فريد مناع
ألم يكن كافيًا أن ينجح الإنسان نجاحًا ذاتيًّا؟ ألم يكن كافيًا أن يصنع الإنسان هدفه؟ ثم يرسم خطته؟ ثم يذكي جذوة الإيجابية في نفسه؟ وإن كان الإنسان قد حقق الخطوات الثلاث السابقة، فلماذا يتعب نفسه؛ كي يتعلم فن الانتصار مع الآخرين؟! وقد يكون كلامك صديقنا هذا صحيح لأصحاب الهمم الضعيفة، والآمال المتواضعة، أما أصحاب الهمم التي تناطح الجبال، والآمال التي تناوش النجوم والأقمار، فلا يرضون بالنجاح الذاتي، بل يضيفون إليه نجاحًا مع الآخرين. وفي السطور القليلة القادمة، سوف نسرد مجموعة من الجوائز التي تنتظر كل واحد يسعى في أن يضم للنجاح الفردي نجاحًا جماعيًّا، ومن أهم تلك الجوائز ما يلي: 1. يد واحدة لا تصفق: إذا أمعنت النظر في الحياة، لوجدت أنه من المستحيل أن يحقق الإنسان نجاحًا متوازنًا وحقيقيًّا، من دون أن يشترك فيه مع الآخرين، فكما قيل: (مهما بلغت براعة القائد، فإنه لا يستطيع أن يخوض معركة وحده بدون جنوده). وهناك حكمة قديمة تقول: (يد واحدة لا يمكن أن تصفق)، نعم لا يمكن أبدًا أن تصفق يد واحدة، كما أنه لا يمكن أبدًا أن يتحقق نجاح فرديٌّ دون مساندة الآخرين. 2. أسرع الطرق: فإذا كنت تبحث عن أسرع وسيلة للوصول إلى هدفك، فابحث عن آخرين يشاركونك غاية الوصول. ولذا؛ فإن أسرع وصفة للفشل والإحباط هو أن تتخلى عن الآخرين كما قال هوارش مان: (أن نتخلى عن مساعدة الآخرين يعني أننا نهدم أنفسنا). وهنا يأتى حديث النبي r ليتوج كل هذا الكلام، بخير الكلمات وأعمق العبارات، فيقول: (من فارق الجماعة شبرًا، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) [رواه أبو داوود، وصححه الألباني]، ويقول أيضًا: (فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية) [رواه الحاكم، وحسنه الألباني]. فعندما يترك الفرد المجموع وينعزل وحده منفردًا فهو كالشاة القاصية عن القطيع، المعرضة لهجوم خاطف من الذئب في أي لحظة، فاستمسك بالعمل مع الآخرين فهو طريق النجاح والتميز. 3. درس من الجراد: وتأمل في هذه الحشرة البسيطة الضعيفة كيف تتحول إلى عملاق مرعب ضخم لا يستطيع أحد إيقافه؛ حينما تتحد مع غيرها من الجراد، ويسيرون معًا في سرب واحد بتناسق تام؟! انظر إلى ما أوردته منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة حول الجراد، في غضون هجوم الجراد الصحراوي عام 1988م، حيث تمكّنت الأسراب من عبور المحيط الأطلنطي بأسره، إنطلاقًا من موريتانيا إلى الإقليم الكاريبي، فقطعت بذلك مسافةً لا تقل عن 5000 كيلومتر في عشرة أيام. علمًا بأن الجرادة حشرة غير قادرة على السباحة، فكيف تمكّنت هذه الحشود الهائلة من قطع تلك المسافة الشاسعة عبر مياه المحيطات؟! وسرعان ما أسقط في يد الخبراء، حيث وجدوا أن الحشود كانت تهبط في المحيط على متن أيّ سفن في الطريق، وأيضًا فوق سطح الماء فما أن تغرق الأفراد الأولى من الجراد حتى تتحوّل إلى طوّافاتٍ عائمة للرفاق ، بحيث تستريح فوقها. لقد استطاع الجراد أن ينتصر في معركته بفضل تعاون أفراده واتحادهم التام، واستعداد أي فرد في السرب للتضحية بحياته لأجل الآخرين. وحتي العلماء فقد تملكتهم بعض الحيرة؛ إذ تهبط أسراب الجراد الطائرة عادةً كل ليلة؛ للاستراحة من عناء السفر. 