أقدم لكم مقالاً عن الدافعية من إعداد :
ذهب شاب إلى أحد حكماء الصين؛ ليتعلم منه سر النجاح، وسأله: (هل تستطيع أن تذكر لي ما هو سر النجاح؟)، فرد عليه الحكيم الصيني بهدوء قائلًا: (سر النجاح هو الدوافع)، فسأله الشاب: (ومن أين تأتي هذه الدوافع؟)، فرد عليه الحكيم الصيني: (من رغباتك المشتعلة) وباستغراب سأله الشاب: (وكيف تكون عندنا رغبات مشتعلة؟)، وهنا استأذن الحكيم الصيني لعدة دقائق.
وعاد ومعه وعاء كبير مليء بالماء، وسأله الشاب: (هل أنت متأكد أنك تريد معرفة مصدر الرغبات المشتعلة؟)، فأجابه الشاب بلهفة: (طبعًا)، فطلب منه الحكيم أن يقترب من وعاء الماء وينظر فيه، ونظر الشاب إلى الماء عن قرب، وفجأة ضغط الحكيم بكلتا يديه على رأس الشاب، ووضعها داخل وعاء المياة، ومرت عدة ثوان ولم يتحرك الشاب.
ثم بدأ يخرج رأسه من الماء ببطء، ولما بدأ يشعر بالاختناق، بدأ يقاوم بشدة حتى نجح في تخليص نفسه، وأخرج رأسه من الماء، ثم نظر إلى الحكيم الصيني، وسأله بغضب: (ما هذا الذي فعلته؟)، فرد عليه وهو ما زال محتفظًا بهدوئه وابتسامته سائلًا: (ما الذي تعلمته من هذه التجربة؟)، فقال الشاب: (لم أتعلم شيئًا).
فنظر إليه الحكيم الصيني قائلًا: (لا يا بني لقد تعلمت الكثير؛ ففي خلال الثواني الأولى أردت أن تخلص نفسك من الماء، ولكن دوافعك لم تكن كافية لعمل ذلك، وبعد ذلك كنت دائمًا راغبًا في تخليص نفسك، فبدأت في التحرك والمقاومة، ولكن ببطء حيث أن دوافعك لم تكن قد وصلت بعد لأعلى درجاتها، وأخيرًا أصبحت عندك الرغبة المشتعلة لتخليص نفسك، وعندئذ فقط نجحت؛ لأنه لم تكن هناك أي قوة باستطاعتها أن توقفك).
من خلال هذه القصة، نستنتج أن الدافعية من الأمور الهامة بالنسبة لكل من المديرين والمنظمات؛ حيث يتوقف مدى نجاح المنظمة وفعاليتها على مدى دافعية وحماس أفرادها للعمل؛ لذلك فإنه لابد للمديرين أن يتفهموا معنى، وطبيعة دافعية الفرد خاصة في مواقف العمل.
ما هي الدافعية؟
يعرفها د. محمد سعيد سلطان بأنها: هي القوة التي تحرك وتثير الفرد؛ لكي يؤدي العمل، أي قوة الحماس أو الرغبة للقيام بمهمة العمل، وهذه القوة تنعكس في كثافة الجهد الذي يبذله الفرد، وفي درجة مثابرته واستمراره في الأداء، وفي مدى تقديمه لأفضل ما عنده من قدرات، ومهارات في العمل.
ويعرفها ميلفين بأنها: مجموعة من العوامل الداخلية النشطة، والقوة الموجهة لتصرفات الإنسان.
الدافعية، لماذا؟
إن الأداء الإنساني يمكن تعريفه أساسًا على أنه يتحدد بمستوى الدافعية والقدرة وتفاعلهما معًا، بمعنى:
الأداء = الدافعية × القدرة.
ويتضح من هذا التعريف، أنه حتى لو استطاعت المنظمة الحصول على أفراد ممتازين يتمتعون بقدرات ومهارات عالية، وحتى لو عملت على تنمية هذه القدرات، فإنها لا تستطيع أن تتأكد من أن أدائهم سيكون ملائمًا أو مناسبًا، ولهذا فإن وظيفة أخرى من وظائف إدارة الموارد البشرية يجب أن تعمل على تنشيط وتحفيز قوة العمل، والتي يشار إليها عادة بالدافعية.
