العمل قيمة غليا من قيم الإسلام ، فهو أس الدين وركيزة الإيمان وقوام الحياة الطيبة لذلك أحاطه الإسلام بضمانات تكفل تحقيق غاياته ، في الحفاظ علي حياة الفرد والجماعة بسبب ما نشاهده من تفشي الفقر علي المستوي المحلي والمستوي الدولي ، فأغلبية السكان داخل المجتمعات العربية تعاني الفقر والجوع والحاجة ، وفي حاجة ماسة لتأمين ضروريات الحياة المعيشية من الطعام والشراب والملبس والمسكن والعلاج والتعليم والعديد من أفراد المجتمعات الإسلامية تعيش تحت خط الفقر ، وهو مذموم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( كاد الفقر أن يكون كفراً )
وأحكام الإسلام واضحة في ضرورة مكافحة الفقر ، وضمان احتياجات الإنسان والتحذير منه إلي حد وصف الرسول بقوله ( كاد الفقر أن يكون كفراً ) نتيجة الثار المدمرة الناشئة عنه من التخلف والقهر والعوز والفاقة وتجلياتها واضحة ملموسة في الواقع المعيشي للمجتمعات العربية ولإسلامية .
ومن مظاهر الفقر البطالة والتبطل ، بكل ما يترتب عليه من حرمان وتسول وفاقة وانحراف وإهدار للطاقات وضياع للموارد ، وهي مشكلة قائمة علي المستوي المحلي داخل كل دولة إسلامية وعلي مستوي العالم الإسلامي ، وعلي المستوي الدولي حيث إن هناك حالياً 55. مليون نسمة يعيشون علي أقل من دولار في اليوم ، كما أن هناك نسباً عالية للبطالة والعمالة المتعطلة في العالم وخاصة في الدول الإسلامية ولا شك أن البطالة قنبلة موقوتة توشك علي الانفجار .
وقد نتج عن ذلك تخلف وتعثر في عمليات التنمية في دول العالم العربي والإسلامي بخاصة ، وهذا يتناقض مع الأمر القرآني بالعمارة – وهي التنمية – بقوله تعالي  واستعمركم فيها 
( هود : 61 ) أي : طلب منكم إعمارها ، ووسيلة العمار العمل ، ومفاد هذا أن التنمية فرض محتم علي الفرد والجماعة .
مما يؤكد أن التنمية بالعمل تعتبر واجبة حالة التخلف التي تجعل دول العالم الإسلامي عالة علي غيرها من الدول الأجنبية ، بما يترتب عليه من التبعية والتأثير علي حرية قرارها ورسم مستقبلها ورفعة مكانتها في المجتمع الدولي ، لذا نحن بحاجة ماسة لاستعادة قيمة العمل ، وإشاعة ثقافة الجدية والسبق إلي الإنتاج علي المستوي الفردي والجماعي ، وتوجيه الفرد وتنمية استعداده باعتباره الركيزة في التنمية المطلوبة .
لذلك يعتبر العمل هو عنصر الإنتاج الأساسي ، وعده الإسلام أفضل انواع الكسب ففي الحديث : ( ما اكل أحد قط طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده ) وسئل الرسول صلى الله عليه وسلم أي الكسب أفضل قال ( عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور ) والعمل يشمل كل فعالية اقتصادية مشروعة في مقابل أجر سواء كان هذا العمل بدينا كان أم ذهنيا .
وتحرم الشريعة الكسب عن طريق الأنشطة غير المشروعة : المخدرات والبغاء وغسل الأموال والخمر والخنزير لما ينشا عنها من تعطيل ملكات العقل وانتهاكها لقيم الشرف والحصول علي المال بالطرق غير المشروعة .
