التفكيـر العبقـري
التفكيـر العبقـري
التفكيـر العبقـري
التفكيـر العبقـري
الإبداع ومرجعيته..فى عصر المعلوماتية

بقلم: السيد نجم

فى عصر المعلوماتية أصبح من الصعب الحد من النشاط الفكري للإنسان. فقد أصبحنا نجد الأعمال الأدبية والفكرية تتسلل الى شبكة "الإنترنت" , لتعلن عن نفسها , بعيدا عن المؤسسات,إذ الإنترنت لا وطن له.
لكن هل ذلك أن العمل الإبداعي الفكري ليس له حدود ولا ضوابط؟ ما هي المرجعيات التى يمكن أن تكون مصدرا للعمل الإبداعي الأدبي والفكري؟
هذا هو محور كتاب"آفاق الإبداع ومرجعيته..فى عصر المعلوماتية" الذي صدر عن "دار الفكر المعاصر" اللبنانية, ضمن سلسلة " حوارات لقرن جديد" وبقلم "د.حسام الخطيب", "د.رمضان البسطويسى".
الإبداع مصطلح أثير ومثير معا.. أثير لأنه يحلو لكل إنسان فردا وجماعة, أن ينسبه لنفسه, دلالة على تميزه , على العكس من التقليد والتكرار والمحاكاة, لأنها تلغى ذاته.
والإبداع مثير , لما ينطوي عليه من احتمالات..أن يكون الإبداع فى اتجاه الانكفاء والهبوط أو فى اتجاه التقدم والارتقاء..هل سيحمل صفة الإبداع فى الاتجاهين على حد سواء؟!
لكن الإبداع فى النهاية مخالفة وتحد يتجاوزان المألوف. كما أنه موهبة , ومسئولية على المبدع.
يوضح الدكتور حسام الخطيب أنه حين يبدأ الإنسان بمحاولة الكتابة فى الموضوعات المعاصرة يلاحظ فورا ضرورة تحديد مدلولات المصطلحات المتداولة , ويكتشف اثر ذلك أن رواج المصطلح لا يعنى أبدا وضوحه, بل إن تداول كلمات مثل: المرجعية, المعلوماتية, والإبداع, قد يؤدى الى تحميلها دلالات فضفاضة من شأنها أن تفسح مجالا لتفسيرات واستنتاجات متضاربة.
أما "مرجعية" قد تعنى المرجع وعملية الرجوع إليه. ويقصد ب"إبداع" عادة إنتاج الأدب, ولا تماثل كلمة الإنشاء والخلق. وربما من المفيد الاقتراب من اصطلاح "النص" وهو فى المعاجم يفيد أنه الكلام الأصلي المنسوب الى المؤلف. ثم جاءت "المعلوماتية" التى ظهرت عام 1962م فى فرنسا..ويمكن القول بأنها تعنى معطيات واستعلامات تم تسجيلها أو تصنيفها وتنظيمها فى إطار عمل معين لإظهار دلالاتها.
فيما يوضح الدكتور رمضان بسطاويسى أن الحديث عن الإبداع, يعنى تجاوز أدبيات الفكر الفلسفي التى تتناول الحرية بوصفها موضوعا للتأمل العقلي.بل الحرية فعل ينتقل من الإمكانية الى الوجود, وإذا كان الإبداع فعلا للتحرر تعبيرا للصراع بين المبدع وذاته ومجتمعه.
وبدأت تثار علاقة السلطة بالحرية, منذ أن كانت دعوة الإنسان فى الغرب يدعو الى التحرر من قبضة الكنيسة هناك. وارتبطت فكرة الوعي بالمصير عند كل المفكرين فيما بعد , فالحرية لا تطابق المعقول, بل إن الوعي بالمصير يجعل الإنسان/ المبدع يطمح لتحقيق ما قد يبدو مستحيلا ولا معقولا, فللحرية حدود هي بعينها شروطها, فالشاعر لابد أن يعرف قوانين اللغة التى يكتب بها, ليدرك أبعاد صراعه مع الضرورة.
أما المحور الآخر فى الكتاب فهو تعليق كلا الكاتبين على دراسة الآخر وهو ما سنعرضه بسعة أكبر. فقد علق د.حسام على دراسة د.بسطويسى بقوله: تشكل قراءة ورقة د.رمضان فرصة كبيرة للتجول فى آفاق التفكير الفلسفي المتعلق بمعنى الحرية والإبداع والفن وعلم الجمال والحداثة.
