلب توفير فرص عمل تواكب هذه الزيادة، وأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحاجة إلى 100 مليون فرصة عمل جديدة بحلول عام 2020 لمواجهة مشكلة البطالة التي تسجل معدلات مرتفعة جدا في دول هذه المنطقة .
أسباب تفشي البطالة:
هناك قواسم مشتركة أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة في الدول العربية أهمها: الأمية، وتدني المستوى التعليمي، وتخلف برامج التدريب، وعدم مواكبة السياسة التعليمية والتدريبية لمتطلبات سوق العمل المتجددة والمتغيرة.. وإلى جانب هذه القواسم المشتركة يرجع الخبراء تفشي ظاهرة البطالة في العالم العربي إلى الأسباب التالية:
أولاً: فشل برامج التنمية في العناية بالجانب الاجتماعي بالقدر المناسب، وتراجع الأداء الاقتصادي، وتراجع قدرة القوانين المحفزة على الاستثمار في توليد فرص عمل بالقدر الكافي، إضافة إلى تراجع دور الدولة في إيجاد فرص عمل بالحكومة، والمرافق العامة وانسحابها تدريجيًا من ميدان الإنتاج، والاستغناء عن خدمات بعض العاملين في ظل برامج الخصخصة والإصلاح الاقتصادي التي تستجيب لمتطلبات صندوق النقد الدولي في هذا الخصوص.
ثانيًا: ارتفاع معدل نمو العمالة العربية، مقابل انخفاض نمو الناتج القومي؛ ففي الوقت الذي يبلغ فيه نمو العمالة 2.5 في المائة سنويًا، فإن نمو الناتج القومي الإجمالي لا يسير بالوتيرة نفسها، بل يصل في بعض الدول العربية إلى الركود، وأحيانًا يكون سالبًا؛ فالدول العربية التي يتوافر فيها فائض العمالة تعاني من الركود الاقتصادي وعدم توافر أموال الاستثمار، وازدياد البطالة والديون؛ حيث يصل معدل النمو السنوي لدخل الفرد العامل في مصر إلى 2.1 %، وفي المغرب 3.5 %، وفي الأردن 3.6 %، وفي سورية 5%.. وهذا التراجع في مستوى معيشة العامل العربي له آثاره السلبية على إنتاجيته ودوره في الاقتصاد الوطني.
وتختلف أسباب البطالة وطريقة علاجها من مجتمع لآخر لأسباب تتعلق بطاقة الإنتاج الصناعي والزراعي من ناحية وبالتنظيم السياسي والاجتماعي من ناحية أخرى. كما وتختلف مشاكل المجتمع نتيجة لعدة ظروف منها درجة التغير الاجتماعي التي يتعرض لها المجتمع وحجم التقدم التكنولوجي والعلمي هذا إلى جانب نوع التنظيم الاجتماعي، كذلك وقد ترتب على زيادة السكان وتقسيم العمل والتغيير المستمر في طبيعة الإنتاج إلى وجود خلافات كثيرة بين القوى المكونة لكل مجتمع، وفي كل الأحوال نجد أن كل عامل من هذه العوامل قد ساهم بدوره في خلق هذه المشكلة وإيجادها، ومن هذا يمكن القول أن لمشكلة البطالة أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية.
أنواع البطالة :
قسم العلماء البطالة إلى نوعين :-
الأول : البطالة الظاهرة: وتعنى أن الأفراد لا يجدون فرص العمل التي تتناسب مع قدراتهم وتخصصاتهم ومؤهلاتهم التي حصلوا عليها .
الثاني : البطالة المقنعة: وتظهر من خلال تعيين بعض الأشخاص في وظائف لا تعود بفائدة إنتاجية من ورائها ، فالعمل الذي يمكن أن ينجزه خمسة يوكل إلى عشرة ، أو خلق فرص عمل روتينية هامشية لا يجد فيها الإنسان قدراته وخبراته .
يمكن تقسيم البطالة من وجهتي النظر الاجتماعية والاقتصادية إلى:
أولاً: البطالة الجماعية:
والتي كانت تظهر من حين لآخر في الدول الصناعية خلال القرن الأخير وكان أحدث بطالة جماعية تلك التي وقعت في ثلاثينات هذا القرن وشملت العالم كله. وفي الواقع أن الانخفاض في الطلب الإجمالي على الإنتاج هو السبب المباشر للبطالة الجماعية وثمة حالة خاصة للبطالة الجماعية يمكن حدوثها في الدول التي تتوقف رفاهيتها إلى حد كبير على التجارة الأجنبية وفقدان أسواق التصدير قد يكون من الشدة بحيث يتأثر الاقتصاد كله.