وثمة حقائق أساسية عن العمل كواجب ديني ومعاشي تتجلي في ان هناك مسلمات تمثل ضمانات للعمل المطلوب في النظر الإسلامي ، نجملها فيما يلي :-
- أن العمل فريضة إسلامية للقادر عليه لإغناء نفسه وتوفير ضروريات حياته لنفسه ولمن يعول ، وجاء الخطاب الإسلامي مقرراً لهذه الحقيقة ، بصيغة الفرضية والتكليف علي المستوي الفردي  فمن يعمل مثقال ذرة خير يره  ( الزلزلة : 7 )
 من عمل صالحا من ذكرا أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة  ( النحل : 97 )
وعلي مستوي الخطاب العام :
 وفل اعلموا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون  ( التوبة : 1.5 )
بحسبانه وسيلة فاعلة لتقدم المجتمع وبلوغه مكانة مرموقة بين الأمم والشعوب .
- ضبط الإسلام سلوك الفرد في أدائه ووجهه إلي العمل المنتج الذي يسد حاجة الفرد ، وينفع المجتمع ، ويترك أثراً ملموساً علي حياة الفرد والأمة ، وهو مغزي التأكيد القراَني علي العمل النافع بأنه العمل الصالح ، فالفائزون من الناس هم الذين امنوا وعملوا الصالحات ، وهو نص قوله تعالي :  والعصر (1) إن الإنسان لفي خُسر (2) إلا الذين امنُوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتوصوا بالصبر ( العصر : 1 – 3 )
- تبرز قيمة الفرد وتحدد مكانته ، ويتبوأ موقعه في المجتمع بقدر عمله وحسب مجهوده وطاقته وما يحققه لمجتمعه ، وهو ما يظهر في قوله تعالي :  ولكل درجات مما عملوا وما ربك بغافل عما يعملون ( الأنعام : 132 )
وبذلك يتبوأ الفرد مكانته المرموقة في الهيئة الاجتماعية بقدر عمله وإبداعه فيه .
- إن الأمر الإسلامي للفرد والجماعة بالتكليف بالعمل والإلزام به لما فيه صالحه ، يضمن له إخراجه من حالة الفقر والفاقة والعجز والتسول إلي الوفاء بضروريات حياته ، واحتياجاته الأساسية ، وهو الملحظ في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب علي ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله اعطاه أو منعه )
وفي الأثر : مكسبه فيها دناءة خير من مسألة الناس .
- وجوب لإتقان العمل وعدم التوقف عن إجادة فيه ، وتطويره من أجل الحصول علي كسب أعلي وعائد أكبر ، والدلالة علي هذا واضحة كما في الحديث : ( إن الله . عز وجل – يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه ) وقوله صلى الله عليه وسلم ( اليد العليا خير من اليد السفلي )
والإتقان يكون ببذل أقصي الجهد ، بغية الوصول إلي أعلي إنتاجية ، والتميز في نوعيه والارتقاء بدرجته ، باعتبار أن الجودة قيمة أساسية من قيم العمل في الإسلام ، والجودة تكون بالبحث المتواصل لابتكار أفضل الأساليب لتحسين المنتج ، وزيادة عائده والتقليل في تكلفته ، والتحول من الجيد للأجود بلوغاً لأعلي تنمية ممكنة .
وسبيل ذلك العلم والمعرفة المستدامة الهادفة إلي زيادة إنتاجية الفرد ، وتعظيم التنمية في المجتمع ، لذلك كان العلم هو سبيل الرفعة والفلاح في قوله تعالي :
 يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ( المجادلة : 11 )
وهو ما يناقض الممارسات العملية للفرد والجماعة في المجتمعات العربية والإسلامية ، وما تسجله من إحصائيات صادقة عن إنتاجية الفرد والشعوب في بلاد العروبة والإسلام .
إن شعار المؤمن :
 وقل رب زدني علماً  ( طه : 114 )
فطلب التزود بالعلم لسعادة الدين والدنيا وارتقاء بالعمل والعاملين .
