مقدمة
تتطلب التغيرات الاقتصادية والتقنية المتسارعة وانفتاح الأسواق والحدود والمنافسة الحادة بين الدول والمنشآت على أسواق السلع والخدمات العالمية؛ تكثيف وتضافر الجهود الخاصة بتطوير الموارد البشرية الوطنية لكي تتوافق واحتياجات سوق العمل في إطار متطلبات العولمة ، بحيث تراعي مواصفات الجودة الشاملة التي تؤهل العمالة للمنافسة والنمو في سوق العمل المحلية المحكوم بضوابط ومعايير عالمية، وتستجيب للتغيرات التي تحدث في معدلات الطلب - سواء كان ذلك بالزيادة أو النقصان- على أنواع المهارات المختلفة في سوق العمل.
وفي هذا الإطار، تهتم هذه الورقة بتسليط الضوء على تأثير العولمة على تنمية وتطوير الموارد البشرية من خلال مناقشة الموضوعات التالية:
1. شرح وتحديد لمفهوم العولمة وأهدافها والظواهر المرافقة لها وتأثيرها على الموارد البشرية.
2. العوامل الحاكمة لتنمية الموارد البشرية.
3. خصائص الموارد البشرية في ضل العولمة.
4. التدريب لتنمية الموارد البشرية.
5. الخلاصة.
1-1 مفهوم العولمة (Globalization)
كتب الكثير عن العولمة وعلى جميع المستويات العلمية والاقتصادية والثقافية. كما تباينت الآراء والنظريات حول تداعياتها ودوافعها ونتاجاتها. إلا أن مظاهرها وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية واضحة للعيان وقلما يختلف احد عليها. ويتفق الكثير من الباحثين على أن العولمة هي حتمية اقتصادية وتقنية شبيهة بالأحداث الطبيعية التي لا يمكن وقوفها. كما يرون بأنها ليست فكراً جديداً ولا هي عارضاً مؤقتا إنما هي نتيجة طبيعة للتطورات الشاملة والمتراكمة للإنجازات البشرية التي بلغت حداً انهارت فيه الحواجز المكانية والزمنية واختزلت المسافات الجغرافية وسقطت العوائق الاقتصادية وتداعت الحدود الثقافية والحضارية[1]. ويعرف البعض العولمة بأنها " أي متغيرات جديدة تظهر في مكان ما من العالم وتنتقل وتنتشر بسرعة إلى باقي أنحاء العالم، ويكون بينها نوعا من الترابط والتنسيق المتبادل"[6].
وينطوي المفهوم الاقتصادي للعولمة على تحرير الأسواق وخصخصة الأصول ونشر التقنية والاستثمارات الأجنبية والتكامل بين الأسواق والتوزيع القاري للمنتجات.
ويمثل الجانب الاقتصادي للعولمة منظمة التجارة العالمية (World Trade Organization) التي أنشئت في عام 1995م بهدف معلن وهو بناء نظام تجاري متعدد الأطراف أكثر تكاملاً وقدرة على البقاء، وليمثل امتداد لنتائج الجهود السابقة في تحرير التجارة الدولية وليكون بديلا عن الـ GATT. وتعد المنظمة الإطار المؤسس التشريعي لقواعد التبادل بين أعضائها في جميع المجالات التجارية، سواء كان ذلك في تجارة السلع من زراعية وصناعية وتمثلها الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة (General Agreement of Tariffs and Trade, GATT ) وتجارة الخدمات من أساسية وفرعية ممثلة بالاتفاقية العامة للتجارة والخدمات (General Agreement of Trade and Services, GATS) و تجارة الأفكار الخاصة بحقوق الملكية الفكرية من أدبية وفنية وتقنية وتمثلها (General Agreement on Trade-Related Aspects of Intellectual Property, TRIPS) [1].
وتعد هذه المنظمة أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها الاقتصاد الدولي وهي :-
- صندوق البنك الدولي : ويقوم بدور الحارس على النظام النقدي العالمي.
