يعتبر مفهوم الرضا من أكثر مفاهيم علم النفس التنظيمي غموضا ذلك لأنه حالة انفعالية يصعب قياسها ودراستها بكل موضوعية، ولعلّ غموض هذا المفهوم هو الذي أدّى إلى ظهور المئات من البحوث والدراسات حول هذا الموضوع. فقد أشار " لوك " 1976 إلى ظهور أكثر من 3350 دراسة في هذا الموضوع في الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ولعلّ من أهم أسباب تعدد هذه البحوث اعتبار موضوع الرضا أحيانا كمتغير مستقل يؤثر في سلوك العمال كالأداء والتغيب والاتصال الرسمي والغير الرسمي، وأحيانا أخرى كمتغير تابع يتأثر بالأجرة والراتب ونظام المنح و المكافآت وهيكل السلطة ونظام اتخاذ القرارات وغير ذلك من المواضيع والمتغيرات النفسية والاجتماعية والمادية (المحيط الطبيعي). ومن أسباب تعدد الدراسات في هذا الموضوع أيضا عدم اتفاق الباحثين على تعريف دقيق للرضا في العمل ممّا أدى إلى تعدد التعاريف الإجرائية إلى جانب تداخل هذا المفهوم مع مفاهيم سيكولوجية أخرى كالروح المعنوية والدافعية.

ومهما يكن، فإن أي دراسة جديدة لموضوع الرضا في محيط العمل لا يمكنها أن تتجاهل النسق الاجتماعي- الاقتصادي الذي تنشط فيه المنظمة، ذلك لأنّ السخط عن محيط العمل بأبعاده المختلفة يمتد إلى السخط عن العمل نفسه مما يؤدي إلى الإحساس بالاغتراب والاحتقار والتفاهة وعدم الانتماء والولاء، ولعلّ إهمال البعد الاجتماعي والاقتصادي للسلوك التنظيمي والاقتصادي على التناول الجزئي عند دراسة هذا الموضوع هو الذي أدّى إلى التخبّط في معالجة هذا المفهوم.

وظهور العديد من البحوث والدراسات دون الوصول إلى نتائج علمية يمكن الاتّفاق على موضوعيتها، وتجدر الإشارة إلى أن أغلب بحوث ودراسات السلوك التنظيمي قد أجريت ضمن أطر إيديولوجية يسيطر عليها بدرجات متفاوتة المذهب الرأسمالي.
وهكذا فقد اعتبر تايلور العامل إنسانا اقتصاديا يمكن تسييره ودفعه بحوافز مادية لا غير، وأنّ هذه الحوافز المادية هي التي بوسعها أن تحقق الأهداف والمشاريع المرسومة من طرف الإدارة.

أمّا مدرسة العلاقات الإنسانية فقد حاولت رد الاعتبار لبعض الجوانب العاطفية والانفعالية في سلوك الإنسان، فركّزت على العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين ودراسة الاتجاهات دون الإشارة إلى المحيط العام الذي تنشط فيه المنظمة، وتأثير ذلك المحيط في توجيه المنظمة ومختلف الفئات التي تشتغل فيها. وآخر مدرسة في هذا الموضوع هي مدرسة النمو التي تلحّ على أنّ الحصول على الرضا إنّما يكون نتيجة تنمية المهارات والفعّالية وإعطاء المسؤولية للعامل وضرورة الشعور بأداء عمل يفترض تحديا ما، ولا يخفى أنّ هذا الاتّجاه هو محاولة لمكافحة الشعور بالملل والتفاهة التي يحس بها العمّال من جراء أدائهم لحركات تافهة مملة على مدار السنة، إلى جانب عدم الشعور بالاندماج والتكامل مع أهداف ومبادئ المنظمة التي تنشط ضمن إطار عقائدي ونمط ثقافي لا يتماشى مع تصوّرات وسلوك العمّال الذين يشعرون بأنّهم ليسوا أكثر من أدوات في مصانع عظيمة تطغى فيها المكننة و التسيير الإلكتروني.

ويبدو من مراجعة الدراسات السابقة بأنّ موضوع الرضا عن العمل قد ارتبط كمتغير مستقل أحيانا وكمتغير تابع تارة أخرى بعدّة مواضيع ومفاهيم أخرى كما تمت الإشارة إلى ذلك سابقا.

وهكذا فقد درست العلاقة بين الرضا والمواضيع التالية:

1- الرضا والأجر.
2- الرضا والترقية.
3- الرضا وظروف العمل.
4- الرضا والقيادة وزملاء العمل.
5- الرضا ونظام التسيير.
6- الرضا والصحة العقلية.
7- الرضا والأداء.

وفيما يلي نعطي بعض التعاريف حول مصطلح الرضا الوظيفي:
تعريف أول: " الرضا الوظيفي هو الشعور النفسي بالقناعة و الارتياح أو السعادة لإشباع الحاجات والرغبات والتوقعات مع العمل نفسه ومحتوى بيئة العمل ومع الثقة والولاء والانتماء للعمل".
تعريف ثاني: عرف " هوبوك " الرضا الوظيفي بأنّه " عبارة عن مجموعة الاهتمام بالظروف النفسية والمادية وبالبيئة التي تسهم متضافرة في خلق الوضع الذي يرضى به الفرد".
تعريف ثالث: يرى " سترونج " الرضا الوظيفي بأنّه " هو حصيلة العوامل المتعلقة بالعمل والتي تجعل الفرد محبا له مقبلا عليه في بدء يومه دون أية غضاضة".
تعريف رابع: يعرف " لوك " الرضا الوظيفي بأنّه " حالة عاطفية إيجابية سارة ناشئة عن عمل الفرد أو خبرته العملية، وينتج الرضا الوظيفي عن إدراك الفرد إلى أي مدى يوفر العمل تلك الأشياء التي يعتبرها هامة وله ثلاث أبعاد ":

- جانب شعوري عاطفي، الرضا الوظيفي هو استجابة شعورية تجاه جانب في العمل وبذالك لا يمكن رؤيته.
- الرضا الوظيفي يتقرر غالبا بمدى تجاوز النتائج للتوقعات.
- الرضا الوظيفي يمثل اتجاهات عديدة مترابطة.
تعريف خامس: يعرفه كل من " سارتن " و " تان " بأنّه " شعور جارف بالانتماء إلى الجماعة، وهو محصلة المشاعر التي يكسبها العامل نتيجة اشتراكه في الجماعة".

يمكن القول أن الرضا الوظيفي هو نتيجة تفاعل الفرد مع وظيفته وهو انعكاس لمدى الإشباع الذي يستمده من هذا العمل، وانتمائه وتفاعله مع جماعة عمله ومع بيئة العمل الداخلية والخارجية وبالتالي فهو يشير إلى مجموع المشاعر الوظيفية أو الحالة النفسية التي يشعر بها الفرد نحو عمله.