- يفرض الإسلام فرضاً محتماً علي كل فرد السعي للحصول علي عمل يسد حاجته ويوفي بضرورياته الأساسية وواجب الدولة والمجتمع معاً إتاحة فرص العمل المنتج والكسب النافع بدل عليه ، قوله – تعالي :  فإذا قُضيت الصلاة فأنتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله
( الجمعة : 1. )
يوق أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : ( لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق ، فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة )
وقد يتطلب ذلك الدولة تمليك الشباب القادر بعض عناصر الإنتاج كما في إتاحة الفرصة أمامه لعمل المشروعات الصغيرة وتعمير الصحراء استمدادا من الحكم الشرعي في إحياء الموات وإعمار الأرض وهو مطلب فردي وجماعي .
وهو ما قرره الحديث : ( من أحيا أرضاً ميتة فهي له ) وفيها إشارة إلي إعلاء الكسب بالعمل اليدوي وإعلاه مكانة القائمين عليه ، والدعوة إليه باعتباره صرح البناء ووسيلة التنمية وقد ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد شارك صحابته في العمل بيده في أكثر من مناسبة ومن المعلوم أنه عمل بيده الشريفة في بناء مؤسسة الإيمان الأولي في الإسلام مسجد قباء ، كما لم يخجل من عمل او يقلل من قدره ، يشهد لذلك مقولته لبعض أصحابه تقديساً للعمل : ( وعلي جمع الحطب ) وهو أمر له مغزاه في هذا الخصوص ، وما أجدر بامة العرب والإسلام أن تصحح المفاهيم المغلوطة عن تدني قيمة العمل وصاحب العمل اليدوي ووضعه في أسفل السلم الاجتماعي ، ولتعلم أن أحد أسباب تخلفها احتقار هذا النوع من العمل والنظرة الدونية له .
حق العمل في المواثيق الدولية :-
اهتمت المواثيق العالمية بحق العمل ، وعلي رأس هذه المواثيق ، الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي قرر العديد من الحقوق :
ففي مادة 17 :-
- لكل فرد حق التملك بمفرده أو بالاشتراك مع غيره .
- لا يجوز تجريد أحد من ملكه تعسفاً .
حق العمل واختياره والحد من البطالة :-
وفي المادة 23 من الإعلان :-
- لكل شخص الحق في العمل ، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية ، كما أن له حق الحماية من البطالة .
تقرير حق الأجر العادل واللائق بالكرامة الإنسانية :-
- لكل فرد أن يقوم بعمل له ، والحق في أجر عادل مرضي يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان ، تضاف إليه عند اللزوم وسائل أخري للحماية الاجتماعية .
لكل شخص الحق في ان ينشئ ، وينظم إلي نقابات حماية لمصلحته .
يقول عمر رضي الله عنه : ( يا معشر الفقراء ارفعوا رءوسكم ، فقد وضح الطريق فاستبقوا الخيرات ولا تكونوا عالة علي المسلمين )
الحق في الراحة وتحديد حد أدني لساعات العمل :-
مادة 24 :-
- لكل شخص الحق في الراحة ، وفي أوقات الفراغ ، ولا سيما في تحديد معقول لساعات العمل ، وفي عطلات دورية بأجر .
الحق في مستوي معيشي مناسب :-
مادة 25 :-
- لكل شخص الحق في مستوي من المعيشة كاف للمحافظة علي الصحة والرفاهية له ولأسرته ويتضمن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية ، وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة ، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة ، والمرض والعجز ، والترمل ، والشيخوخة ، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته
- الاتفاقية الدولية بشان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
الحق في العمل واختياره لكسب معيشة الفرد :-
مادة 6 :-
- تقر الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية بالحق في العمل الذي يتضمن حق لكل فرد في ان تكون أمامه فرصة كسب معيشته عن طريق العمل الذي يختاره أو يقبله بحرية ، وتتخذ هذه الدول الخطوات المناسبة لتأمين هذا الحق .
صياغة برامج وسياسات لتحقيق النمو الشامل :-
وتشمل الخطوات علي برامج وسياسات ووسائل للإرشاد والتدريب الفني والمهني لتحقيق نمو اقتصادي ، واجتماعي وثقافي مطرد ، وعمالة كاملة ومنتجة في ظل شروط تؤمن للفرد حرياته السياسية والاقتصادية .