- البنك الدولي: ويعمل على تخطيط التدفقات المالية طويلة المدى .
- اتفاقيات المنظمة العامة للسلع (GATT) والخدمات (GATS) .
1-2 أهداف العولمة
وتهدف العولمة بشكل عام إلي تحقيق الأتي:-
- رفع القيود أمام حركة تبادل السلع والخدمات ورؤوس الأموال .
- ربط أجزاء العالم اقتصاديا وتجاريا وثقافيا وإعلاميا.
- تقريب المسافات عبر تقنية الاتصالات وثورة المعلومات .
- تسهيل انتقال الأفراد والمؤسسات والمعلومات والأموال والبضائع والخدمات.
يتضح أن الأهداف أعلاه تنسجم مع توجه منظمة التجارة العالمية. وفي هذا السياق يجب الإشارة إلي أن العولمة لا يمكن أن تتم إلا بين قوى متكافئة سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا ، بحيث لا يسيطر طرف فيها على الطرف الآخر، وبالتالي يتم الاعتماد المتبادل بين القوى المتكافئة .
1-3 الظواهر المرافقة للعولمة
لقد رافق حركة العولمة مجموعة من الظواهر الاقتصادية والثقافية والسياسية والعلمية والاجتماعية الناجمة عنها أو المرافقة لها التي أثرت بشكل أو بأخر على أوضاع القوي العاملة. ومن أهم هذه الظواهر ألآتي[4]:
1. تسارع وتيرة التطورات العلمية والتقنية، الآمر الذي يضع المنشات الصناعية والخدمية أمام تحديات إعادة التأهيل والتدريب لملاحقة التغيرات في معايير المهارات المطلوبة للعمل.
2. التوجه نحو اقتصاد المعرفة (Knowledge Economy) وزيادة الاعتماد على رأس المال المعرفي، وانتقال مركز الثقل في النظم الاقتصادية من اقتصاد الموارد إلي اقتصاد المعرفة.
3. نمو قطاع الخدمات وزيادة فرص العمل فيه, وبخاصة في المجالات التي لا تحتاج بالضرورة إلى قدرات وإمكانيات فيزيقية كبيرة, وإنما في مجال الخدمات والأعمال التي تحتاج إلى مهارات ذهنية فائقة.
4. حدوث تغيرات في هياكل العمالة والتوظيف، وتطور أنماط مختلفة في التوظيف، كالتوظيف الجزئي والتوظيف الذاتي دون مغادرة مكان السكن. وتضائل فرص التوظيف مدى الحياة.
5. ارتفاع معدلات البطالة والتسريح من العمل لكثير من الأيدي العاملة غير الماهرة، وانتشار شبكات الأمن الاجتماعي لتقليص الانعكاسات السلبية للبطالة.
6. نمو دور الشركات المتعددة الجنسيات؛ إذ تسيطر هذه الشركات على أكثر من 80 % من الاقتصاد العالمي .كما تتميز هذه الشركات بتنوع الأنشطة والانتشار الجغرافي. فمن بين أكبر 500 شركة في العالم، توجد 482 شركة منها موزعة على الاتحاد الأوروبي واليابان وأمريكا، حيث تملك الأخيرة أكثر من ثلث مجموع هذه الشركات ومن بينها (5) شركات عملاقة تعد ضمن أكبر (10) شركات في العالم[2].
7. تزايد التوجهات نحو تكوين التكتلات الاقتصادية الإقليمية ونشوء أسواق اقتصادية مشتركة وتكون اتحادات جمركية، سواء للاندماج في حركة العولمة، أو للحماية منها.
