إن العمل مفهوم إنساني راقٍ، تحرص عليه كل الأمم الناجحة، وتقدّره كل القوانين التي تسعى إلى الإبداع، وتطمح إلى التفوق والتميّز.
لذلك تبدو قيمة العمل عند الياباني مختلفة عن قيمته عند العربي، فالياباني يكاد يكون العمل هو الهوية والقبلة والاتجاه الذي يركّز عليه، وقد قرأت خبراً يشير إلى أن العمّال في اليابان قد أعطوا حوافز في حال تقديمهم لطلبات الإجازة، فهم هناك يشتكون بأن العمّال لا رغبة لهم في الإجازة، وما ذاك إلا لمتعة العمل وقدسيته وأهميته.
ومن يتتبّع رؤية الإسلام للعمل يجد أنها رؤية حضارية، ومن أبسط الدلالات عشرات الأحاديث التي تحثّ على العمل وتؤكد عليه، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وبارك: خيركم من أكل من يده، ولم يقل خيركم من أكل من لسان فمه، من أمثال المتكسبين باللسان الذين يعملون بحناجرهم، تلك الشرائح البشرية التي تصنف ضمن الشعراء والدعاة والوُعّاظ.
بل إن القرآن أضاف إلى العمل وصفاً حسناً، حيث قال تعالى: لنبلوكم أيكم أحسن عملاً، ولم يقل أكثر، لأن العبرة بحسن العمل لا بكثرته.
وطالما أننا في صفحة اللغة فإنني لاحظت تغيّر المفاهيم، ففي السابق كنت إذا سألت عن شخص، قيل لك أنه في العمل أو كما يقول المصريون في الشغل، وهذا المفهوم يدلّ على الحركة والإنجاز والنشاط والغزارة في الحركة، ولكن منذ سنوات بدأ يتوارى هذا المفهوم ليأتي مفهوم فاسد اسمه “الدوام”، وتلاحظ أنك إذا سألت أحدهم في الليل لماذا تنام مبكراً، سيقول لك مباشرة: “ورايَ دوام”، ولا يقول شغل أو عمل.
ومفهوم الدوام مفهوم سقيم، حيث يرتبط بالحضور والانصراف وتوقيعهما، كما يدل على جلوس الموظف مكان العمل من غير إنجاز، وبالتالي فهم الموظف أن الراتب الذي يتقاضاه عن وظيفته لا يرتبط بإنجاز أو عمل حقيقي، وإنما بالحضور والمداومة، أي شراء وقت الموظف، بغض النظر عن إنجازه من عدمه.
حسناً، ماذا بقي؟
بقي القول تأملوا عبارة أحدهم عندما يقول لك: جاني فلان وخدمته، مع أن هذه الخدمة حق من حقوق المواطن في هذه الدائرة، ولكن نظراً لأن المفهوم انتقل من العمل إلى الدوام، جاءت مثل هذه العبارات القاتلة، ومثل هذه الجملة تختصر الحكاية من البداية إلى النهاية.
أحمد العرفج
تويتر: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
رابط الخبر بصحيفة الوئام: أقوال العوام في الفرق بين العمل والدوام