والقول بأن الدافعية أو الرغبة في الأداء تتفاعل مع القدرات، معناه ببساطة أن قوة الدافعية تحدد مدى استخدام الفرد لقدرته في أداء العمل، مع افتراض أن هذا العمل يتطلب القدرات التي يتمتع بها الفرد، فبقدر ما تزيد الدافعية، يزيد المستغل من تلك القدرات في الأداء، وبقدر ما تقل الدافعية، يقل المستغل من تلك القدرات، ويمكن القول بالتالي أن الدافعية، هي الرغبة في عمل شيء، وهذه الرغبة مشروطة بقدرة هذا العمل (الفعل)، في إشباع حاجة ما لدى الفرد.
كما إن الحاجة الغير مشبعة، تخلق حالة من التوتر أو عدم التوازن لدى الفرد، وهذه الحالة تثير دوافع أو بواعث داخل الفرد، وهذه البواعث ينتج عنها بحث الفرد عن سلوك لإيجاد أهداف معينة إذا حققها أو أنجزها، فهي تشبع حاجته، وتؤدي إلى تقليل أو تخفيف التوتر لديه.
فمثلًا شعور شخص بالجوع، الجوع يمثل هنا حاجة غير مشبعة، يخلق حالة من التوتر لديه، هذه الحالة تحركه أو تدفعه (دوافع أو بواعث) للبحث عن طعام (سلوك البحث)، وإذا حصل على الطعام (إنجاز الهدف)، وتناوله فهو يشبع جوعه (إشباع الحاجة)، والذي يؤدي بدوره إلى تخفيف التوتر لديه.
كذلك قيام فرد بالعمل وردية إضافية، أو ساعات عمل إضافية بحماس، قد ينبئنا بأن هذا الشخص مدفوع إلى هدف معين، وهو الحصول على حوافز أجرية إضافية؛ ذلك لأنه يحتاج إلى مال، وقبل مناقشة الدوافع الإنسانية المختلفة، نجد أنه من الضروري أن نركز الاهتمام على نقطتين هامتين تتعلقان بعملية الدافعية، وهما:
1. لابد من تذكر أن الدافعية، مثلها مثل الإدراك والتعلم، ما هي إلا هيكل متداخل يعرف على أساس اشتراطات سابقة وسلوك لاحق، فالدافعية نفسها لا يمكن مشاهدتها أو ملاحظتها، ولكن يمكن ملاحظة السلوك الناتج عن هذه الدوافع، فالمشي والجري وتناول الطعام واكتساب أصدقاء جدد، جميعها تمثل أمثلة من السلوك التي يمكن ملاحظتها، ومن خلالها يمكن الاستدلال على مختلف الدوافع.
2. يمكن التعبير عن الدوافع بعدة أشكال من السلوك.
أشكال السلوك الدافعي:
يمكن التعبير عن الدوافع بعدة أشكال من السلوك، وقد قام كيمل وجارمزي بتقسيم السلوك الدافعي إلى ثلاثة أنواع:
1. السلوك المتمم أو الكامل: وهو أكثر أشكال السلوك الدافعي وضوحًا؛ حيث يقوم بالإشباع الكلي لحاجة معينة، ومن أمثلة هذا السلوك والحوافز المرتبطة به: تناول الطعام (الجوع)، الشرب (العطش)، الالتحاق بعضوية نادي (الانتماء)، والترشيح في انتخابات سياسية (القوة).
2. السلوك الإجرائي أو الوسيلي: وهو على النقيض من السلوك المتمم أو الكامل، ويتميز هذا السلوك بعدم إشباعه للحاجة بصورة مباشرة، فالاتجاه إلى المطعم أو الالتحاق بفريق كرة قدم بالكلية، يمثلان تعبيرات معينة عن الجوع والانتماء، فالسلوك هنا ما هو إلا إجراء أو وسيلة للحصول على الطعام أو على الأصدقاء، ولكن هذا السلوك لا يعني بالضرورة أن الحاجة قد أشبعت.
3. السلوك الإحلالي: هو إحلال طريقة للإشباع مكان طريقة أخرى (حينما يفشل شخص في إشباع حاجة معينة، فإنه يشبع حاجة أخرى بديلًا عنها)، ويمكن إدراج هذا النوع من السلوك، تحت عنوان "الصندوق الأسود" فمن المعروف أنه سلوك دافعي يصعب وصفه بدقة.