8. تحرير حركة انتقال العمالة بين الدول كونها عنصراً هامًا من عناصر قيام التجارة؛ وهو ما قد يؤثر على أنماط الوظائف وأدوار التدريب للموارد البشرية نوعًا وكمًّا، خصوصًا أن البرامج والخطط المستقبلية لمنظمة التجارة العالمية تهدف إلى عرض الوظائف المتاحة في جميع الدول الأعضاء من خلال شبكة "الإنترنت" موضحة الشروط المطلوب توافرها فيمن يشغلها؛ بحيث يتاح لمن تتوافر فيه الشروط المطلوبة من أي دولة من الدول الأعضاء التقدم للوظيفة المتاحة المعلن عنها من خلال الإنترنت، وبالتالي ستخضع الوظائف لوصف وشروط تنأى بالوظيفة عن المواطنة؛ وهو الأمر الذي يتطلب جهدًا وطنياً كبيراً في أعداد وتأهيل كوادر وطنية ذات مهارات فنية متقدمة ومعرفة وثيقة بالمواصفات القياسية التي تتطلبها العملية الإنتاجية عالية الجودة[3].
2-1 العوامل الحاكمة لتنمية الموارد البشرية
2-2 مفهوم وأهداف تنمية رأس المال البشري
لم تعد قضية تنمية الموارد البشرية مدفوعة بدوافع تحكمها ظروف منظمة بذاتها أو مجتمع بعينة، حيث أصبحت هذه القضية عالمية الطابع. فلقد أملت ظروف العولمة على جميع المجتمعات بدون استثناء ضرورة إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بالقوي العاملة والنظرة إلي هذه القوي باعتبارها عاملاً تنافسيا رئيسيا تسعى المنظمات لجعله ميزة تنافسية تكتسح من خلاله الأسواق العالميةً.
فلقد أدت الدعوة إلي العولمة إلي انتفاخ الأسواق العالمية بعضها على بعض، فأصبح التنافس على الكفاءات البشرية والانتقال السهل للعمالة وتقارب الأجور ذا صبغة عالمية. لهذا نجد أن الكثير من دول العالم الثالث تعاني إشكالية عدم قدرة القوي البشرية فيها على التنافس في سوق العمل المحلية، فأصبحت الفرص الوظيفية في كثير من هذه المجتمعات تتناسب مع معارف ومهارات القوي البشرية الوطنية؛ مما اوجد لديها مشكلة البطالة. وهذه نتيجة طبيعية لغياب التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية في تلك الدول[4].
ويقصد بتنمية الموارد البشرية زيادة عملية المعرفة والمهارات والقدرات للقوى العاملة القادرة على العمل في جميع المجالات. كما يقصد بتنمية الموارد البشرية تزويد الأفراد بالمعارف والمهارات المتجددة عن طبيعة أعمالهم وإحداث تغيير إيجابي في اتجاهاتهم وسلوكهم.
2-3 أهمية رأس المال البشري
أن قوة المنظمات على التنافس في ظل العولمة يتمثل في قدرتها العلمية والمعرفية وبرأسمالها البشري والفكري فهو المورد الاستراتيجي في العملية الإنتاجية، أي المورد الذي يصعب نسخه أو تقليده من قبل أي منظمة أخرى غير التي يعمل بها. وفي هذا العصر، أصبح من السهل على كل المنظمات أن تقوم بنسخ وتقليد جميع برامج العمل والآلات والتقنيات والبرمجيات المستخدمة في الإنتاج والخدمات في أي منظمة أخرى، عدا العنصر البشري، الذي هو العنصر الوحيد غير القابل للنسخ أو التقليد.
عليه فإن تبنى استراتيجيات متطورة في مجال إدارة وتنمية الموارد البشرية لمواجهة تحديات العولمة , أصبح أمر ضروريا , إن لم يكن واقع فرضته التطورات والمستجدات المعاصرة ، وهذا يستوجب إعادة النظر في الهياكل الإدارية للمنظمات وأنظمة إدارتها، والتقنية الملائمة، والثقافات والقدرات الفردية للعاملين ومهاراتهم ومعارفهم, لمواجهة متطلبات العمل اليومي وتلبية احتياجات المستقبل[2].
