وارين بينيس : "ابق يقظا ولا تعمل بمعزل عن الآخرين "

يعمل وارين جي. بينيس أستاذاً لإدارة الأعمال في كلية مارشال للأعمال في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، وهو الرئيس المؤسس لمعهد القيادة التابع للكلية المذكورة. كما أنه مرجع مرموق في علم القيادة وله أكثر من 25 مؤلفاً.
بدأت تأملاته في طبيعة القيادة منذ أكثر من 50 عاماً حين كان واحداَ من أصغر ضباط سلاح المشاة الأمريكي الذين كانوا يحاربون في ألمانيا، ونال على خدمته تلك وسام النجمة البرونزية والقلب الأرجواني. وفي وقت لاحق، عمل بينيس رئيساً لجامعة سينسيناتي من عام 1971 إلى 1977.

أما آخر مشاريعه فهو كتاب حول إصدار الأحكام يشاركه في تأليفه نويل تايكي. وفي حوار مع كريستينا بيلازكا- دو فيرناي، محررة مجلة Harvard Management Update، تحدث بينيس عن الكيفية التي يمكن بها للقادة المعينين حديثاً أن يرتقوا إلى مستوى الدور المناط بهم والنجاح فيه.

في وقت سابق من هذا العام، وفي اجتماع لمجلس الإدارة، سمعت وصفاً مباشراً خلاباً لأحد كبار المديرين الذي كان على وشك أن يفشل فشلاً ذريعاً في أول دور قيادي مرموق يناط به، ولكنه قلب أداءه وحقق النجاح فيه. حسب خبرتكم، ما الذي يميز القادة الذين يستطيعون تجنب الكارثة عن أولئك الذين يسقطون على حافة الهاوية تماماً؟

أن يفهموا أنهم لا يستطيعون القيادة بمفردهم. المفهوم الخاطئ للقيادة هو أنها عمل منفرد، بمعنى أنك تجلس وحدك في القمة. ولكن القادة لا ينبغي أن يكونوا وحدهم. إنهم بحاجة إلى أن يزعجهم الناس الذين سيعطونهم حديثاً تأملياً .

كيف يستطيع القائد أن يتأكد من أن الإزعاج يأتيه من الشخص الصحيح؟ وكيف يستطيع أن يشجع من هم أقل صلاحيات منه على الشعور بالراحة وهم يفعلون ذلك؟

- سأجيب على سؤالك الثاني أولاً. إذا أردت أن يزعجك الناس، فعليك أن تزعجهم. وإلا لن يأخذك الناس على محمل الجد. إن وضع صندوق للاقتراحات ، والإعلان عن سياسة الباب المفتوح، وحتى السير على الأرضيات والتساؤل "كيف نستطيع تحسين أدائنا؟ كل هذه الأشياء تنم عن نوايا طيبة، ولكن ما لم تكن هناك ثقافة عميقة تقوم على الثقة والصراحة، لن يبوح لك الناس بحقيقة ما يفكرون به. إن على القائد أن يبذل جهداً صادقاً لإيجاد ثقافة يشعر الناس فيها بحرية التحدث بصراحة.

وبالنسبة إلى التأكد من أن الإزعاج يأتيك من الشخص الصحيح، عليك أن تواصل توسعة مصادرك إلى حد كبير- - عليك أن تمارس"إدار ة المصادر المفتوحة"، وعليك أن تحصل على معلوماتك من كل المصادر.

إن هذا يخدم ثلاثة أغراض. فالأول، أنه يزيد من فرص تعلمك شيئاً مهماً. وكلما تعددت مصادرك، تأكد لك أكثر أن الأشياء الصحيحة هي التي تشكل مصدر إزعاج لك.

ثانياً، إنه سيطلق العنان للناس من حولك. فإذا كان هناك شخص في الدائرة الأكثر قرباً منك لديه من الأسباب ما يجعله يمسك عنك المعلومات، سيفكر مرتين في ذلك حين يدرك أن شخصاً آخر قد يكشف لك عن هذه المعلومات.

ثالثاً، الناس يتعلمون من الحوار، لأنه يجعلهم منفتحين ومرنين. إن الدخول في حوار مع العديد من الأشخاص المختلفين داخل الشركة وخارجها يكشف عن المعرفة والإدراك اللذين لم يكن المدير يعلم أنه يتمتع بهما.


ما الأشياء الأخرى المهمة التي ترقى بالشخص إلى سلم القيادة؟

سأذكر شيئين فقط, أحدهما التنبه والحذر، فحتى لو أحاط القائد نفسه بالمستشاري ن الموثوقين الذين يتحدثون إليه بصراحة، فإنه سيظل بحاجة للتنبه واليقظة. وهذا يعني عندما تنشأ أي مسألة أو أزمة أن يسأل نفسه، ما الذي فعلته وأدى لنشوء هذا الوضع؟ ما الذي فعلته لأسهم بهذه الفوضى؟

والهدف من ذلك ليس الملامة، بل الفهم. إن القبول بالفشل أمر سهل، ولكن الفهم هو الجزء الصعب.

أما الشيء الثاني فهو الذكاء المتعلق بالسياق. كن ملماً تماماً بأمور العمل. تماماً كالموسيقي الذي عليه أن يتقن الأوزان الموسيقية قبل أن يصبح قائداً، كذلك، فإن على القائد أن يتقن الأساسيات لكي يتحرر من شبك الأسلوب ويصبح مبرزاً. كما أنه يعني أن يكون القائد ملماً بجميع نواحي الصناعة التي يعمل فيها: ما موضوعها، ما الذي يجعل من شخص خبيراً في ذلك المجال بالذات.

وأخيراً، إنه يتطلب أن تكون عارفاً بشركتك من الداخل والخارج - المنتجات، كيف يراك العملاء، الثقافة- وما نظرة الموظفين بالذات تجاهها. إن هذه هي الناحية التي تعثرت فيها (الرئيسة التنفيذية السابقة لشركة هيوليت باكارد)، كارلي فيورينا.

ذلك أنها قالت إنها تريد الحفاظ على أفضل ما في ثقافة شركة هيوليت باكارد، ولكنها لم تكن ملمة بتلك الثقافة أبداً في المقام الأول. وبينما كانت تتملق إلى (وليام) هيوليت، وإلى (ديفيد) باكارد وإلى الأيام الأولى للشركة، لم تكن ترى الشركة أبداً من منظور الموظفين. إذا أردت أن تقود الناس، يتوجب عليك الدخول إلى عالمهم.