مشاكل عملية الدافعية:
لا شك أن وجود السلوك الإجرائي والاحلالي، يظهر صعوبة التنبؤ أو التحكم في السلوك الإنساني وبنفس المنطق، فكثيرًا ما يصعب الاستدلال على الدافع خلف سلوك ملاحظ معين، فسلوك الرجل الذي يجلس لتناول الطعام في أحد المطاعم، قد يكون أساسه إما دافع الجوع أو دافع آخر غير الجوع، فقد يرتبط اسم المطعم بذوي المراكز الاجتماعية الراقية، ولذا يرغب الفرد في أن يتواجد في هذا المكان؛ لكي يراه الآخرون.
ويلخص هيلجارد واتكينسون أسباب صعوبة الاستدلال على الدوافع، من خلال ملاحظة السلوك، في الخمسة أسباب الآتية:
1. يختلف التعبير عن الدوافع الإنسانية من حضارة إلى أخرى، ومن فرد لآخر في نفس الحضارة.
2. تعبر أشكال سلوك مختلفة عن دوافع متشابهة.
3. تعبر أشكال سلوك متشابهة عن دوافع مختلفة في طبيعتها.
4. قد تتخذ الدوافع أشكال مضللة.
5. قد يعبر سلوك واحد عن دوافع متعددة.
وتظهر هذه النقاط التعقيد الشديد في عملية الدافعية، سواء من ناحية طبيعتها أو معناها، فلا توجد علاقة بسيطة ومباشرة بين الدافعية والسلوك، وبالرغم من ذلك، فلا شك أنه من المفيد أن تقوم بتقسيم الدوافع إلى أنواعها المختلفة لأغراض الدراسة والتحليل، فتقسم هذه الدوافع إلى الدوافع الأولية، والدوافع العامة، والدوافع الثانوية.
أنواع الدوافع:
1) الدوافع الأولية:
وهي دوافع غير متعلمة أو غير مكتسبة أو فطرية، وذات أساس فسيولوجي، مثل (الجوع، والعطش، والنوم، والأمومة، والجنس، الألم).
ويقسم بعض علماء النفس، الدوافع الأولية تقسيمًا أكثر تحديدًا في الآتي:
1. دوافع العرض أو الإيجابية:
وهي تلك التي تنتج عن نقص في الخلايا، يتطلب تعويض معين، مثل الجوع، والعطش، والنوم.
2. الدوافع المتجنبة أو السلبية:
وينشأ هذا النوع، عند وجود مثير ضار جسمانيًا أو ذهنيًا، مثل الألم.
3. دوافع الحفاظ على النوع:
وهي التي تنشأ عن نظام التكاثر، الذي يشجع التقاء الجنسين، وإنجاب الأطفال والعناية بهم، مثل الجنس، والأمومة.
2) الدوافع العامة:
هي دوافع غير متعلمة، ولا تستند على أساس فسيولوجي، مثل دوافع الجدارة، وحب الاستطلاع والتطويع والنشاط، والعاطفة، وتعتبر هذه الدوافع ذو أهمية كبيرة في دراسة السلوك الإنساني، وخاصة في التنظيمات المختلفة، ولا شك أن ارتباط هذه الدوافع بالسلوك التنظيمي أقوى بكثير من ارتباط الدوافع الأولية.
3) الدوافع الثانوية:
تعد الدوافع الثانوية أهم أنواع الدوافع الثلاث عند دراسة سلوك الإنسان الحديث، فكلما تقدم المجتمع الإنساني، أفسحت الدوافع الأولية وإلى حد ما الدوافع العامة، فعلى سبيل المثال، فإن سلوك الإنسان في المجتمعات الغربية الصناعية والمتقدمة والناضجة لا يسيطر عليها دافع الجوع أو العطش، إذ غالبًا ما تتحكم فيه الدوافع الثانوية، وهي دوافع متعلمة أو مكتسبة، مثل القوة، والسلطة، والانتماء، والأمان، والمركز الاجتماعي، وتحقيق الذات.
وختامًا:
أختم بقول تشير: (إذا أردت شيئًا بحق، يمكنك أن تعرف كيف تجعله يتحقق)، وسوف نكمل في المرة القادمة ـ إن شاء الله ـ الجزء الثاني من الدافعية.
أهم المراجع:
1. سلوك تنظيمي، محمد سعيد سلطان.
2. المفاتيح العشرة للنجاح، إبراهيم الفقي.
3. الدافعية، ميلفين.
4. أفضل ما في النجاح، كاترين كاريفلاس.