2-4 استراتيجيات تنمية الموارد البشرية
أمام هذه التحديات لابد من دراسة الواقع وتحليله وتحديد متطلبات المرحلة القادمة من الموارد البشرية، وصياغة أهداف واضحة وإستراتيجية واقعية طموحة تأخذ بعين الاعتبار الآتي[3]:
1. أن متطلبات الموارد البشرية من التعليم والتدريب ترتبط مباشرة بالإستراتيجية العامة للدولة، ومن الناحية المنطقية لا معنى لاستراتيجيات جزئية وخطط فرعية من دون وجود إستراتيجية عامة، وحتى توضع هذه الإستراتيجية، ونظراً لأن العولمة هي أمر واقع لابد من إعادة هيكلة النظام التعليمي والتدريبي لتلبية احتياجات سوق العمل من القوي العاملة المتخصصة والاستجابة للتطورات التقنية المتسارعة في نوعية وكمية الموارد البشرية المطلوبة.
2. إعادة النظر في الأنظمة المتعلقة بالتعليم والتدريب لـتحقيق اللامركزية في اتخاذ القرارات الخاصة بتطوير الخطط والبرامج التعليمية والتدريبية لزيادة المرونة والتأقلم مع التطور السريع وتخفيف البطء في اتخاذ القرارات ذات الصلة.
3. تطوير النظرة إلى التدريب على أنها عملية إستراتيجية مستمرة لتطوير الموارد البشرية.
4. ضرورة امتلاك المهارات التدريبية وتنميتها، مع الأخذ في الحسبان أن إمكانية اكتساب المهارات متاحة لكل شخص وفي أي مجتمع، وأنه يمكن ارث المهارات، لكنها تحتاج فقط إلى البيئة الصحيحة لإخراجها واستغلالها.
5. أن التدريب أمر حتمي وضروري، فاكتساب العامل المهارات الأساسية قد يكون كافياً في أغلب الأحيان للصناعات ذات العمالة الكثيفة، ولكن هناك دائماً حاجة إلى التدريب التخصصي في الصناعات المعقدة لتأهيل عمال ذوي مهارات نوعية تناسب الأعمال الموكلة إليهم.
6. العمل على تحديث برامج التدريب لصقل المهارات المطلوبة بما يتماشى مع التقنية الحديثة.
7. تعلم اللغات وخاصة اللغة الإنجليزية كأساس للمتدرب والمدرب حتى يمكن فهم واستيعاب التقنية على أن يتم ذلك بالتوازي مع تطوير المناهج التعليمية والتدريبية وإعدادها بصورة تتفاعل مع الجديد في التقنية.
8. تبني وتطوير الكفاءة الإنتاجية للعاملين من خلال إدارة الجودة الشاملة.
9. التركيز على انتقاء قيادات إدارية تنفيذية عصرية خلاقة وفعالة تؤمن بأهمية الوقت وقيمة الجودة وقيمة الإتقان وقيمة العمل الجماعي وقيمة المنافسة وقيمة الإيمان الواسع والعميق بالقدرات التي لا حد لها للإنسان (الموارد البشرية) وقيمة الإيمان بعالمية العلم والمعرفة وعلوم الإدارة الحديثة وعلوم الموارد البشرية وعلوم التسويق؛ إذ إن نجاح أو فشل المنظمات يعتمد أساساً على مهارات القيادات في إدارتهم لمنظماتهم[5].
3-1 خصائص الموارد البشرية
1. القدرة على التعامل في سوق مفتوح يتسم بالتقلب والفجائية.
2. المرونة والقدرة على التخلص من أساليب متغيرة غير جامدة لمواكبة حركة التغير داخل وخارج المنظمة.
3. التحرر من اسر الخبرات الماضية وحدود التخصص المهني والعملي الدقيق والقدرة علي الانطلاق نحو مجالات عمل وتخصصات وأسواق متغيرة باستمرار.