ثانياً: البطالة الاحتكاكية أو الانتقالية: وهذا النوع من البطالة يحدث عادة نتيجة للتحسينات التكنولوجية في وسائل الإنتاج أو التغيرات في الطلب على الطراز الحديث وهذا يدعو أحياناً إلى تغيير وظيفة العامل أو إعادة تدريبه. ولكن طالما كان الطلب الإجمالي لم يتأثر فإنه من المحتمل ظهور فرص عمل جديدة في الزمن القصير.
ثالثاً :البطالة الموسمية: وهي التي تلازم بعض فروع النشاط الاقتصادي لا في الزراعة وحدها بل في بعض الصناعات الموسمية. ونجد أن الأشخاص الذين يشتغلون في هذه الأعمال يدركون مسبقاً أن عملهم لن يجاوز الموسم
أهمية التعرف على مشكلة البطالة :
تعتبر البطالة من أهم المشكلات التي يعاني منها العلم أجمع، وتتفاوت حدة هذه المشكلة الأمر الذي دفع كافة المهتمين في الحقل الاجتماعي والاقتصادي للبحث عن أسبابها ونتائجها وكيفية التعامل معها، و تحتل قضية البطالة أهمية خاصة نظرا لأمرين هما:
الأمر الأول : إعادة هيكلة الاقتصاد ونمو متسارع في معدلات البطالة .
الأمر الثاني :كثرة المشاكل الناجمة عن البطالة إذ لا تقتصر أثارها على النواحي الاقتصادية فقط بل تتعداها إلى النواحي الاجتماعية والسياسية والنفسية .
وتكتسب مشكلة البطالة خطورتها من الاعتبارات التالية :-
1 . إن عنصر العمل يتميز عن بقية عناصر الإنتاج بأنه يمثل وسيلة الإنتاج والغالبة منه في آن واحد. وعليه فالبطالة تمثل من ناحية هدر لموارد المجتمع، كما أنها تعد من ناحية أخرى مؤشر لفشل النظام الاقتصادي في إشباع احتياجات سكانه، ومن ثمة قي تحقيق رفاهية الفرد.
2 . إن الإنتاجية المادية للآلات وعمرها الإنتاجي لا يتناقصان إذا تركت عاطلة على عكس رأس المال البشري الذي تتدهور إنتاجيته ويقل عمره الإنتاجي مع تركه عاطلا.
3 . إن القضاء على البطالة من خلال خلق فرص العمل وزيادة مدفوعات الأجور يعد من أكثر الآليات والوسائل فاعلية لإعادة توزيع الدخول.
4 . كذلك تؤدي البطالة إلى كثير من المخاطر السياسية والاجتماعية،فالاستقرار السياسي للدولة مرهون بمقدرة الدولة على خلق فرص العمل .
أثار البطالة على الفرد والمجتمع :
إن البطالة لها آثارها على المستوى الاجتماعي والسياسي والأمني أيضا باعتبار أن البطالة ترتبط البطالة بانقطاع الدخل ومن ثم صعوبة الحياة نتيجة العجز في تلبية الحاجات الإنسانية الضرورية مما يترتب عليه الجنوح إلى الجرائم الاجتماعية والإرهاب والعنف وجرائم الآداب وانتشار مصادر الدخل غير المشروعة التي تعتبر ذات إغراء مرتفع للضائعين من الشباب المتعطلين عن العمل على جميع المستويات فضلا عن الإحسان بالفقر بالإضافة إلى النقمة على المجتمع بصفة عامة الولاء والانتماء للبلاد، كما يتضح في الجوانب التالية:
الجانب الأمني:
إن صلة البطالة بالإجرام صلة مباشرة وغير مباشرة في الوقت نفسه فللبطالة تعني حرمان العامل الذي توقف عن العمل من مورد رزقه، وهو ما يؤدي إلى عجزه عن إشباع حاجته الضرورية بالطرق المشروعة، مما قد يضطره إلى سلك سبيل الجريمة لتحقيق هذا الإشباع إ ويلاحظ مع ذلك أن هذه الآثار للبطالة ليست حتمية،بمعنى أنه ليس كل المتعطلين يسلكون سبيل الجريمة لإشباع حاجاتهم الضرورية ،بل أن منهم من يقوى على الصمود في مواجهة هذه الأزمة الطارئة، كما أن للبطالة آثار غير مباشرة على ظاهرة الإجرام،لأن الفرد حين يعجز عن الإنفاق على نفسه أو على من تلزمهم نفقته تسوء حالته النفسية،و قد يقدم تحت تأثير تلك الحالة على بعض أفعال الاعتداء على نفسه أو على الغير من الأفراد .
