إن فرق العمل التي تحقق أداء عاليا تخلق النجاح للشركات والمؤسسات، ففريق العمل المثالي يدمج مهارات ومواهب الأفراد في وحدة متكاملة تملك من الإمكانيات ما يفوق حتى قدرات أكثر أعضائها موهبة. لكن الواقع أن كثيراً من أساليب العمل الجماعي تفشل، فالناس يتملصون من العمل الجماعي، والأمور تتعقد وتتشابك، ويتبدد الجهد والوقت والمال.
ما الذي يميز العمل الجماعي؟
تظهر الأبحاث أن فرق العمل الجماعي التي تحقق مستويات عالية من المشاركة والتعاون والتضافر يتمتع أعضاؤها بأنهم يثقون بعضهم بعضا، ويشتركون في إحساس قوي بهوية الجماعة ويثقون بفعاليتهم كفريق وليس كمجموعة أفراد، وبكلمات أخرى فإن مثل هذه الفرق تملك مستويات عالية مما يمكن أن نسميه (الذكاء العاطفي للمجموعات) ويجب على هذا الذكاء أن يكون ذا علاقة بإدراك المشاعر والقدرة على إدارتها بطريقة صحية ومنتجة، حسبما تقول فانيسا اورتش دروسكات، وهي أستاذ مساعد في جامعة نيوهامشاير ، ورائدة لهذه الفكرة.
لقد كشفت دراسة استمرت سنتين تفحصت بها دروسكان وستيفن بي وولف، وهو مستشار أبحاث في هاي جروب (فيلادلفيا ) فرقاً ذات مهام متداخلة لتطوير العقاقير في "جونسو ن آند جونسون"، أن الذكاء العاطفي للمجموعات كان أكبر مؤشر لنجاح فريق العمل. وتخلص الدراسة إلى ثلاثة عوامل لتأسيس بداية راسخة تهدف إلى بناء الذكاء العاطفي لفريق العمل:
العامل الأول: افسح الوقت للفريق حتى يقدر بعضهم مهارات بعض إن التفاهم بين الأشخاص مهم للثقة، التي هي بدورها مهمة لتدفق الأفكار والمعلومات . يجب أن تعي المجموعة مهارات وشخصية كل عضو فيها. وعند تشكيل المجموعة أولاً فإن من الذكاء عقد اجتماع استهلالي يتصف بالوقت اللازم للمقدمات وإقامة العلاقات الشخصية، ويمكن أن يتعرف الأعضاء على بعضهم عندما يبدأون في وضع أهداف الفريق وإيجاد رؤية مشتركة للنجاح.
وبعد تأسيس الفريق، فإن قضاء خمس دقائق في بداية الاجتماعات النظامية يشارك الأعضاء في تقدم العمل والأفكار الشخصية، يساعد في تعزيز فهم المجموعة لكل شخص، وكيف سيساهمون معاً في تحقيق هدف مشترك.
وتقول دروسكات "إن الناس في الفرق يعرف أحدهم الآخر بشكل أفضل ويكونون أكفأ وينجزون عملاً أكثر".
العامل الثاني: التعبير عن الغضب والتوتر والإحباط
من المهم وضع طرق مريحة توافق عليها المجموعة للتعبير عن مشاعر الغضب والتوتر والإحباط الحتمية التي تبرز خلال العمل، وإعادة توجيه تلك الطاقة إيجابياً. ويمكن أن تكون الدعابة والمزاح أدوات مفيدة في تنفيس الصراع وتخفيف التوتر. تقول دروسكات إن فريقاً في شركة استشارة الابتكار على نطاق عالمي، إيديو (بالو ألتو، كاليفورنيا ) كانوا يتقاذفون دمى لينة من فوق قواطع مكاتبهم عندما تتوتر الأعصاب، وإلى جانب تخفيف المزاج فإن هذا التصرف خدم كتذكير، بأن المجموعة وضعت معايير للتعبير عن المشاعر الصعبة، وبذلك جعلتهم هذه المعايير يشعرون بأنهم أقل تهديداً للأفراد وللمجموعة ككل.
وهناك فكرة أخرى حيث كتب أعضاء فريق "إكسيروكس" شكاواهم ووضعوها على شكل قصاصات مغلقة في وعاء أطلق عليه اسم (وعاء الفرص) بعدها يجرى سحب مقرون بجوائز مالية حول أكثر تلك الشكاوى خطورة. وكانت شكاواهم تناقش في الاجتماعات ، بدءاًَ بالمشكلات الأكثر إلحاحا. وأدت العملية إلى زيادة الثقة بتعزيز الانفتاح وتقليل الإغراء بتعبير الأفراد عن إحباطهم بطرق هدامة، ورأى أصحاب الشكاوى أنها تعامل بإنصاف وإيجابية.
العامل الثالث: احتفل بالنجاح
إن بناء الذكاء العاطفي لفريق عمل جماعي يتطلب أيضا التعبير عن المشاعر الإيجابية، مثل الفخر والاعتزاز بإنجاز العمل بشكل جيد.
إن الاعتراف بإنجازات الفرد والمجموعة لا يؤدي فقط إلى تعزيز هوية الفريق، بل يسلط الضوء أيضا على فعاليته ويثير الاندفاع الجماعي للتميز. ومثال ذلك، فإن "إكسيروكس" كندا قد ابتكرت ما يسمى (لوحة الشرف) لتكريم أعضاء فريق "ساربا نيس أوكسلي".
كما حقق فريق "ساربا نيس أوكسلي" التابع لـ "إكسيروكس" كندا هدفه بالامتثال للقوانين لعام 2004، مما جذب الانتباه الإيجابي من المنظمة بأسرها في العملية. وحظي احتفاله بإنجازات أعضائه، واعترافه بمساهمات الفرق الأخرى، وفوق كل ذلك، نجاحه في تحقيق هدف حافل بالتحدي، بمثل هذا الانتباه واسع النطاق له داخل الشركة حتى أنها تنهال عليها الطلبات حالياً عندما يتم الإعلان عن وظيفة.
وتقول دروسكات:" إن مثل هذه الأمور لا تثير الدهشة في مجال دراسات الإدارة فالناس عندها تطلع دائم لكي تنتسب إلى مؤسسة تتمتع بالكفاءة والاحترام"