بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد ...
فإن المسلم الحق يتميز بسمات معينة تؤهله لحمل معاني الخيرية التي فضَّل الله عزَّ وجلَّ هذه الأمة على غيرها بتحقيقها ، قال تعالى : ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾[آل عمران:110] وقال جلَّ وعزَّ: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً﴾[البقرة: 143].
ومن أهم السمات التي يتميز بها المسلم : سمة الجدية ، فالمسلم جادّ في أقواله ، جاد في أفعاله ، جاد في تصرفاته ، جاد في مظهره ، جاد في مخبره ، جاد في علاقاته وتعاملاته مع الناس ، جاد في عبادته ومعاملته مع الله ، جاد حتى مع نفسه ، فلا يجاملها ولا يطريها ، وإنما يحاسبها ويؤذيها ويعاتبها ويأخذ عليه العهود والمواثيق .
إن جدية المسلم نابعة من تأثره بكتاب الله عزَّ وجلَّ ، فالقرآن الكريم كتاب الله الحق الذي لا لغو فيه ولا هزل قال تعالى : ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾[ الطارق:13- 14] .
فالمسلم الجاد متخلق بأخلاق القرآن متأدب بآدابه .
والمسلم يعلم أنه خلق لأمر عظيم ، وتحمل أمانة كبيرة ، وهو مسؤول عن ذلك يوم القيامة ، ولذلك فإنه لا وقت لديه للهزل وللعب والعبث : ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ ﴾[ المؤمنون:115] . وقال تعالى : ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ [ الأحزاب:72] .
إن للجدية سمات ومظاهر كثيرة ، لا يمكن للمسلم أن يكون متسماً بالجدية حتى يحقق تلك السمات ، وتكون واقعاً ملموساً في حياته ، فمن سمات الجدية ومظاهرها .
1- الإخلاص لله عزَّ وجلَّ :
إن الإخلاص لله عزَّ وجلَّ هو الفارق الأساس بين الجاد وغير الجاد ؛ لأن المخلص إما أن يكون منافقاً ، وإما أن يكون مرائيّاً ، والمسلم الجاد لا يمكن أن يكون منافقاً ولا مرائياً ؛ لأن هدفه في الحياة هو رضا الله عزَّ وجلَّ وإحراز ثوابه . قال تعالى : ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: من الآية5] .
أما المنافق والمرائي فإنه ذو شخصية متذبذبة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فخرج بذلك عن سمة الجدية إلى العبثية والاعوجاج نتيجة لغياب الإخلاص الذي هو أساس قبول الأعمال وروحها .
2- متابعة النبي صلى الله عليه وسلم :
وهذا هو الفارق الثاني بين الجاد وغير الجاد ؛ لأن المسلم الجاد يسعى ليكون عمله مقبولاً ، والعمل المقبول هو الذي يتوافر فيه شرطان :
الأول : الإخلاص .
الثاني : متابعة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا يعكر على ذلك اجتهاد أهل الكفر في كفرهم ، وأهل الأهواء في أهوائهم ، وأهل الباطل في باطلهم، فإن هذه ليست بالجدية المشروعة التي توصل إلى الفوز والفلاح يوم القيامة، وإنما هي جهود باطلة وسعي غير مشكور. ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾ [الكهف:103]. قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ )) [ متفق عليه ] وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ))[ رواه مسلم ]. وقال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: من الآية63] . وقال سبحانه : ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء:65] .
3- الاعتدال والوسطية :
فالجدية لا تعني الغلو ، وإنما تعني الاعتدال والوسطية ، وقد نهى الله عزَّ وجلَّ عن الغلو فقال : ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ [النساء:171].وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الغلو هو سبب الهلاك والدمار فقال عليه الصلاة والسلام : (( إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين )) [ رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني ] .
فالاعتدال والوسطية يؤديان إلى ديمومة العمل . الاستمرار في الطاعات وعدم الانقطاع والفتور، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وأن قل))[ متفق عليه].
وقال صلى الله عليه وسلم : (( أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة )) [ أخرجه أحمد والطبراني وحسنه الألباني ] .
4- الإقبال على الطاعات :
إن الإقبال على طاعة الله تعالى ، واغتنام الأوقات في عبادته وذكره وشكره ، والاستزادة من ذلك ليس من الغلو بشرط أن يكون في حدود المشروع ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل حتى تنفطر قدماه، فلما سئل في ذلك قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم : (( يا أيها الناس توبوا إلى ربكم ، فوالله إني لأتوب إلى الله عز وجل في اليوم مائة مرة )) [ رواه مسلم ] .
ومعلوم أن الإيمان عند أهل السنة يزيد وينقض ، يزيد بالطاعات وينقض بالمعاصي ، فالإقبال على الطاعات والضرب في كل باب من أبوابها بسهم هو مما يزيد الإيمان ، وهو كذلك من أكبر الدلائل على جدية المسلم في عبادته لله تعالى ، قال تعالى : ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [لأعراف: من الآية171].
