المسؤولية الاجتماعية للشركات ودورها في التنمية
تمثل المسؤولية الاجتماعية للشركات اليوم، اللغة المستخدمة للتعبير عن دور هذه الشركات وقطاع الأعمال في المجتمع. وقد يبدو هذا المصطلح جديدا على البعض، ولكن في جوهره يركز على أهمية ترابط تنمية المجتمع مع تنمية القطاع الخاص. ظهر الاهتمام بموضوع المسئولية الاجتماعية لشركات القطاع الخاص، وأصبح الحديث عنها في الآونة الأخيرة عنوانا للمؤتمرات والندوات، ومجالا للدراسات والأبحاث سواء من قبل الأفراد أو مراكز البحوث والمنظمات الدولية، كما تزايد الاهتمام بها من قبل كل الحكومة والشركات نفسها، وأصبحت المسئولية الاجتماعية جزءا من إستراتيجية شركات الأعمال للتفاعل مع المجتمع والبيئة المحيطة. لكن رغم ذلك فانه لا يوجد اتفاق عام لدى الأطراف المعنية على تحديد تعريف واضح للمسئولية الاجتماعية ، وكيفية قياسها من ناحية التكاليف والعوائد الاجتماعية.
أولا- مفاهيم أساسية حول المسؤولية الاجتماعية 1/1/ مفهوم المسؤولية الاجتماعية: تزايد دور العولمة الاقتصادية خلال سنوات التسعينيات، ممّا أدى إلى ظهور شركات لعبت دورا في الحدّ من الفقر وعملت على تحقيق مبدأ الحق في الملكية وتفعيل أنظمة الحوكمة، إضافة إلى ضمان سلامة البيئة. كما اعتبر عالم المال جزءًا من المجتمع من خلال بحثه عن إيجاد طرق ترفع المكاسب الايجابية، وأطلق عليه عدّة تسميات (مواطنة الشركات، المسؤولية الاجتماعية للشركات، ومساءلة الشركات) . قام باون (BOWEN)منذ سنة 1953، بإطلاق مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات (CSR) على أساس أنها عقد ضمني بين الشركة والمجتمع، وفي سنوات 1970 ظهرت مفاهيم اِلتزامات الشركة في تحمل نتائج أنشطتها على المجتمع1. المسؤولية الاجتماعية للشركات كمفهوم لها ثلاثة أوجه2: أ) المفهوم الكلاسيكي: يعود للعالم آدم سميث (ADEM SMITH) الذي أكّد على أنّ كافة منظمات الأعمال تسعى لتقديم أفضل الخدمات لعموم المجتمع وتحقيق أعلى مستوى ممكن من الأرباح وبما ينسجم مع الأحكام القانونية والقواعد الأخلاقية السائدة. فالربح هنا أصبح هدفاً أحادياً تسعى إليه المنظمة؛ ب) المفهوم الإداري: الذي تمّ إدراكه سنة 1930، حيث تمّ التحوّل من الهدف الأحادي إلى هدف آخر يتمثل في تعظيم رضا المديرين أنفسهم وبحثهم عن القوة والأمان والموقع المتميّز في ظّل نمو واِتساع المنظمة، وأشار فرنسيس سيتون (FRANCIS X.SUTTON) في بحثه سنة 1956، إلى كون المسؤولية الاجتماعية تظهر وتبرز في الشركات الكبيرة من خلال موازنة إدارة المنظمة ما بين عدد من العناصر المتفاعلة معها (حملة الأسهم، المقرضين، الموردين، الزبائن والحكومة) والتي يكون لها تأثير كبير في مساعدة المديرين على تقديم المزيد من المنافع العامة نحو المجتمع؛ ج) المفهوم البيئي: الذي اِختلفت تسمياته من نموذج البيئة الاجتماعية عند (JACOBY) والنموذج النوعي لحياة المديرين عند (HAY-GRAY) إلى نموذج وجهة النظر العامة لـ (WILLIAMS)، بدأت ملامحه تظهر سنة 1960 بتحَسُّسْ المديرين في كون مسؤوليتهم الاجتماعية لا تنحصر داخل المنظمة فحسب ولا ترتبط بالسوق حصرًا، بل تمتد إلى أطراف وفئات متعدّدة تتمثل في عموم المجتمع. وخير من أوضح الفكرة هما رالف نادر (RALPH NADER) و جون جالبريث (JOHN K.GALBRAITH). 1/3/ مستويات المسؤولية الاجتماعية في عام 1994 تم تطوير ما يسمى بمجموعة لندن لقياس الاستثمار في المجتمع من قبل فريق العطاء الاجتماعي لست شركات عالمية، وذلك بهدف قياس الفائدة التي تعود من تننفيذ المشاريع التنموية والتطوعية على كل من المجتمع والشركات على حد سواء ووفقا لهذا النموذج تم تقسيم ممارسات المسؤولية الاجتماعية الى أربعة مستويات كمايلي9: أ/ المستوى الأول: "أساسيات العمل المؤسسي" ب/ المستوى الثاني:" المبادرات التجارية في المجتمع" ج/ المستوى الثالث: " الاستثمار في المجتمع" د/ المستوى الرابع: " العطاء الاجتماعي" ومما سبق يتضح أن الفوائد التجارية التي تعود على الشركات تكون أكبر في المستوى الأقل حيث لا تكون المشاركة مخصصة لغرض أو بدافع خيري وإنساني محدد ولكنها مصممة كجزء لا يتجزأ من أهداف وأساسيات العمل المؤسسي للشركة، بينما المستوى الرابع يمثل قمة العطاء الخيري والاجتماعي. 