تعمل سينثيا مونتغمري أستاذة جامعية في كلية هارفارد للأعمال وتقوم بالتدريس هناك منذ عشرين عاما. وخلال السنوات الست الماضية، كانت سينثيا المسؤولة عن تعليم فن التخطيط الاستراتيجي في برنامج الكلية ذائع الصيت والمصمم خصيصا للمدراء التنفيذيين الذين يديرون أعمالهم الخاصة، حيث يتلقى البرنامج قادة الأعمال من الشركات المتوسطة من أنحاء العالم كافة. وقد نالت مونتغمري جائزة غرين هيل لإسهاماتها المميزة في مساق فن التخطيط الاستراتيجي في كلية هارفارد للأعمال.
كما تعتبر من الكتاب المشاهير في مجلة هارفارد بيزنس ريفيو، وقد نشرت مقالات عدة في صحيفة الفاينانشال تايمز وأمريكان ايكونوميك ريفيو وغيرها.
وقد عملت في مجلس إدارة اثنتين من الشركات المصنفة ضمن قائمة مجلة فورتشن لأفضل 500 شركة، وفي عدد من الشركات الاستثمارية التي أدراتها شركة (بلاك روك- BlackRock). يحمل كتابها الجديد عنوان “المخطط الاستراتيجي: كن القائد الذي تحتاجه شركتك”.
في هذه المقابلة، تتحدث سينثيا عن كتابها الجديد الذي يتناول مسألة تحديد من الأصلح ليكون مخططا استراتيجيا وكيف يمكن للموظفين الشباب أن يصبحوا كذلك وقضايا أخرى.
لماذا أسميت كتابك “المخطط الاستراتيجي” ومن هو الجمهور الذي تخاطبينه في الكتاب؟
اخترت هذا العنوان لأسلط الضوء على دور العنصر البشري في وضع الاستراتيجيات.
فمعظم الناس يظنون أن المخطط الاستراتيجي يجب أن يتوافر قبل وضع الاستراتيجية ولكن غالبا ما يتم تجاهل هذه المسألة عند كتابة المؤلفات أو المقالات حول الخطط الاستراتيجية. قلما نقرأ مواضيع تتحدث عن المخطط الاستراتيجي أو ما يتطلبه هذا الدور الهام من قائد الأعمال.
وبالتالي فقد ألفت هذا الكتاب من أجل القادة الذين يتحملون المسؤولية الكلية عن مشاريعهم التجارية- سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ربحية أو غير ذلك، ومن أجل أولئك الذين يطمحون في مناصب مشابهة.
هل بإمكان أي شخص أن يصبح مخططا استراتيجيا أم أن ذلك محصور ضمن فئة معينة؟ ولماذا؟
أطلق مسمى مخطط استراتيجي على مدير الشركة أو من يتحمل المسؤولية الإجمالية عن مهامها ورؤيتها. غير أن من الواجب على الأشخاص العاملين في المؤسسة ذاتها أن يدركوا معنى الاستراتيجية ويعملوا به. فلا أحد يستطيع إنجاز عمله أو اتخاذ القرار الصائب دون أن تتضح له الصورة الأشمل وما تطمح إليه شركته وأسلوبها في تحقيق هذه الطموحات.
إذا لم تكن استراتيجية الشركة واضحة، فينبغي على العاملين في كافة أقسام هذه الشركة أن يطالبوا بإيضاحها. وإذا كانت الأجوبة غير مرضية أو كافية، فلهم الحق حينئذ في الارتياب بمستقبل تلك الشركة أو التشكيك باحتمال ازدهارها في المستقبل.
كيف يمكن للموظف الشاب أن يصبح مخططا استراتيجيا؟ ما هي التحديات والصعوبات؟
يستغرق الأمر بعض الوقت كي يتقن الانسان المهارات والخبرات المطلوبة من المخطط الاستراتيجي. ومن هذه المتطلبات: العلم- أي القدرة على تحليل الأوضاع، ما يقتضي جانبا كبيرا من الحكمة والحدس السليم. إن التخطيط الاستراتيجي هو أسلوب رؤية وتفكير وعمل. وسوف يحترف المرء القيام بكل هذه المسائل من خلال الممارسة.
