إن التوسع في إنتاج كميات هائلة من المواد الكيميائية وازدياد عدد هذه المركبات سنوياً هو ناتج عن التوسع الصناعي في العالم وخاصة الصناعات الكيميائية البترولية كالبتروكيماويات وصناعة الورق والدهان والمواد البلاستيكية والمبيدات والأسمدة.
وبحسب إحصائيات إحدى المنظمات الدولية، فإنه
(1) يستخدم حوالي مائة ألف مادة كيميائية على نطاق عالمي
(2) يدخل إلى الأسواق كل عام حوالي ألف مادة كيميائية جديدة
(3) تقتل المواد الخطرة حوالي 834 ألف عامل سنوياَ، ويعزى حوالي 10% من جميع سرطانات الجلد للتعرض إلى المواد الخطرة في مكان العمل
(4) الأسبستوس وحده مسئول عن مائة حالة وفاة كل عام والرقم في ارتفاع متزايد.

وتعتبر الملوثات العضوية الثابتة”POPs” Pollutants Persistent Organic من أخطر المواد الكيميائية التي تداولها الإنسان وتتسبب في زيادة تلوث عناصر البيئة وبالتالي تؤثر على صحة الإنسان. وفى إطار الاهتمام الدولي بمواجهة التلوث بالمواد الكيميائية خاصة المواد الثابتة منها, فقد صدرت عن المجتمع الدولي اتفاقية استكهولم للملوثات العضوية الثابتة في شهر مايو من العام 2001 م، والتي تم تصديق عدد 151 من الدول عليها. تعمل الملوثات العضوية الثابتة كمبيدات قوية للآفات، كما تخدم مجموعة أخرى عدد من الأغراض الصناعية، وبعض الملوثات العضوية الثابتة الأخرى تنبعث أيضا كمنتجات ثانوية غير مقصودة ناتجة عن عمليات احتراق عن عمليات صناعية أخرى. وفى الوقت الذي تختلف فيه مستويات الخطر من ملوث عضوي ثابت إلى آخر،
فإن جميع هذه المواد الكيميائية تشترك في أربع خصائص كما يشير إليها تعريفها:
(1) السمية العالية
(2) الثبات،أي تبقى ثابتة لسنوات أو حتى لعقود من الزمن قبل أن تنحل إلي أشكال أقل خطورة
(3) الحركة والانتشار، حيث تتبخر وتنتقل عبر مسافات طويلة عن طريق الهواء والرياح والمياه
(4) التراكم الحيوي. و في الحقيقة تشكل هذه الخصائص مزيجا خطيرا للغاية، فدوام الملوثات العضوية الثابتة وقدرتها على الانتقال معناه أنها تتواجد فعليا في كل مكان من العالم،حتى في القطبين الشمالي والجنوبي وكذلك في الجزر البعيدة الواقعة في المحيط الهادئ التي لم تستخدم هذه المواد.كما أن انجذابها وتخزينها وتضاعفها بالأنسجة الدهنية، وهو ما يعرف ب "التراكم الإحيائي"، يعنى انه بالرغم من انتشار هذه الملوثات على نطاق واسع وبكميات قليلة في بادئ الأمر، إلا إنها تبدأ بالتركيز والتضاعف تدريجيا لدى قيام كائنات بالتغذية على كائنات أخرى ولدى انتقالها إلى أعلى السلسلة الغذائية كالأسماك، والطيور المفترسة، والثدييات بما في ذلك الإنسان.

والأخطر من ذلك هو أنه خلال فترة الحمل والرضاعة في الثدييات، عادة ما تنتقل هذه الملوثات العضوية الثابتة إلى الجيل أو الأجيال التالية، وبالتالي يتعرض كل من الإنسان وغيره من الثدييات إلى أعلى مستويات هذه الملوثات حينما يكون هؤلاء في اضعف مرحلة - أي في الرحم وخلال مرحلة الطفولة – حينما تكون أجسامهم وعقولهم وأجهزتهم العصبية والمناعية في مرحلة حساسة من التكوين. وفي العام 2003 م قام صندوق الحياة البرية العالمي بدراسة للكشف عن وجود أكثر من 70 مادة كيميائية صناعية في دماء "155" متطوعا، وكانت النتائج مرعبة للجميع، وصدمت إحدى المتطوعات لاكتشافها أن جسمها ملوث بثلاثين مادة كيماوية صناعية -على الأقل- منها الكثير من المواد التي منع تداولها في جميع أنحاء العالم منذ أن كانت طفلة! .
بل إن البحث قد أظهر أن جميع دماء المتطوعين تحتوي على مادة "بي سي بي" (PCB) Polychlorinated Biphenyls التي استخدمت في الفترة ما بين الخمسينيات والسبعينيات في العديد من المنتجات المختلفة كالمحولات الكهربائية والطلاءات والمواد اللاصقة والمنظفات المنزلية، وانتهى استخدامها من جميع أنحاء العالم، إلا أنها لا تزال موجودة في جميع البيئات حول العالم، وتتسبب هذه المادة في ظهور العديد من الأمراض، كما أن لها تأثيرا سلبيا على التطور العصبي والقدرة العقلية للأطفال. كما أظهرت دراسة نشر ملخصها في أحد المجلات العلمية الشهيرة أن هناك علاقة بين وجود بعض أنواع المبيدات الحشرية في دم الحبل السري أثناء الولادة، وبين زيادة احتمالات ولادة أطفال منخفضي الوزن أو منخفضي الحجم.