وتشير بعض الدراسات التطبيقية في هذا الصدد أن البطالة تحتوي على جذور الجريمة لأنها تتضمن العناصر الانحرافية التالية في طبيعتها وفي مضمونها وهي : -
1 . عدم استقرار العلاقات الاجتماعية للعاطل وتقلبها زمنيا ومكانيا .
2 . تركز عامل الضياع وعدم التأكد والاستقرار،و من ثم طغيان شعور خيبة الأمل والإحباط بالنسبة للعامل .
3 . ابتعاد العاطل عن المجتمع وقيمه السائدة نتيجة شعوره بالوحدة والعزلة .
و بوجه عام فيما يتعلق بالبطالة والجريمة تبين ما يلي : -
أ – أن البطالة تؤدي وتسبب السلوك الإجرامي لدى الفرد العاطل،إذا توافرت بعض أو كل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تساعد على ذلك .
ب – إن العلاقة بين البطالة والجريمة علاقة ديناميكية يصبح السبب نتيجة والنتيجة سببا مع استمرارية العلاقة وتعقدها وتشابكها بمرور الزمن .
ج – إن ثمة عوامل اجتماعية أخرى مثل انتشار الأمية، التفكك الأسري ذات علاقة بالجريمة .
ومن هذا يتضح أن هناك علاقة طردية بين معدلات البطالة والجريمة وأن البطالة ظاهرة مركبة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية .
الجانب الاقتصادي
الإنسان هو المورد الاقتصادي الأول ، وبالتالي فإن أي تقدم اقتصادي يعتمد أول ما يعتمد على الإنسان بإعداده علمياً حتى يتحقق دوره في الإسهام في نهضة المجتمع . وتضعف البطالة من قيمة الفرد كمورد اقتصادي ، ويتحول كم من المتعطلين إلى طاقات مهدرة وبالتالي يخسر الاقتصاد هذه الطاقات ، كما أنهم يعدون عبئاً إضافياً على الاقتصاد القومي يسبب خسارة تتمثل في توفير الأجور لهؤلاء مع عدم وجود عمل فعلي يستحقون عليه هذا الأجر .
يجب أن يساهم كل فرد في العمل فإذا لم يجد جزءا من أفراد المجتمع فرصة للعمل فمعنى ذلك هدر وخسارة لإمكانيات وطاقات كان يمكن أن تساهم في الإنتاج ويمثل ذاك خسارة اقتصادية في القوى القادرة على الإنتاج وحرمان المجتمع من الإشباع الذي ينتج عن استهلاك السلع التي كان ينتجها المتعطلون ،و مع تدهور الأحوال الاقتصادية في أي بلد،فإنه يتوقع أن يزيد عدد الجرائم الاقتصادية خلال فترة قصيرة، و أظهرت عدد من الدراسات أن هناك علاقة بين التغيرات الاقتصادية سواء في حالة الانكماش أو حالة الرواج الاقتصادي وبين بعض الجرائم، وإن معظم مرتكبي جريمة السرقة كانوا من العاطلين عن العمل.
الجانب السياسي:
نستطيع القول أنه في عالم اليوم لم تعد الحقوق والحريات العامة التقليدية كافية للحكم على ديمقراطية النظام السياسي بل ينضم إلى ذلك معايير اقتصادية واجتماعية كثيرة في هذا المجال ، ووجود البطالة وآثارها من شأنه أن يخل بهذه المعايير .
