لقد بات من الثابت أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول العالم الثالث بخاصة لن تحقق غاياتها المنشودة ما لم ترافقها تنمية إدارية شاملة، لهذا كان الحديث خلال السنوات الأخيرة مستفيضا عن موضوع الإصلاح الإداري ، والأداء الوظيفي على وجه الخصوص .,وتقيم العديد من الدول ندوات وورش عمل ودورات تدريبية لتحقيق هذه الغاية ، انطلاقا من أن هذا الأسلوب يساهم في تحديث الأداء الوظيفي وتطويره بإعتبار أنه يكمل الخبرات التي يفترض أن يكون العامل قد اكتسبها خلال عمله.ولكونه يربط مابين مساري الوظيفة والتدريب وبالتالي يحقق زيادة في الفعالية الوظيفية ويحسن من كفاءة العاملين.مما ينعكس أثره إيجابا على عمل المؤسسة ويزيد من إنتاجيتها .وتحديث الأداء الوظيفي أصبح هما يشغل بال المعنيين بالتنمية ، بعدما انتشرت قيم مستحدثة تنافي أخلاقيات العمل وأصبح الاهتمام بالشأن العام لا يلقى نفس الاهتمام الذي تلقاه المصالح الشخصية، ويعتقد الكثير من خبراء الإدارة أن عملية التحديث والتطوير وإن كانت تعني جميع العاملين في أجهزة الدولة فهي ضرورية بالدرجة الأولى لصانعي القرار، والذي يمثل المديرون جزءا هاما منه.ومن المتفق عليه إن القيادة هي أهم عنصر من عناصر الإدارة، وحسن اختيارها يعتبر المدخل الأساس للإصلاح الإداري سيما وأن العديد من دول العالم التي تعاني من ضعف الإدارة لا تراعي الشروط الموضوعية في اختيار القادة الإداريين والعديد منها لديها خـلل في أنظمة التعيين والتوظيف وعدم وضوح في مواصفات الوظيفة ، مما يترك الباب واسعا لانتشارالمحسوبية والرشوة أيضا. وفي بعضها لا تحوي الأنظمة الداخلية لمؤسساتها سوى مواصفات فنية لشاغلي الوظائف بما فيهم المديرون ( الشهادة مثلا وأحيانا قليلة ,الخبرة). ولا توجد فيها نصوص تجعل التدقيق في قدرات الشخص الذاتية موجبة باستثناء موضوع المقابلة الشخصية التي غالبا ما تكون شكلية. بينما تجاوزت الدول المتقدمة ذلك إلى اشراك الشخص نفسه في عملية الانتقاء .ولكي يحصل ذلك يتوجب أن يكون هناك نظام يتيح للقيادة العليا إجراء تقييم دوري لقدرات المديرين وعطاءاتهم وأن يسمح بصرف الفاشلين منهم . وعندها يصبح المرشح للإدارة مشاركا في عملية القبول أو الرفض وفقا لتقديراته الشخصية لمدى نجاحه بالعمل المرشح له. قد لا يكون هذا الأمر واقعيا بالنسبة للدول النامية لأن ثقافتنا لا تتضمن مثل هذا الاسلوب ، ولأن فرص العمل المتاحة لمثل هذه المناصب قليلة والطامعين بها كثر ناهيك عن المكاسب المعنوية والمادية التي ترافق مثل هذه المواقع ،ولكن إذا كان هناك تقويم جدي لعمل هؤلاء مستقبلاوتحسنت أجور العاملين عامة ، وأصبحت النظرة المجتمعة إلى الفشل في القيادة كما الفشل في غيرها فقد يحصل شيء من هذا.أما بالنسبة للمديربن القائمين على رأس العمل فلا شك أن كثيرين منهم يهمهم النجاح في عملهم لكن الرغبة بامتلاك وسائل الرفاهية باسرع وقت ممكن ربما تصرفهم عن تطويرأنفسهم وتطوير مؤسساتهم ، وبالرغم من ان تأمين الحاجات المادية والنفسية وحتى الاجتماعية أمر مشروع كي يكون المرء راضيا عن عمله ، يشعر بالأمان على مستقبله وأسرته وأنه مقبول اجتماعيا ،إلا ان الانصراف إلى تأمينها أولا على حساب العمل هو المرفوض . والشيء الأخرالذي لا يقل أهمية عن ذلك هو إن العديد منهم لايسعون لتطوير قدراتهم سواء من قبل أنفسهم أو من قبل دوائرهم . بل ان البعض وبمجرد جلوسه على الكرسي يعتبر نفسه قد حفظ علم الإدارة بأكمله وأن قدراته هي التي أهلته لهذا المنصب .كما إن البعض الأخر ممن لديهم القدرة والرغبة على العطاء قد لا ينجحون في عملهم بسبب عزوفهم عن متابعة مستجدات علم الإدارة بالشكل الأمثل .