5- وضوح الهدف وتبني الغايات الحميدة :
لو سألت شريحة من غير المسلمين قوامها مائة رجل مثلاً عن أهدافهم في الحياة لوجدت اختلافاً كبيراً في إجاباتهم ، فهذا هدفه المال ، وهذا هدفه المنصب ، وهذا هدفه المكانة الاجتماعية ، وهذا هدفه الشهرة ، وهذا الاختراع والاكتشاف ، وهذا هدفه التأثير في الناس وغير ذلك .
أما المسلم الحق فمهما جمعت له من شرائح ، ومهما تعددت اجتهاداتهم ، فإن الهدف الأساس واضح عند كل مسلم وضوح الشمس وهو رضا الله تعالى وإحراز ثوابه ، ولذلك فإن المسلم يجعل جميع أعماله الأخرى وجميع تطلعاته بمثابة خدم ووسائل وآليات تمكنه من الوصول إلى هذا الهدف الرئيس ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام:162 - 163] .
إن المسلم يستطيع بتبني الغايات الحميدة أن يجعل من نومه ومن أكله ومن شربه ، ومن جميع مناشط أوقاته فراغه ومناشط الترفيه لديه ، يمكن أن يجعل من ذلك كله عبادات يثاب عليها ، إذا استحضر النية الصالحة عند مباشرتها ، وهذا معنى الجدية التي ندندن حولها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم
( وفي بضع أحدكم صدقة )) قالوا : يا رسول الله : أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : ((أرأيتم إن وضعها في حرام أما كان عليه وزر ؟)) قالوا ، بلي . قال : (( كذلك إذا وضعها في حلال كان له بها أجر )) .
إذن فلابد من ضبط الحياة كلها بضوابط الحلال والحرام ، ويكون الهدف في ذلك واضحاً مع وجوب التحلي بالإرادة القوية والعزيمة الصادقة التي تدفع الإنسان إلى النشاط والعمل الجاد من أجل تحقيق هذا الهدف المراد .
6- علو الهمة :
علو الهمة من أكبر سمات الجادين ، فإن صاحب الهمة العالية لا يرضى بالكيل ، ولا يركن إلى الراحة والفتور ، ولا تستهويه سفاسف الأمور وتوافه القضايا ، وإنما تقوده همته إلى معالي الأمور وعظائم القضايا ، فتراه يريد بلوغ الكمال في باب العلم ، وبلوغ الكمال في باب العبادة ، وبلوغ الكمال في أبواب السلوك والآداب والأخلاق ، والعمر قصير ولكنه يجد ويجتهد فينتقل من حال إلى حال أكمل منه ، ومن منزلة إلى منزل أعلى ، ويستمر على ذلك حتى الموت قال تعالى : ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر:99] . واليقين هو الموت بإجماع المفسرين .
قال ابن الجوزي رحمه الله : " خلقت لي همة عالية تطلب الغايات ، فعلتِ السنُّ وما بلغت ما أمَّلتُ ، فأخذت أسأل تطويل العمر ، وتقوية البدن وبلوغ الآمال ، فأنكرت عليَّ العادات وقالت : ما جرت عادة بما تطلب ! فقلت : إنما أطلب من قادر يخرق العادات ، وقد قيل لرجل: لنا حويجة ، فقال : اطلبوا لها رجيلاً !! وقيل لآخر : جئناك في حاجة لا تزْرؤُك( ) فقال : هلاَّ طلبتم لها سفاسف الناس! فإذا كان أهل الأنفة من أرباب الدنيا يقولون ذلك ، فلم لا نطمع في فضل كريم قادرٍ ( ) ؟.
7- صحبة الجادين :
من أهم عوامل تثبيت المسلم على سمة الجدية : صحبة الجادين ؛ لأن الإنسان يتأثر بمخالطة ، والصاحب ساحب ، فإذا صحب المسلم أهل اللغو واللعب والبطالة وتضييع الأوقات تأثر بأحوالهم وربما صار واحداً منهم مع مرور الوقت .
وإذا خالط أهل الجد والاجتهاد والعبادة والطاعة ، وعلو الهمة تأثر بهم ، وقلدهم في أقوالهم وأفعالهم ، وبمرور الوقت تصبح الجدية وعلو الهمة سمة له وصفة من صفاته ، فالصاحب ينتفع أشد الانتفاع ويشقى أشد الشقاء بصاحبه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل )) .