4. أعظم مؤسسة في العالم: والمثال العملي الأكثر قوة ونجاحًا في الأرض، الأكثر دلالة على أن الجماعية سنة كونية في هذا الوجود لا يقوم إلا بها، هو مملكة النحل، تلك المنظمة الطبيعية الضخمة التي تفوق أي مؤسسة في العالم من حيث الإنتاجية والجودة وكفاءة الإدارة وقوة النظام . وإليك تقريرسريع عن أعظم مؤسسة في العالم: (مؤسسة النحل لإنتاج العسل). - منتج المنظمة: عسل النحل حاصل على شهادة جودة من خالق الكون، حيث ذكره الله في كتابه فقال: {يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس} [النحل: ٦٩]. - تاريخ المنظمة: يقوم النحل بهذا العمل منذ نحو(150) مليون سنة. - فروع المنظمة: فروع لا حصر لها في كل دول العالم تتمثل في خلايا النحل المنتجة للعسل. - كمية الإنتاج:بلغ الإنتاج العالمي من العسل حوالى (1.2) مليون طن في (2003). - مدير المنظمة: ملكة النحل. - أهم الوظائف في المنظمة: تختلف وظائف الأفراد باختلاف نوعها (ملكة، شغالة، ذكر)؛ فلكل فرد له وظيفته الخاصة به. أ*. الملكة: وظيفتها التزاوج ووضع البيض؛ لضمان استمرارية دورة الحياة في المستوطنة. ب*. ذكر النحل: مهمته الوحيدة تنحصر بعملية التزاوج مع الملكة؛ وتـتسبب عملية التزاوج هذه في موت الذكر الذي يؤدي تلك المهمة، وبذلك يضحي هذا الذكر من النحل بنفسه لأجل المجموع؛ ليكون مثالًا للتفاني ونكران الذات، وقدوة في ترك تلك الأنانية البغيضة التي تسيطر على بعض بني آدم. ت*. النحلة العاملة: تتميز النحلة العاملة بصغر حجمها، والنحلة العاملة هي أنثى غير ناضجة وغير مؤهلة للتزاوج مدى الحياة، وتختلف أدوارها حسب تقسيم العمل، حيث يراعى في مملكة النحل مبدأ إداري هام جدًا ألا وهو؛ التقسيم والتكامل بين الوظائف التالية: جمع الرحيق، وتنظيف الخلية، وحراستها، والبناء والتشييد، وإرشاد غيرها. 5. أقوى إنسان في العالم اسمه (ن ح ن): هل تعرف النظرية الهندسية التي تنص على أن مجموع طولي أي ضلعين في مثلث أكبر من طول الضلع الثالث؟ إنها تعني أنه يستحيل أن يوجد أي مثلث طول ضلع فيه أكبر من مجموع طولي الضلعين الآخرين، وإذا كان طول ضلع واحد لا يستطيع أن يساوي طول ضلعين معًا؛ فكيف به أمام آلاف من الأضلاع المجتمعة معًا؟ ولذا فليست العبرة من الأفضل أو الأكثر قدرة، ولكن العبرة أننا معًا أفضل كما قال دان زادرا: (لا أحد يستطيع أن يكون الأفضل في كل شيء، ولكن عندما نوحد مواهبنا جميعًا، نستطيع أن نكون الأفضل في كل شيء تقريبًا). فعلامة نضجك النفسي والفكري في هذه الحياة هو أن تتحول من شخص يبحث عن (الأنا)، ويتحدث دائمًا بلغة (أنا)؛ إلى شخص همُّه (نحن)، ويتحدث دائمًا بلغة (نحن). 6. الحبل المتين: لقد حرص الإسلام على الجماعية وعلى أن يكون المسلمون يدًا واحدة متحدين غير متفرقين قال تعالى: {واعتصموا بحل الله جميعًا} [آل عمران: ١٠٣]. وقد ضرب رسول الله r لنا مثالًا يوضح لنا صورة التعاون والاتحاد، التي يجب أن يكون عليها المسلمون، وكيف يتعايشون معًا بروح (نحن) فقال r: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) [رواه مسلم]. وانظر كيف حرص النبي r على أن يتمثل المسلمون بروح الجماعية حتى في أمر السفر، حيث قال r: (لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده) [رواه البخاري]. بل حتى الشعائر التعبدية تتحقق بشكل أفضل، ويحصل بها ثواب أكبر؛ عندما تؤدى جماعة، فصلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، والحج يؤدى مع ركب من المؤمنين، وصيام رمضان مع مجموع المسلمين فرض، بينما نافلة الصيام تؤدى منفردة، وهكذا فالأمر مطرد في جميع الشئون الدينية. ويكفي في ذلك قول الله تبارك وتعالى: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة: ٢]. وبسبب تربية النبي r لصحبه الكرام y على روح الجماعية، حتى أصبحوا فعلًا كالجسد الواحد، نجح ذلك الجيل الفريد في أن يحقق أعظم إنجاز عرفته البشرية، من إقامة دولة الإسلام، وإرساء دعائم الحضارة الإسلا مية وكل ذلك في زمن قياسي لا يعد في حساب الأمم شيئًا.