حيث يؤكد خبراء الإدارة على أهمية هذا الموضوع ويشيرون بخاصة الى التعلم الذاتي من خلال : إجادة استعمال وسائط الاتصال الحديثة - إجادة إحدى اللغات الأجنبية- متابعة ما ينشر في مجال العلوم الإدارية – التدرب على تنمية المهارات السلوكية لديهم - والتنبه إلى أهمية أسلوب العمل حيث يعتبر هذا واحدا من أساسيات تحديث الأداء الوظيفي وعلى المدير أن يوليه الاهتمام الذي يستحق من ذلك : تنظيم الوقت- وضع أولويات عمل يومية وأسبوعية – استثمار الموظفين بالشكل الأمثل ، إضافة إلى إتقانه للمهام الأساسية للإدارة : التخطيط- التنظيم- المتابعة – التقييم .وثمة من يقول إن الضغوط النفسية والمادية التي يعاني منها بعض المد يرين تجعلهم عازفين عن فعل ما سبق .ويشيرون إلى ردود الفعل التي تخلقها تلك الضغوط ويقولون : هيا أنظر اليهم تراهم عبوسا، منفعلين، لا يتواصلون مع زملائهم ، يخلقون المشاكل في كل زاوية من زوايا العمل .نعم يحصل هذا بالنسبة للبعض ولكن ما بال الذين أنعم الله عليهم بالسيارات والخدم والنفقات النثرية والميزات التي لا حصر لها لا يفعلون ذلك؟ لماذا لا يوزعون المسؤوليات على مرؤوسيهم وفق مؤهلاتهم، وما الذي يمنعهم من الثناء على المجدين واتخاذ الاجراءات التأديبية بحق المقصرين ، وكم من الوقت يضيعونه في استقبال معارفهم أو التحدث مع بعض موظفيهم في مواضيع لا علاقة لها بالعمل ! والنتيجة كما يعرفها الجميع إضاعة للوقت وتدن في الإنتاجية. من المتفق عليه في علم الإدارة إن إحدى صفات المدير الناجح هي تنظيم عمله وعمل مرؤوسيه حيث يضع برنامجا يوميا وأسبوعيا لعمله يبدأ بالأشياء التي تجعل العمل يسير بصورة مرضية– الضروري أولا ثم الأهم فالهام وأخيرا الاعتيادي ويحدد سلفا ما هي الأعمال التي يجب أن يقوم بها شخصيا كما يحدد موعدا لتنفيذها .أما بالنسبة لمرؤوسيه فيحرص على أن يعطيهم مسؤوليات لتنفيذها وأن يكون جاهزا للتشجيع والمساعدة والتوجيه .وأن يحدد تماما ما يريده منهم آخذا بالاعتبار قدرتهم على تنفيذه والوقت اللازم لذلك ‘ وهذا يستلزم منه أن يجتمع بهم دوريا ويوضح لهم
ما يريده منهم ويتأكد أنهم فهموا ذلك. كماويشجعهم على التدرب والتعلم، ويحرص دوماأن تكون ردود الفعل على أعماله إيجابية ، عليه أن يبتعد عن أسلوب كسب الو لاءات ويتذكر انه المسؤول أولا وأخرا عن فشل فريقه الذي يحب أفراده أن يحظوا بالاحترام لشخصهم والتقدير لعملهم .ويحسوا بالانتماء للجماعة وأن لهم هدف واضح ، كما ويتم استثمار قدراتهم بنجاح.ولا شك ان أسلوب عمل المدير خلال الاجتماعات الدورية للعاملين معه يحقق بعضا مما ذكرناه. ومما يدفعنا إلى هذا القول ما لمسناه من بعض المدراء في هذه الاجتماعات من تغييب لديمقراطية الرأي وأسلوب التعالي والعناد وغير ذلك.وفي هذا المجال يرى الخبراء الإداريون ان المدير الناجح هو الذي يلتزم بما يلي : يصل الاجتماع في الوقت المحدد ويلتزم بجدول الأعمال وينصت إلى الآراء المطروحة باهتمام ويطلب مشاركة الجميع ويشجع عليها ويحاول أن يصل إلى نتيجة يلخصها في نهاية الإجتماع.ومن المتفق عليه أن الإدارة الناجحة لا تعني سنوات طويلة من الممارسة ولا وثيقة جامعية معترف بها ، إنما هي تغيير جذري في التفكير والقدرة والسلوك وباختصار ثقافة إدارية شاملة .لقد أثبتت التجارب في العديد من دول العالم الثالث أن فشل التنمية لا يعود بالضرورة إلى عدم توفر التمويل الكافي كما يعتقد الكثيرون بل في عدم توفر القدر الكافي من الكفاءات الإدارية القادرة على إدارة المشروعات بنجاح.إن تحسين الأداء الوظيفي بالإضافة إلى كونه عملية تغيير ثقافي تشمل السلوك والاتجاهات والمهارات والاهتمامات فإن التأييد والدعم من الجهات الوصائية العليا يعتبر عاملا أساسيا لنجاحه وإن النقص في هذا الدعم يؤدي إلى فشل جهود التحسين .وعلينا أن نتذكر دوما أن تحسين الأداء الوظيفي ما هو إلا جانب من جوانب الإصلاح الإداري المتعددة الوجوه وما لم تكن هناك خطة واضحة للإصلاح الشامل فإن جهود التحسين هذه تبقى محدودة الفائدة.
هايل القنطار