4. الاهتمام باكتساب المعارف والمهارات الجديدة ومواصلة التنمية الذاتية في فروع المعرفة التي يحتاجها سوق العمل.
5. قبول التغير والاستعداد لتحمل مخاطر العمل في مجالات مختلفة ومناطق جديدة.
6. تحمل المسئولية وممارسة الصلاحيات وتوفر درجة كافية من الاستقلالية وعدم الاعتماد على الغير في التوجيه والإرشاد.
7. قبول التنوع والتغير في أعضاء فرق العمل والعملاء أو مجالات العمل وتحمل أعباء ذلك التنوع والتغير.
8. الطموح والتطلع إلي مستقبل أفضل وعدم الركود ألي قبول ما تحقق من خبرات أو نجاحات.
9. قبول التحديات ومواجهة المهام الصعبة واعتبارها فرصا لإثبات الذات والقدرة علي التعامل معها.
4-1 التدريب الفعال لتنمية الموارد البشرية
4-2 أهمية التدريب لتنمية الموارد البشرية
من التحليل أعلاه يتضح أن التدريب بوصفة إستراتيجية لتنمية وتطوير الموارد البشرية يعد من أكثر الإستراتيجيات شيوعاً وقبولاً لدي كثير من المتخصصين و الممارسين في مجال تنمية الموارد البشرية. فقد أصبح يحتل مكانة بارزة ومتقدمة في إدارة القوى البشرية في ظل المنافسة الاقتصادية واستحقاقات العولمة وتجلياتها على مختلف المستويات المحلية والدولية. كما أضحي التدريب عنصراً أساسياً يرفد مختلف قطاعات العمل والإنتاج بالقوى العاملة المدربة، بل ويعتبر الوسيلة المثلى لرفع الكفاءة الإنتاجية للعاملين وتطويرها.
وضمن هذا الإطار فإنه وفي بلد نام وحديث الانضمام لمنظمة التجارة العالمية مثل المملكة ، تتعاظم أهمية التدريب لتنمية وتطويرا لموارد البشرية الوطنية وذلك لمعالجة التداعيات السلبية المتوقعة على سوق العمل المحلي وخاصة ما يتعلق منها بسياسات وبرامج توطين الوظائف.
ومما لا شك فيه أن انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية يفترض أن يملي تصوراً جديداً للتعليم والتدريب ووظائفه، يفضي إلى مراجعة لدورا لمؤسسات التعليمية والتدريبية لتحديد ملامح دورها الجديد وأسسه وغاياته ،حتى يكون التعليم والتدريب، في إطار تحديات المستقبل الكثيرة. فالتحدي الذي ستواجهه المؤسسات التعليمية والتدريبية الوطنية لا ينحصر فقط في طرح البرامج التدريبية في المجالات التي يتطلبها سوق العمل، بل يتمثل أيضاً في نوعية هذه البرامج من حيث تصميمها ومحتواها العلمي والأجهزة والوسائل المستخدمة في تنفيذه، كما يتمثل أيضاً في نوعية المدربين المناط بهم تقديم المادة التدريبية من حيث خبراتهم وقدراتهم التدريبية.
بالإضافة إلي ضرورة تكوين علاقة قوية تربط هذه المؤسسات التعليمية والتدريبية بسوق العمل لتحقيق نوع من الموائمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل من خلال التدريب التعاوني أو البحوث المشتركة أو الاستعانة بخبرات سوق العمل في التعليم والتدريب. وفي هذا السياق يجب الإشارة إلي مسألة هامة وهي أن مؤسسات التعليم والتدريب ليست مسئولة مسؤولية تامة عن جاهزية الخريج لتناسب مهاراته المكتسبة لاحتياجات كل منظمة، ولكن دورها ينبع من إعداد الخريج بمهارات عامة في مجال تخصصه. وتظل قضية التأهيل المهني هي من صميم مهام سوق العمل.