الجانب النفسي والاجتماعي والصحي:
o تؤدي حالة البطالة عند الفرد إلى التعرض لكثير من مظاهر عدم التوافق النفسي والاجتماعي ، إضافة إلى أن كثيراً من العاطلين عن العمل يتصفون بحالات من الاضطرابات النفسية والشخصية فمثلاً ، يتسم كثير من العاطلين بعدم السعادة وعدم الرضا والشعور بالعجز وعدم الكفاءة مما يؤدي إلى اعتلال في الصحة النفسية كما ثبت أن العاطلين عن العمل تركوا مقاعد الدراسة بهدف الحصول على عمل ثم لم يتمكنوا من ذلك يغلب عليهم الاتصاف بحالة من البؤس والعجز، والأمراض وحالة الإعياء البدني كارتفاع ضغط الدم ، وارتفاع الكولسترول والذي من الممكن يؤدي إلى أمراض القلب .
o وتنعكس البطالة التي يعاني منها الأفراد على سلوكهم وتلقي بظلالها على المجتمع الذي يعيشون فيه حيث بدأت تظهر في مجتمعنا صورة متكاملة لأوضاع شاذة في شكل تعاطي المخدرات والسرقة والاغتصاب والإحساس بالظلم الاجتماعي وما تولد عنه من قلة الانتماء والعنف وارتكاب الأعمال الإرهابية والتخريبية وهناك فئة أخرى تقوم بالكبت بداخلها مما يتحول بمرور الوقت إلى شعور بالإحباط ويخلق شبابا مدمرا نفسيا وعضويا، وأن نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ويشعرون بالفشل وأنهم أقل من غيرهم، كما وجد أن نسبة منهم يسيطر عليها الملل وأن يقظتهم العقلية والجسمية منخفضة وأن البطالة تعيق عملية النمو النفسي بالنسبة للشباب الذين ما زالوا في مرحلة النمو النفسي .
o كما أن البطالة تولد عند الفرد شعورا بالنقص بالإضافة إلى أنه يورث الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالرذيلة والسرقة والنصب والاحتيال، وتضيف أن الفرد العاطل يشعر بالفراغ وعدم تقدير المجتمع فتنشأ لديه العدوانية والإحباط ، والبطالة تحرم المجتمع من الاستفادة من طاقة أبنائه، وكذلك في الأسر التي يفقد فيها الزوج وظيفته فإن التأثير يمتد بدوره إلى الزوجات سلبا وينعكس الأمر على العلاقة الأسرية ومعاملة الأبناء .
o إضافة إلى تأخر سن الزواج حيث كشف تقرير أصدره الجهاز المركزي للتعبئة العامة وبحوث الإحصاء حول الحالة الاجتماعية في مصر عن أن عدد عقود الزواج خلال عام 2004 قد انخفض إلى 491 ألف عقد مقابل 511 ألف عام 2003 وذلك بالرغم من تزايد عدد السكان، وتشير الدراسات كذلك إلى أن متوسط عدد الفتيات والشباب في سن الزواج من 20 ـ 30 سنة في مصر لهو أكبر من حيث النسبة مقارنة بعدد الشباب في نفس السن في المجتمعات الأوروبية، والنتيجة هي ارتفاع متوسط سن الزواج وإدراك الشباب بأنه ليس لديه أمل في الزواج فنشأت مأساة أخرى وهي وجود حاجة قائمة لم يتم إشباعها فكان البحث عن وسائل أخرى للتفريغ والإشباع فكان انتشار ( الزواج العرفي ) كمخدر وكمخرج لعدم القدرة على الزواج الشرعي وكغطاء للعلاقات المحرمة البعيدة عن القيم والأخلاق.
o كما أن البطالة قد تسبب تفاقم مشكلة الهجرة، ونحن في أوائل القرن الحادي والعشرين هناك فرد واحد من كل خمسة وثلاثين شخصا حول العالم يعيش كمهاجر، وإننا إذا جمعنا كل المهاجرين في مكان واحد فإنهم سيكونون دولة هي الخامسة على مستوى العالم من حيث تعداد السكان.
و تشكل هجرة الكفاءات العربية خسارة فادحة للوطن العربي على المدى القريب والبعيد ، ويكرس مزيداً من التبعية للغرب ، مما يتطلب وضع استراتيجية عربية عاجلة يتضافر فيها الجميع وترتكز على تشجيع الإبداع والمبدعين ، وتطوير نظم التعليم ، ووضع الفرد المناسب فى المكان المناسب ، والعمل على استعادة العلماء ، وتسهيل تبادل الكفاءات بين الأقطار العربية المختلفة .