فقد ربط محور "الحرية والإبداع" ربطا محكما بين الحرية والإبداع , مع التركيز على أن الحرية فعلا وليست موقفا عقليا. وتبدو الحرية شرطا أوليا للإبداع, ويكون الإبداع بدوره شرطا لكي تصبح أفعالنا حرة..وهى ما يدفعنا الى أهمية البحث فى مفهومي الحرية والإبداع.
وخلاصة القول أن الحرية ليست مجرد فكرة أو مبدأ , بل قوة مؤثرة فى خلق أعمال معينة.
أما المحور التالي "عناصر التسلط التى تعوق الإبداع..سلطة الفن والدين واللغة ثم سلطة المعرفة والثقافة, وعلى حد قول الكاتب:"واكتشاف هذه العلاقات يجعل المبدع يمتلك الوعي بالتحرر من سلطان التسلط"
ثم محور "الخبرة الجمالية فى الإبداع والتلقى"..وهى قضية شائكة حيث وضع المتلقي على قدم المساواة مع المبدع أو حتى الناقد ..والأفذاذ منهم أيضا, وهو ما يجدد السؤال حول طاقة وامكانية المتلقي فى حريته أعادت بناء العمل الفني.
وكان المحور الأخير لدراسة د.رمضان"جماليات الفن بين الحداثة وما بعد الحداثة"..وقد عقب د.حسام موضحا أن الدراسة تميل الى تصنيف علم الجمال المعاصر للعمل الفني بأنه نوعان:- نوع مغلق على ذاته.
-نوع مفتوح لاعادة القراءة والإنتاج.
وهو ما دفع الى إبراز السؤال: ماذا تكون مهمة الناقد إزاء أعمال توصف أنها فنية, ولكنها تكون جامدة "تعتمد على مفاهيم لا تزال سائدة فى الواقع أو الماضي التاريخي؟" هل تظل هذه أعمالا فنية؟ وإذن كيف نفتحها ونتلقاها إيجابيا؟ أو نحذفها من عالم الفن؟ وعند ذلك نكون قد دخلنا فى متاهة سلطة بائدة هي سلطة الناقد!!
أما تعقيب د.رمضان على دراسة د.حسام..أوضحت أن تلك الدراسة تكمل ما حاول البسطويسى تقديمه , لأنها قدمت دراسة عن مرجعية النص فى عصر المعلوماتية ..مع استعراضا تاريخيا حول المرجعية الأدبية للنص .
القضية الأولى التى طرحها هي أن تسليمنا بالتقدم التكنولوجي, وثورة المعلومات لا يعنى الفهم النقدي لها. وقد تعقدت المنتجات التكنولوجية الى درجة أثرت فى تكوين الإنسان, وأفقدته قدرته على التأمل وتنمية روحه الداخلية .
وقد أشار د.الخطيب الى خطورة فى النص الجديد (على الإنترنت) وهو أنه يتضمن لغات عديدة, تؤثر على لغة النص الأصلية. فإضافة اللون والصوت والصورة للنص المكتوب سيؤثر على وظيفة اللغة الأصلية التى تعتمد على الإيحاء والايماء والتلويح والصمت.
وأن المعلوماتية برغم كل ثورتها لا تصنع (معرفة)!! بالمعنى الفلسفي والإنساني, لأن المعلوماتية كما نراها فى شبكة المعلومات الدولية متناثرة , يتم التعامل معها آليا عبر أجهزة الحاسوب, فهي وحدها لا تصنع معرفة.
فالمعلوماتية هي أداة فحسب, وتاريخ الحضارة الإنسانية هو تاريخ الأدوات تؤثر بدورها فى طريقة الحياة , ونوعيتها , ونظرة الإنسان للكون وإحساسه بالمكان والزمان. فكم المعلومات كثير ولكن ما يتمثله الإنسان هو الهام والمعنى.
عموما الاهتمام بالمعلوماتية يجب أن يتابع بدراسة فى علم التلقي وعلم التأويل..وكلاهما يتكاملان معا لمعاونة المتابع والاستفادة بأكبر قدر ممكن.