مكاتب العمل ،، دورها لا يواكب الطموحات
بالرغم من أن منشآت القطاع الخاص تستوعب اليوم مئات الآلاف من العاملين السعوديين، إلا أن آليات التوظيف في معظمها لا تزال غير مواكبة لمتطلبات المرحلة، وأعني بذلك اعتمادها على الجهود الذاتية في استقطاب موظفيها الجدد وارتفاع تأثير دور العلاقات الشخصية والتوصيات أو التزكيات في قرارات التوظيف والمراتب الوظيفية التي يشغلها المتقدمون وما يتبعها من مزايا وظيفية ومالية.
الأمر في ظاهره قد يوحي بأن التفكير في السيطرة على هذا السلوك الوظيفي، إن جاز لي التعبير، أو تعديله بما يكفل تكافؤ الفرص بين المتقدمين أو المؤهلين لشغل الوظائف أمر صعب لأسباب كثيرة لعل أولها وأهمها الحرية التي كفلتها الأنظمة لمنشآت القطاع الخاص في استقطاب من ترى مناسبته وكفاءته للعمل بغض النظر عن أية قيود قد تحد من هذا الأمر ولا سيما أن الجدارة لا تقاس في كثير من الأحيان بالخبرات السابقة أو الشهادات بقدر ما تقاس بمواهب ذاتية وقدرات قيادية أو إنجازية محددة، ومع ذلك تظل هناك قواسم مشتركة بين منشآت القطاع الخاص تساعد على ترتيب أمور التوظيف فيها بالحدود الدنيا على الأقل. في القطاع العام هناك وزارة الخدمة المدنية التي تعتبر بمثابة بنك المعلومات الذي تتوافر لديه قوائم طالبي العمل وقوائم الوظائف الشاغرة، وهي تقوم بدور المفاضلة بين المتقدمين بناء على معايير نظامية، الأهم في هذا الدور في نظري هو إتاحة الفرصة للجميع في شغل الوظيفة الشاغرة وهذا لا يتوافر اليوم في القطاع الخاص بالرغم من أهميته. ربما يرجع السبب في ذلك للأسف إلى إخفاق مكاتب العمل في مناطق المملكة في تفعيل دورها الأهم، في نظري، وهو العمل كوسيط فاعل بين أصحاب العمل وراغبي التوظيف، لأنها ركزت في جهودها طوال السنوات الماضية على ترتيب أوضاع الاستقدام لمنشآت القطاع الخاص وغفلت عن توظيف السعوديين. فما زال الدور الذي تؤديه مكاتب العمل حتى اليوم لا يسهم بشكل فاعل في توفير الكفاءات الوظيفية لمنشآت القطاع الخاص وهذا القصور ناتج، في ظني، عن عدم مواكبة ثقافة العمل فيها لمتطلبات منشآت القطاع الخاص، خصوصا عندما تواصل إرسال متقدمين لا تنطبق عليهم اشتراطات معينة يطلبها القطاع الخاص أو عدم بذل الجهد المهني الكافي لفرز الطلبات ومتابعة أصحابها وإجراء مقابلات تمهيدية لهم تحدد على ضوئها الخيارات المناسبة لهم، التي تضمن قدرا معقولا من الوظائف لهم، وأيضا عدم ربط أنظمتها الآلية بأنظمة التأمينات الاجتماعية للاستفادة من معلومات كثيرة ولا سيما عن الموظفين الحاليين والخبرات الوظيفية التي تساعد على تأدية دورها في توفير وظائف لكوادر الفئة المتوسطة والعليا. تحتاج مكاتب العمل إلى إدارة فاعلة تواكب التطورات وتلاحق المستجدات في طرق العمل الإداري، التي يأتي في مقدمتها معاملة منشآت القطاع الخاص بطريقة جديدة تعتمد أسلوب الشراكة بدلا من أسلوب المساومات الحالي الذي لا يجدي نفعا على المدى الطويل. في الوقت الحاضر يحمل آلاف من راغبي العمل ملفاتهم ويدورون على المنشآت يبحثون عن وظائف تناسبهم، في حين أن من الممكن توفير هذا الجهد لو تم تفعيل الوسائط الفاعلة لربط طالبي العمل بأصحاب العمل. لن نستطيع السيطرة على مشكلة البطالة دون تفعيل دور مكاتب العمل، لأن ذلك سيؤدي إلى تحليل أدق لأسباب هذه المشكلة ووضع حلول ناجعة لها، بما في ذلك إعادة التأهيل إذا تطلب الأمر ذلك، فمن تابع قوائم راغبي العمل التي قامت صحيفة "الاقتصادية" بنشرها قبل عدة أشهر يلاحظ عدم دقتها، لأنني شخصيا اتصلت على أكثر من 20 طالب عمل ممن تضمنتهم إحدى القوائم، ولم أوفق في الحصول على موافقة أحدهم لإجراء مقابلة شخصية، إما لعدم رغبتهم في العمل أو لأنهم التحقوا بأعمال أو لأن أرقام الاتصال غير صحيحة، وهذا هو مربط الفرس. جريدة الإقتصادية عبد المجيد بن عبد الرحمن الفايز - كاتب اقتصادي