1/4/ أسباب تنامي مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات: أشارت العديد من الدراسات إلى أن تنامي مفهوم المسؤولية الاجتماعية اتجاه نتيجة العديد من التحديات والتي من أهمها: العولمة، تزايد الضغوط الحكومية والشعبية، الكوارث والفضائح الأخلاقية، التطورات التكنولوجية المتسارعة. 1/5/ عوامل نجاح المسؤولية الاجتماعية للشركات: يرتبط نجاح الشركات في تبني مفهوم المسؤولية الاجتماعية، بالعديد من العوامل المرتبطة بالرؤية والتنظيم وزهي كالتالي10: · ضرورة الإيمان بقضية المسؤولية الاجتماعية نحو المجتمع، · قيام الشركة بتحديد رؤية واضحة نحو الدور الاجتماعي الذي تريد أن تتبناه والقضية الرئيسية التي ستهتم بالعمل على المساهمة في معالجتها. · قيام الشركة بتخصيص مسؤول متفرغ لهذا النشاط وتحدد له الأهداف والمخططات المطلوبة · الاهتمام بجعل هذه البرامج الاجتماعية قائمة بذاتها مستقبلا وتعمل على تغطية مصروفاتها ذاتيا. · الحرص على تقديم هذه البرامج بأداء قوي ومتميز وجودة عالية. · حسن إدارة الجوانب الاجتماعية التي تبرز أثناء قيام الشركات بنشاطها الاقتصادي ، وتتمثل هذه الجوانب في الالتزام البيئي واحترام قوانين العمل وتطبيق المواصفات القياسية والتي تمثل تحديا للشركات . 1/6/ مزايا التزام الشركة بمسؤوليتها اتجاه المجتمع: تشير التجارب الدولية إلى أن أهم المزايا التي تعود على الشركات التي تلتزم بمسؤوليتها اتجاه المجتمع تتمثل فيما يلي: تحسين سمعة الشركات، تسهيل الحصول على الائتمان المصرفي، استقطاب أكفأ العناصر البشرية، بناء علاقات قوية مع الحكومات. 1/7/ قياس تكاليف وعوائد الأنشطة الاجتماعية: يترتب على قيام الشركة بتنفيذ نشاطها الاقتصادي الذي وجدت من أجله العديد من أنواع التكاليف والتي يطلق عليها التكاليف الاقتصادية هذا فضلا عن تحقيق العوائد، أما إذا مارست الشركة مسئولياتها الاجتماعية سواء اتجاه العاملين وعملائها أو اتجاه المجتمع، فان ما يترتب على ذلك من تكاليف تسمى بالتكاليف الاجتماعية: وفي المقابل يطلق على المنافع الناتجة سواء لصالح الشركة نفسها أو لصالح العاملين والعملاء والمجتمع بالعوائد الاجتماعية. ولتحقيق الهدف من استخدام تلك التكاليف والعوائد الاجتماعية لابد من إجراء عملية قياس لها، وهذا يحتاج عدد من الخطوات منها11: - تحديد مفهوم واضح وصريح لكل من الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية بالنسبة للشركة, - التفرقة الدقيقة بين التكاليف الاجتماعية والاقتصادية في دفاتر ومجالات الشركة 12 - الإفصاح عن التكاليف الاجتماعية بشكل منفصل عن التكاليف الاقتصادية داخل التقارير والقوائم المالية الصادرة عن الشركة 13 - قياس كل من التكاليف الاجتماعية والعوائد الاجتماعية للمسؤولية الاجتماعية لأغراض تقييم الدور الاجتماعي للشركة 1/7/3/ معايير قياس وتقييم المسئولية الاجتماعية : تم وضع عدد من المؤشرات التي يمكن استخدامها في قياس الدور الاجتماعي الذي تؤديه الشركات من خلال قيامها من خلال قيامها بمختلف الأنشطة الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بطبيعة عملها ، وقياس دور تلك الشركة في تحمل مسئولياتها الاجتماعية اتجاه الأطراف المتعددة سواء داخلها أو خارجها، فانه يتم مقارنة تلك المعايير تاريخيا عبر فترة من الزمن للوقوف على تطور الأداء، أو تتم المقارنة مع