عليك أن تتخيل عملك وكأنه صورة في مربع صغير. ومن ثم عد إلى النظر إلى ذلك المربع باعتباره جزءا من صورة أكبر. تأمل الروابط التي تجمع بين نشاطات الشركة- هل صممت بحيث تصل جميعها إلى هدف مشترك؟ هل يقوم كل نشاط بتعزيز الآخر؟ هل الصلة بينها وثيقة؟ ثم عليك الانتقال إلى رؤية أوسع بالسؤال: ما هي مكانة الشركة في السوق؟ هل لها تأثير حقيقي؟ هل سيفتقدها أحد إن توقفت عن الوجود؟ ولماذا؟
يدرك كي لو، رئيس قسم الخدمات في مايكروسوفت، الطبيعة الجوهرية للتحدي القائم أمام شركته. فهو يرى أن المسألة ليست متعلقة بالسرعة أو البطء، وإنما في التخطيط للأسباب التي قد تدفع الناس إلى التوجه لشراء منتجات الشركة أو استعمال خدماتها.
أيمكنك طرح مثال على أحد المخططين الاستراتيجيين الناجحين، وكيف استطاع إحداث تغيير ملحوظ؟
لقد أحدث ستيف جوبز، بوصفه استراتيجيا، تأثيرا إيجابيا كبيرا على شركته؛ كما أخفق في مناسبات متكررة. فبعد نجاح شركة أبل في البداية، دعا إلى ابتكار تقنية حديثة لم تكن للسوق حاجة بها. ثم رحل جوبز عن أبل وفعل الشيء ذاته في (نكست- NeXT) حتى كاد يتسبب في انهيار الشركة. وبمقدور الإنسان أن يتعلم كيف يصبح استراتيجيا من أخطاء جوبز ومن انتصاراته في آن معا.
ولأخذ فكرة أوضح عن الانتصارات التي حققها جوبز ومعرفة السبب وراء اعتبارها تمثل الاستراتيجية الأفضل، أدخل إلى موقع يوتيوب وشاهد الخطاب الذي ألقاه في عام 2001 لدى (ماك وورلد- Macworld)، عقب عودته إلى شركة أبل التي كانت على شفير الإفلاس آنذاك. يشرح جوبز وجهة نظره تجاه عالم الحواسيب والعصور الذهبية الثلاثة لهذه الأجهزة، ثم ينتقل إلى التصريح بحذر حول أهداف شركة أبل بحلتها الجديدة، وما ستقدمه لهذا العالم الرقمي ولماذا سيكون لها شأن عظيم في المستقبل؟ ثم قم بدمج هذا الخطاب مع ما تلاه من إنجازات- مثل الآيتيونز والآيبود والآيباد والآيكلاود- فتكتمل لديك صورة الاستراتيجية العبقرية التي نفذها بإحكام.
ما الذي استفدتيه شخصيا من مساق فن التخطيط الاستراتيجي في كلية هارفارد للأعمال؟
لقد عملت مع آلاف المدراء في الماضي، ولكن هذا المساق المخصص للمدراء ذوي المشاريع الخاصة كان المرة الأولى التي تعج فيها قاعة المحاضرة بمدراء الشركات. فقد أصبح التخطيط الاستراتيجي في هذا المساق مسألة شخصية تهم كل واحد منهم ولم تعد مجرد مهارة يتعلمونها كغيرها. وإذا ما نجحوا في وضع الاستراتيجيات بشكل متقن في شركاتهم، فالسبب في ذلك يعود إلى أنهم قد تحلوا بالشجاعة الكافية كي يطرحوا الأسئلة التي تهم شركاتهم بالقدر الأكبر، وإلى أنهم وكانوا جادين في بناء مؤسسات راسخة لتحقيق الطموحات. لقد أتاحت لي هذه التجربة أن أرى كم أغفلنا الجانب الإنساني في عملية التخطيط الاستراتيجي وكم من الضروري بالنسبة لنا أن نستعيد هذا العنصر الحساس.
نقلا عن فوربس الشرق الاوسط |