8- مواجهة المشكلات :
إن صاحب الجدية لا يهرب من مشكلاته ولا يتركه دون حلول ، ولا يجعلها حجر عثرة في طريقه ، وإنما يواجه مشكلاته بحكمة وتؤدة ، ويجعل من مشكلاته وأزماته نقاط انطلاق جديدة ، يكتشف من خلالها ما وهبه الله تعالى من قدرة على التفكير وإيجاد الحلول لكل ما يعتريه من محن وابتلاءات .
وصاحب الجدية يختار الوقت المناسب لمعالجة مشكلاته ، وهي أوقات الراحة والتأمل وفراغ الذهن .
وقد يحتاج إلى مساعدة الآخرين ، ولكنه لا يعرض مشكلاته على المتشائمين المثبطين الذين لا همَّ لهم سوى بث اليأس ، ودلالة الناس على الطرق المسدودة ، وإنما يعرض مشكلاته على من يحبه من أصدقائه الذين عرفوا بالإيجابية ورجاحة العقل ودقة النظر .
9- الشمولية :
إن المسلم الجاد هو الذي يأخذ الدين كله كما جاء من عند الله تعالى. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة:208].
قال ابن كثير رحمه الله : " يقول الله تعالى آمراً عباده المؤمنين به المصدقين برسوله أن يأخذوا بجميع عرى الإسلام وشرائعه ، والعمل بجميع أوامره ، وترك جميع زواجره ، ما استطاعوا من ذلك .
قال ابن عباس : أي اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر( ) .
فليس من الإسلام أن ينتقي المسلم من دين الله ما يشاء فيعمل به ويترك ما يشاء . وليس من الجدية أن يفعل الإنسان ما سهل عليه ويترك ما يراه صعباً من الفرائض والواجبات ، فالدين كله يسر وقد رفع الله عن عباده الحرج قال تعالى : ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: من الآية78]. وقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:15].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الدين يسر ، ولا يشاد الدين أحد إلا غلبه ، فسددوا وقاربوا وأبشروا )) [ رواه البخاري ] .
فعلى المسلم الجاد أن يأخذ الإسلام بشموليته حتى لا يتشبه بغير المسلمين الذين قال الله فيهم : ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: من الآية85].
10- ترك التسويف :
إن صاحب الجدية لا يعرف التسويف ولا يعتمد على الأماني الكاذبة ، وإنما يبادر إلى الطاعات وإشغال الوقت بالعبادات ، والانتظام في سلم المؤمنين الصادقين . فيتوب كل يوم وكل ساعة وبعد العمل وقلبه ، ولا يقول سوف أتوب ويترك التوبة ، يحاسب نفسه مراراً ولا يقول سوف أحاسب نفسي فيما بعد ، يحافظ على الصلاة في مواقيتها ، ولا يضيعها ويقول سوف أحافظ على صلاتي ، يقرأ القرآن ويتدبره ويعمل به ، ولا يقول سوف أقرأ أو سوف أعمل ، وهكذا فإنه مشغول دائماً بأعمال الخير وقضايا الإسلام والمسلمين ، قد قصر أمله في هذه الدنيا ، فأثر ذلك في سلوكه وأعماله ؛ همة ونشاطاً وإقبالاً على الله تعالى بلا تردد ولا تسويف .
11- إدامة النظر في السيرة النبوية وسير الصحابة :
من أعظم الأمور التي تدفع إلى الجدية النظر في سير أهل الجد والاجتهاد من الأنبياء والصحابة رضوان الله عليهم، قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [يوسف:111]
وتعد سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم معين للجدية ، فقد واجه النبي صلى الله عليه وسلم الكفر بمفرده ، وتحمل في سبيل نشر الإسلام كل صنوف الأذى والاضطهاد ، فلم تلن له قناة ، ولم تفتر له عزيمة ، وإنما أعلنها صريحة قوية في وجوه أهل الكفر جميعاً (( والله لو وضعوا الشمس في يميني ، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه )) . إنها جدية صاحب الدعوة الذي آمن بدعوته ونذر لها نفسه ووقته وجهده وجاهه وكل شيء من أمره .
12- البعد عن الترف :
الترف من سمات أهل البطالة والكسل ؛ لأنه مورث الخمول والدعة . وأجمع كل عاقل على أنه لا يدرك نعيم بنعيم ، والمكارم لا يتوصل إليها إلا بالمكاره . فمنافاة الترف ، وهجر فضول التنعم من مقومات الهمة العالية ( ) .
قال بعض السلف : لا ينال العلم براحة الجسد .
لقد ملك النبي صلى الله عليه وسلم مفاتيح خزائن الأرض ، ولو شاء لكان ملكاً رسولاً ، ولكنه رضي أن يكون عبداً رسولاً ، يجوع يوماً فيحمد ربه ، ويشبع يوماً فيشكر ربه ، ولقد ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا فقال : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يظل اليوم يلتوي ، ما يجد من الدقل ما يملأ به بطنه )) [ رواه مسلم ] .