مؤشرات أداء لشركات مماثلة في المجتمع، أو يتم قياس تلك المؤشرات مع معيار أداء اجتماعي يتم الاتفاق عليه في مجالات العمل الاجتماعي يطلق عليه (معيار الصناعة) أي معيار صناعة الأداء الاجتماعي من منظور المسئولية الاجتماعية لقطاع الأعمال الخاص. ويمكن عرض بعض هذه المعايير كمايلي14: أ/ معايير قياس حجم الإسهام الاجتماعي للشركة اتجاه العاملين أ/1/ معيار قياس الدخل النقدي للعاملين بالشركة: ويتضمن المرتبات والأجور والمكافآت والحوافز النقدية التي يحصل عليها العاملون بالشركة خلال فترة زمنية معينة. معيار قياس الدخل النقدي للعاملين = المرتبات والأجور + المكافآت والحوافز النقدية عدد العاملين أ/2/ معيار قياس مساهمة الشركة في حل بعض المشكلات الاجتماعية للعاملين لديها: تتمثل تلك المساهمة في تحمل الشركة بأعباء توفير السكن، وسائل الانتقال، التأمينات الاجتماعية، الرعاية الصحية، الرحلات الرياضية والترفيهية والثقافية. ما يخص العامل= عدد العاملين المستفدين من مساهمة الشركة في حل المشكلات الاجتماعية عدد العامليين في الشركة أ/3/ مؤشر قياس مساهمة الشركة في رفع مستوى مهارة وكفاءة العاملين فيها: ويوضح هذا المؤشر ما تقوم الشركة بإنفاقه على تعليم وتدريب وتثقيف العاملين بها من أجل تطوير مستواهم العلمي والتقني. معدل نصيب العامل= تكلفة مساهمة الشركة في تكاليف التدريب والتطوير إجمالي قيمة المرتبات والأجور المدفوعة للعاملين أ/4/ معيار قياس مساهمة الشركة في توفير الأمن الصناعي للعاملين بها مؤشر القياس= عدد الحوادث التي تقع في السنة عدد ساعات العمل الفعلية السنوية أ/5/ معيار قياس استقرار حالة العمل بالشركة: مؤشر القياس= عدد العاملين تاركي الخدمة سنويا إجمالي عدد العاملين أ/6/ معيار حصة العامل في توزيعات الأرباح السنوية للشركة: متوسط حصة العامل في الأرباح= قيمة الأرباح السنوية الموزعة على العاملين عدد العاملين ب/ معايير قياس تكلفة الأنشطة الخاصة بتحسين خدمات التعامل مع العملاء: ب/1/ معيار قياس نفقات الشركة على أبحاث وتطوير منتجاتها وخدماتها للعملاء: متوسط ما ينفق على تحسين= نفقات أبحاث تطوير وتحسين جودة المنتج أو الخدمة ( الخدمة أو المنتج أو العميل) إجمالي تكاليف الإنتاج أو الخدمات المؤداة ب/2/ معيار قياس دور الشركة في الرد على استفسارات ومشكلات العملاء: نسبة عدد المشكلات التي استجابت لها الشركة = عدد المشكلات التي عالجتها الشركة واستجابت لها إجمالي عدد المشكلات المقدمة من العملاء والمستهلكين ج/ معايير قياس تكلفة حجم الإسهام الاجتماعي للشركة اتجاه المجتمع وحماية البيئة: ج/1/ معايير قياس مساهمة الشركة في تحقيق الرفاهية الاجتماعية والثقافية والرياضية، والمشاركة في المجالات التعليمية والصحية وفي كل ما يحتاجه أفراد المجتمع المحلي بشكل عام. معدل تكلفة الإنفاق= تكلفة مساهمة الشركة في الأنشطة الاجتماعية للمجتمع إجمالي التكاليف الاجتماعية للأنشطة الاجتماعية التي ساهمت فيها الشركة ج/2/ معيار قياس مساهمة الشركة في توفير فرص عمل جديدة معدل الشركة في التشغيل= عدد العاملين المعينين بالشركة سنويا إجمالي عدد القوى العاملة في الدولة ج/3/ معيار قياس مساهمة الشركة في الحفاظ على البيئة المحيطة: يشمل هذا المؤشر تكلفة ما تقدمه الشركة في إعداد الدراسات والأبحاث العلمية وإقامة الحدائق وتشجير المنطقة وشراء المعدات اللازمة وذلك من أجل منع التلوث ومنع الأضرار بهدف الحفاظ على بيئة محيطة جميلة ونظيفة. معدل إنفاق الشركة= تكلفة مساهمة الشركة في الحفاظ على البيئة المحيطة إجمالي ميزانية الأبحاث والتطوير للشركات في المنطقة ج/4/ معيار قياس مساهمة الشركة في تطوي وتحسين البنية التحتية في المنطقة المحيطة: معدل مساهمة الشركة = تكلفة مساهمة الشركة في تكاليف تحسين البنية التحتية