الآثار المترتبة على الضغوط:

لقد أصبحت الضغوط جزءاً من الحياة اليومية للفرد، وأصبحت لها أنعكاساتها على الصحة البدنية والنفسية له. وتؤكد الأحصائيات أن الآثار المترتبة على الضغوط تكلف الولايات المتحدة حوالي 10% من إجمالي الناتج القومي. وتذهب معظم هذه التكلفة لعلاج الأمراض البدنية الناتجة عن الضغوط، وهناك دلائل قوية على أن الضغوط تؤثر أيضاً على الصحة النفسية للفرد وعلى مستوى أدائه في العمل.

1. الضغوط ومستوى الأداء:

في الماضي يفترض أن العلاقة بين الضغوط والأداء بوجه عام تأخذ شكل منحنى ،بمعنى: أن وجود مستوى منخفض من الضغوط يفترض أنه يؤدي إلى زيادة الإنتاج. ويظل كذلك إلى أن يصل إلى نقطة معينة بعدها ينخفض الإنتاج مع زيادة الضغوط وهذه العلاقة يمكن أن تكون صحيحة في ظل ظروف معينة. إلا أن هناك دلائل عملية حديثة تؤكد أن الضغوط تؤثر سلبياً على مستوى الأداء حتى لو كانت مستواها منخفض نسبياً. ويمكن إرجاع ذلك لعدة أسباب منها:

- أن الفرد الذي يتعرض لتلك الضغوط سيكون تركيزه على المشاعر والعواطف غير السارة الناتجة عن الضغوط حتى ولو كان مستواها منخفض أكثر من تركيزه على العمل نفسه. وهذا من شأنه أن يؤثر على مستوى أدائه.

- كثرة تعرض الفرد لمستويات منخفضة من الضغوط سيترك آثاراً ضارة على صحته البدنية والنفسية مما يؤثر على قدرته في القيام بالكثير من الأعمال.

- بفرض أن القدر المنخفض من الضغوط يؤدي أحياناً إلى زيادة الإنتاج، فليس هذا معناه أن الضغوط هي العوامل الوحيدة المؤثرة في هذا الإرتفاع، فقد تكون عوامل أخرى مرتبطة بالموقف.

وبالرغم مما سبق فهناك بعض المواقف التي يؤدي إرتفاع مستوى الضغط إلى زيادة الإنتاج خلافاً للقاعدة العامة مثل:

- أحياناً قد ينظر الفرد إلى الضغوط بإعتبارها تحديات لقدراته، وليست مصدراً للتهديد مثل: لاعب الكرة المحترف الذي يعطي أفضل ما عنده في وجود مستوى عال من الضغوط.

- أن هناك فروقاً فردية كبيرة تتعلق بمدى الاستجابة للضغوط. فبعض الشخصيات طموحاتها عالية، وتعمل بدرجة أكثر اجتهاداً في ظل التحديات ومثل هذه الشخصيات يكون أداؤها أفضل في ظل مستوى الضغوط العالية.

وهناك شخصيات عكس ذلك تحب أن تعمل في ظروف هادئة وطموحاتها محدودة ومن ثم يمكن أن يؤدي إرتفاع الضغوط عليها إلى تخفيض مستوى أدائها.
والنتيجة: أنه لا يمكن الوصول إلى قاعدة عامة بخصوص العلاقة بين مستوى الضغوط والأداء لأن يتأثر بطبيعة العمل نفسه، وخبرة الفرد القائم بالعمل بالإضافة إلى العديد من الخصائص النفسية للفرد.

2. الضغوط والسعادة النفسية للفرد:

تتضمن معظم الأعمال درجة أو أخرى من الضغوط ويحاول بعض الأفراد التكيف معها في حين أن البعض الآخر لا يستطيع ذلك. ومع الوقت واستمرار تعرض هؤلاء الأفراد للضغوط فإنهم يعانون من الاحتراق النفسي وهو عبارة عن الأعراض الناتجة عن التعرض فترة طويلة للضغوط. ويتكون عناصر هي: الاستنزاف العاطفي وتحول الشخصية وانخفاض مستوى الإنجاز الشخصي.

- أما الإرهاق العاطفي ويتمثل في حالة مزمنة من الإرهاق البدني والعاطفي، حيث يشعر الفرد بالإرهاق والتعب وعدم القدرة على التوافق مع العمل.

- تحول الشخصية حيث ينمو لدى الفرد مشاعر وإتجاهات قاسية وساخرة بخصوص مساره الوظيفي، حيث يشعر بأنه لا يعمل شيئاً له قيمة وأن الآخرين يرون ذلك أيضاً.

- الميل إلى تدنية الإنجاز الشخصي. حيث يكون تقييم الفرد لإنجازه في العمل تقييماً سلبياً ،ينظر على أنه لم يفعل شيئاً ذا قيمة في الماضي كما أنه لا يأمل أن ينجز شيء له قيمة في المستقبل أيضاً.