وماذا بعد ؟؟
إن مشكلة البطالة من اخطر المشكلات التي تواجه وطننا العربي نظرا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، فعلى المستوى الاقتصادي تفقد الأمة عنصرا هاما من عناصر التنمية ألا وهو عنصر الموارد البشرية وذلك سواء من خلال عدم الاستفادة بهم وتهميشهم أو من خلال هجرتهم إلى الخارج أما اجتماعيا فان البطالة توفر الأرض الخصبة لنمو المشكلات الاجتماعية وجرائم العنف والسرقة والقتل والاغتصاب والانتحار
الخ ، وأمنيا تؤدى إلى انتشار ظاهرة الإرهاب الذي يجد في أبنائنا العاطلين عن العمل ملاذا له ،
مما سبق نجد أن مشكلة البطالة تحتاج منا إلى الوعي جيدا بخطورتها والعمل على إيجاد الحلول الكفيلة بالقضاء عليها، كما إن البطالة تؤدي إلى السخط الشعبي، علاوة على التوترات والمخاطر السياسية والاجتماعية التي تنجم عن حالة اليأس والضياع التي يعيشها العاطلون.
من هذا المنطلق نطرح بعض التوصيات والمقترحات في سبيل التخفيف من ظاهرة البطالة :
1. ينبغي لسياسة الدولة ضمان المساواة في الفرص والمعاملة لجميع العاملين من حيث الوصول إلى العمل وظروف العمل والدخل وفي التوجيه والتدريب والترقي في المجال المهني.
2. إجراء دراسة مسحية شاملة للسكان، وذلك لما تقتضيه الظروف والدوافع الراهنة سواء ما يتعلق منها بالجانب الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي والعلمي.
3. حصر وتهيئة بيانات عن إعداد البطالة في مصر بهدف التعرف على حجمها ونوعها بما يمكن من وضع السياسات الملائمة لها وقياس مدى فعالية السياسات الاقتصادية للحد منها.
4. تنظيم عملية استقدام العمالة الأجنبية وتقنينها، بحيث تقتصر صلاحيتها حصراً على الأجهزة المختصة فقط، وعدم تعدد الجهات والمصادر التي تقوم بذلك.
5. دعم عملية التدريب المستمر، وبخاصة التدريب التأهيلي والاستثمار فيه.
6. دعم عملية التعليم المستمر للقوى العاملة، وبخاصة لمن هم دون الشهادة الثانوية.
7. نظراً لارتفاع نسبة تمثيل المرأة في التركيبة السكانية، ومحدودية خيارات العمل المتاحة لها في الوقت الراهن، يتعين إتاحة الفرصة أمامها بشكل أكبر للإسهام في قوة العمل، وذلك من خلال توسيع مجالات نطاق عمل المرأة وتنويعها وعدم حصرها في مهن محددة.
8. مجمعات سكانية يكون الغرض الأساسي في إنشائها امتصاص جزء من الطاقات البشرية المعطلة وتحويلها إلى قوى عاملة مستخدمة مما يساهم في إيجاد حل لمشكلة البطالة من جهة ويحقق زيادة في القيم المضافة الإجمالية للاقتصاد من جهة أخرى.
9. قيام دوائر الدولة بالعمل على تقوية الترابط بين هيكل التعليم وهيكل المهن والمهارات، والحل يكمن في وضع هياكل قياسية مترابطة لهذه العناصر الأساسية.
10. دعم وتطوير القطاع الخاص بكافة أنشطته بهدف استيعاب أعداد إضافية من القوى العاملة.
11. المراجعة الشاملة لسياسات الرواتب والأجور في القطاع العام لما لها من تأثير كبير في سوق العمالة وفي مستويات التشغيل في القطاع الخاص أيضا بسبب تبعية الأجور في القطاع الخاص لمستوى الأجور في القطاع العام.
12. لابد من إيجاد نظام رواتب متوازن مع الوضع الاقتصادي ويأخذ بنظر الاعتبار معدلات التضخم السائدة في الاقتصاد.
13. التوسع في تدريب المستحقين القادرين على العمل ومساعدتهم في عمل مشروعات إنتاجية.
14. تشجيع رجال الأعمال القادرين على القيام بالمشروعات الخيرية والاجتماعية.
15. تشجيع إنشاء صناديق التكافل الاجتماعي للفئات محددة الدخل.