4-3 مراحل التخطيط للعملية التدريبية
وانطلاقًا من هذه الأهمية للتدريب فإن السؤل الذي يطرح نفسه في هذا الإطار هو كيف يمكن تفعيل إستراتيجية التدريب من اجل تنمية الموارد البشرية في ضوء العولمة؟
للإجابة على هذا السؤل يمكن القول بان معظم آراء الكتاب والباحثين في هذا الصدد لم تخرج عن نطاق تأكيد ضرورة الالتزام بمراحل العملية التدريبية، وهذه المراحل التي تمر بها عملية التدريب لا تسير وفق نمط واحد في جميع الأحوال وذلك عائد إلي اختلاف الهدف من التدريب والجهة التي تقوم بعملية التدريب وكفاءة هذه الجهة في تنفيذ المراحل[5].
فالتخطيط للبرامج التدريبية يعتبر ركناً أساسياً لنجاحها المطلوب. ولكي تصبح البرامج التدريبية مفيدة فلابد أن تكون على درجة من الكفاءة الفاعلة، وهذا لا يتحقق إلا بالتخطيط المنظم الواعي ضمن منظومة تدريبية متكاملة تتكون من خمس مراحل هي:
4-2 المرحلة الأولى: مرحلة الإعداد والتصميم
تهدف هذه المرحلة إلى إعداد الخطة التدريبية وأهدافها وتحديد الخطوات والإجراءات المتتالية التي ينبغي الالتزام بها من أجل تحقيق الأهداف المنشودة. و يتطلب نجاح هذه الخطط والبرامج ضرورة إجراء المسوحات الدقيقة لتحديد حجم الاحتياج الفعلي لسوق العمل من القوي العاملة بمختلف تخصصاتها الحالية والمستقبلية. والعمل على تحقيق نوع من التكامل والتفاعل بين المؤسسات التدريبية والقطاع الخاص في تطوير وتصميم البرامج التدريبية، بما يعظم من مقدرة القطاع الخاص على استيعاب وتوظيف اكبر قدر ممكن من الخريجين؛ إذ أن إهمال التحديد الدقيق لاحتياجات سوق العمل المحلى من القوي العاملة، أدي إلي ظهور مشكلة الفائض ومشكلة العجز في احتياجات سوق العمل، حيث توجد أعداد كبيرة من الخريجين في بعض التخصصات المهنية فائضة عن حاجة سوق العمل، الأمر الذي ترتب عليه وجود بطالة مقنعة وسافرة في تلك التخصصات. كما تواجد عجز كبير في احتياجات سوق العمل من بعض التخصصات الأخرى.
4-3 المرحلة الثانية: المدخلات
وهي مرحلة المؤثرات أو خصائص المؤسسة من حيث المدخلات البشرية، والإمكانات المادية والعلمية واختيارها في ضوء الخطة والبرامج التدريبية.
4-4 المرحلة الثالثة: العمليات
وهي مرحلة التفاعل مع خصائص البرنامج التدريبي مـن حيث التنظيم والمحتوى، والطريقة، والمهارات، وفيها يتم التأكد من سلامة محتوي الحقائب التدريبية وقدرتها على تحقيق الهدف الذي صممت من أجله. فمحتوى الحقائب التدريبية مسألة يتطلب تحديدها صياغة رؤية واضحة ومتكاملة لهدف التدريب ومقتضياته. كما يتم في هذه المرحلة إجراء تقيم للحقائب التدريبية للتنبؤ بمدى كفاءتها في تحقيق أهداف العمل التدريبي، ذلك أن الهدف الرئيسي من تقييم الحقائب التدريبية هو عملية إجراء مسح لها لاكتشاف الثغرات التي قد تشوبها أو أي نواحي قصور في تصميمها وذلك لمعالجتها مبكراً قبل التنفيذ بالتعديل أو التطوير سواء في الجوانب النظرية أو الجوانب العملية.