ولكن ما أهم الأسباب الرئيسية لوجود ظاهرة الاحتراق النفسي:

سبق أن أشرنا إلى أن أهم الأسباب هي:تعرض الفرد لفترة طويلة للضغوط، ولكن هناك سبب رئيسي آخر يؤدي على وجه الخصوص إلى الإرهاق البدني والعقلي وهو: شعور الفرد بأنه فقد موارده الهامة في العمل مثل: الدعم الاجتماعي، والمشاركة في اتخاذ القرار، والاستقلالية ، والفرصة للترقي إلى مناصب أعلى. وهناك سبب آخر وهو إحساس الفرد بأن جهوده في العمل عديمة القيمة، وليست محل تقدير الآخرين بما ينمي شعوره بعدم الرغبة في الإنجاز. كذلك فإن عدم وجود فرص كافية للترقية، وعدم وجود قواعد ونظم عمل ثابتة تنمي الإحساس بعدم عدالة المنظمة، وتخلق مشاعر سلبية تجاه العمل.

كذلك فإن نمط القيادة يلعب دوراً مؤثراً، فكلما كان القائد أكثر اهتماماً بمرؤوسيه ويسعي لسعادتهم ،وبناء علاقات طيبة معهم ،كلما انخفض مستوى الاحتراق النفسي.


ماهي النتائج التي تترتب على الاحتراق النفسي:

أيا كانت أسباب الاحتراق النفسي فإن له نتائج هامة على كل من الفرد والمنظمة

الحالة العضوية (البدنية):الصداع-الأرق-انخفاض الوزن-اضطرابات المعدة-الإرهاق والتعب.

التغيرات السلوكية: تزايد القابلية للإثارة -تغير الحالة المزاجية-تزايد القابلية للاحباط-تزايد الشك- تزايد عدم الرغبة في تحمل المخاطر- إستخدام المهدئات والكحوليات.

الأداء في العمل: انخفاض الكفاءة-انخفاض القدرة على المبادأة- افتقاد الرغبة في العمل- تخفيض القدرة على الأداء بفاعلية تحت الضغوط- التفكير المتشدد غير المرن.

وإلى جانب ماذكر أعلاه فإن هناك بعض النتائج الأخرى مثل: أنخفاض الرضا عن العمل، وإرتفاع معدل ترك العمل، وإنخفاض مستوى الأداء ومحاولة تخفيض مستوى الإنتاجية.

هل يمكن منع الاحتراق النفسي أو مقاومته؟

بالنسبة لعملية المنع فإن تزويد الأفراد بالوسائل، والأساليب الفعالة التي تمكنهم من التكيف مع الضغوط تفيد إلى حد كبير. ويمكن تزويد الأفراد بهذه الأساليب من خلال برامج التدريب التي يتم تنظيمها لهذا الغرض.

كذلك فإن مساعدة العاملين على تخفيف إحساسهم بعدم العدالة في المعاملة يمكن أن يلعب دوراً فعالاً في هذا المجال.

وبالنسبة لمقاومة الاحتراق النفسي. قد أثبتت التجربة العملية أن إستخدام بعض الوسائل مثل: فترات الراحة القصيرة، وإعطاء أجازة عدة أيام مدفوعة الأجر يمكن أن تلعب دوراً هاماً في هذا المجال، لأن ابتعاد الفرد ولو لفترة بسيطة عن جو الضغوط يساعد على التخفيف من حدة الأرهاق البدني والعقلي الذي يؤثر سلبياً على الأداء.

3. الضغوط وصحة الإنسان (القاتل الصامت):

تشير الدلائل على أن هناك علاقة قوية بين الضغوط وصحة الإنسان ويري البعض أن الضغوط مسئولة ما بين 50-70 % من الأمراض التي يعاني منها الإنسان ويدخل فيها بعض الأمراض الخطيرة مثل: أمراض القلب ،والقرحة، والصداع ، والسكر، والسرطان. بل أن البعض الآخر يري أنه مسئولة عن تقليل مناعة الإنسان ضد بعض الأمراض التي تسببها البكتيريا والفيروسات.

الآثار الطبية:أمراض القلب-آلام الظهر-القرحة-الصداع-السرطان-تليف الكبد-أمراض الرئتين.

التغيرات السلوكية:التدخين-الإفراط في الأدوية والكحوليات-زيادة التعرض للحوادث-العنف-فقدان الشهية.

الأداء في العمل:
الصراعات الأسرية-الأرق-العجز الجنسي-الاكتئاب.

وتؤكد النتائج أن ضغوط العمل تؤثر على صحة الفرد بصور مختلفة. وهناك الكثير من الدلائل العملية التي تؤكد ذلك. فعلى سبيل المثال فإننا نجد أن بعض العوامل مثل: تخفيض حجم المنظمة، وافتقاد الفرد للرقابة على عمله، أو غياب التعضيد الاجتماعي من جانب الزملاء والرؤساء- وكلها مصادر هامة للضغوط في العمل- لها علاقة وطيدة بغياب الفرد عن العمل بسبب المرض. ومن ثم فإن ارتفاع ضغوط العمل، تترك آثاراً ضارة على صحة العاملين.