حق الفرد في ضمان مستوي معيشي لائق كريم :-
مادة 11 :-
- حق لكل فرد في مستوي معيشي مناسب لنفسه ولعائلته ، وكذلك في تحسين أحواله المعيشية بصفة مستمرة .
مادة 7 :-
- من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .
- حق لكل فرد في المجتمع بشروط عمل صالحة وعادلة تكفل :-
1- مكافآت توفر لكل العمال كحد أدني وهو ما حتمته الشريعة في وجوب توفير حد الكفاف ، ويأتي بإبعاد شبح الجوع .
2- الحق في أجور عادلة ومكافآت متساوية عن الأعمال ، متساوية القيمة دون تمييز من أي نوع وعلي وجه الخصوص وبما يكفل للنساء شروط عمل لا تقل عن تلك التي يتمتع بها الرجال مع مساواة في الأجر عن الأعمال المتساوية .
وفي الإسلام يستحق كل عامل أجره فور عمله ( أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )
3- الحق في معيشة شريفة لهم ولعائلاتهم ، كحق من حقوق الكرامة بقوله تعالي :
ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات  ( الإسراء 7. )
4- ظروف عمل مأمونة وصحية .
5- اوقات للراحة والفراغ وتحديد معقول لساعات العمل وإجازات دورية مدفوعة وكذلك مكافآت عن أيام العطلة العامة وهو ما أشار إليه الحديث : ( روحوا القلوب ساعة وساعة )
مادة 8 :-
- حق لكل فرد في تشكيل النقابات والانضمام إلي ما يختار منها في حدود ما تفرضه قواعد التنظيم المعني ، من أجل تعزيز وحماية مصالحة الاقتصادية والاجتماعية وهذا جائز باعتباره وسيلة إلي المصلحة المحققة منه بمقتضي قاعدة ( الوسيلة إلي الواجب واجبة ) .
المشكلات المتعلقة بالعمل والعمالة :-
- سوء أحوال العمالة بسبب استغلال أرباب الأعمال لهم وعدم الحصول علي الراحة الكافية لهم أسبوعياً ، وكذلك تشغيل الأطفال والنساء ، والعمل في المناجم والتفتيش .
- الحاجة إلي بث العدل الاجتماعي في علاقة أصحاب العمل والعمال .
أهداف منظمة العمل الدولية ILO :-
- تدعيم أسس السلام العالمي ببث العدالة في النظام الاجتماعي .
- إعلان فيلادليفا الملحق بميثاق منظمة العمل الدولية 1944م ( العمل ليس سلعة ) .
- الفاقة تهدد الرخاء وتؤدي إلي عدم الاستقرار في النظام الاجتماعي .
- تشغيل الأيدي العاملة بأجور تكفل المعيشة .
- توفير تغذية كافية وسكن مناسب وأوقات للراحة وهو ما كفلته القواعد الشرعية ومنظمة العمل الدولية وجعلته هدفا لها .
( كلفوهم من الأعمال ما يطيقون ) .
 لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها  ( البقرة : 286 )
 يُريد الله أن يخفف عنكم  ( النساء : 28 )
 وخُلق الإنسان ضعيفاً  ( النساء : 28 )
 ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به  ( البقرة : 286 )
- توسيع نطاق الضمان الاجتماعي والتكافل المعيشي ، وهو ما نبه عليه الإسلام وجعله أصلا من أصول شريعته في الحياة بقوله تعالي :
 إن لك إلا تجوع فيها ولا تعري  ( طه : 118 ) وقوله :
 ويُطعمون الطعام علي حبه مسكينا ويتيما وأسيراً (8) إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا  ( الإنسان : 8 – 9 )
وقد تبنت منظمة العمل الدولية الضمان الاجتماعي والعناية الطبية هدفاً تسعي إلي بلوغه وواجباً علي جميع الدول اتخاذ التدابير اللازمة لتحقيقه .