4-5 المرحلة الرابعة: المخرجات
وهي مرحلة قياس مدى ما اكتسبه المتدرب من معارف ومهارات استهدف تحقيقها. وهي عملية في غاية الصعوبة خاصة في حالة المعارف والمهارات التي لا يمكن قياسها.
4-6 المرحلة الخامسة: التقويم
وهي المرحلة التي يتم فيها مراجعة البرنامج التدريبي في ضوء ما حققه من جودة في المخرجات. فقد يتطلب الآمر تغيير البرنامج أو تعديله أو بقاءه كما هو إذا ما ارتأت الإدارة انه برنامج يحقق أهدافه التدريبية، أي يحقق المعارف والمهارات المطلوبة.
5- الخلاصة
1. لابد من وجود إستراتيجية واضحة للتنمية الاقتصادية يمكن على أساسها وضع إستراتيجية ناجعة لتنمية الموارد البشرية.
2. إن تنمية الموارد البشرية الوطنية أصبحت ضرورة ملحة لا يمكن التغاضي عنها.
3. إن تنمية الموارد البشرية لتحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة هي عملية مركبة وتمس جميع جوانب العملية التنموية وتتطلب حلولاً شاملة لأن الحلول الجزئية والمتسرعة، قد تفاقم المشكلة.
4. إن ربط تنمية الموارد البشرية بالإستراتيجية العامة للتنمية أمر لابد منه فبالرغم من النتائج الإيجابية التي نتجت عن تنمية الموارد البشرية خلال العقود الماضية إلا أنها قد تركت آثاراً سلبية (البطالة المقنعة وغير المقنعة، وعدم الانسجام بين مخرجات التعليم والتدريب مع متطلبات التنمية الاقتصادية، ……).
5. توجد ضرورة لإحداث مرونة في عملية اتخاذ القرار في منظومة التعليم والتدريب لتكون قادرة على مواكبة التغيرات المتسارعة في المجال الاقتصادي والتكنولوجي وتلبية حاجات المجتمع بشكل عام وسوق العمل بشكل خاص.
6. يجب إعطاء أهمية خاصة في برنامج تطوير الموارد البشرية إلى الجانب الإداري والقيادي.
المراجع
1. الجناحي، د الحبيب ، ظاهرة العولمة: الواقع والآفاق ، مجلة عالم الفكر المجلد الثامن والعشرون ، العدد الثاني ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، دولة الكويت ، أكتوبر / ديسمبر 1999.
2. هانس بيرمارتن-هار الدشومان، فخ العولمة:الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية، ترجمة عدنان عباس علي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت ، سلسلة عالم المعرفة ، العدد 238 ، اكتو بر 1998.
3. الحجي، د. انس بن فيصل ، منظمة التجارة العالمية والنفط ، مجلة المجلة، العدد 1035 ، تاريخ 12-18 ديسمبر 1999 ، لندن ، المملكة المتحدة.
4. مدكور، إ. د. علي أحمد ، العولمة والتحديات التربوية، مجلة العلوم والتربية ، العدد التاسع ، معهد الدراسات التربوية بجامعة القاهرة . يناير 1998.
5. عبد الله ، د. عبد الخالق ، العولمة : جذورها وفروعها وكيفية التعامل معها، كتاب عالم الفكر المجلد ، الثامن والعشرون العدد الثاني ، العولمة ظاهرة العصر ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ، دولة الكويت ،( أكتوبر / ديسمبر 1999 ).
6. المسيري ، عبد الوهاب ، عولمة الالتفات بدلاً من المواجهة ، كتاب المعرفة العدد السابع " نحن والعولمة ، من يربي الآخر ، وزارة المعارف ، المملكة العربية السعودية رجب 1420 ( أكتوبر 1999 ).
د. منصور بن عبدا لله الميمان
أستاذ مساعد إدارة الأعمال، الكلية التقنية بمحافظة بجدة
ص.ب 17608- جدة 21494- المملكة العربية السعودية