يعد التغيير سمة من سمات العصر الحديث، ولا يقتصر التغيير على مجال أو قطاع محدد، بل يمكن تشبيه التغيير بغمامة تظلل كافة نواحي الحياة اليومية والعملية والتنظيمية والتعليمية والصحية وأي مجال يخطر ببالك.. الحنكة تكون في تقبل التغيير وعدم محاربته وحسن التعامل معه وإدارته واستيعابه وتوظيفه…..
لنقتصر حديثنا هنا على عالم الأعمال والمنظمات والشركات.
فيما يتعلق بالمنظمات والشركات والمؤسسات، لا يقتصر التغيير على البيئة الخارجية لها، بل توجد تغيرات داخلية لا تقل أهمية وتأثيرا، مثل التغيرات المستمرة في احتياجات وتوقعات العاملين وأهدافهم الوظيفية، والتغيرات الحتمية في الهياكل والأنظمة وأساليب العمل التي تستهدف حماية المنظمة من الإصابة بالجمود والتخلف، مما يتسبب في عواقب وخيمة قد تؤدي إلى إفلاس المنظمة أو الشركة وخروجها من عالم الأعمال.
من التعريفات الواردة للتغيير التنظيمي أنه “حالة التعديل أو التبديل المتعمد في الإجراءات والهياكل التنظيمية والاتجاهات الخاصة بالعاملين في منظمة ما”. وفي تعريف آخر جاء أنه عبارة عن “كافة القرارات التي تتخذها إدارة المنظمة أو الشركة أو المؤسسة وتتخذ الخطوات والإجراءات اللازمة لتطبيقها وتنفيذها لغرض معالجة مشكلة معينة من أجل تحسين الأداء. ويمثل التغيير المتعمد المادة الأساسية لجميع أنشطة التطوير التنظيمي”.
ويصعب إحداث التطوير وتنفيذ الخطط التنموية والتوسعية بلا تغيير في الفكر والممارسة.. فالتطوير عبارة عن “جهود منظمة ما تديرها الإدارة بقصد زيادة فاعلية المنظمة وضمان صحتها من خلال التغيير المخطط في العناصر والعمليات الأساسية للمنظمة.. وهو في حقيقة الأمر عملية تجديد ذاتي للمنظمة لتظل محافظة على حيويتها وقدرتها على التفاعل الإيجابي مع المتغيرات البيئية المحيطة”.
التغيير أمر جوهري لكافة المنظمات بصرف النظر عن طبيعة تلك المنظمة أو مجال عملها أو القطاع الذي تخدمه، وكذلك بصرف النظر عن حجمها وعدد موظفيها ومنتسبيها وعدد فروعها وما إلى ذلك مما يفرق بين منظمة وأخرى.. التغيير جوهري للجميع.. لكن.. السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو.. هل يكفي صدور قرار من صاحب المنظمة أو الإدارة العليا بتطبيق تغيير في أمور محددة؟.. الجواب هو.. لا..
في حين يرغب الإداريون في التغيير ويسعون إلى تطبيقه باستمرار حتى تتمكن المنظمة من مواجهة المنافسة والتحديات التي تواجهها على طريق النمو والتوسع والتطوير، نجد أغلب الموظفين والمنتسبين للمنظمة يشعرون بالاستياء والقلق وبعض المخاوف من تلك التغييرات، وقد تجد بعضهم يقاوم التغيير ويحاربه.. قد ترى أن الحل بسيط.. فصل الموظف أو الموظفين الذين لا يستجيبون لدعوة التغيير والقرارات التي اتخذت حيال ذلك.. حسنا هذا حل سهل.. لكن بهذا الشكل ستقوم المنظمة بتغيير موظفيها كلما قررت إجراء أو إدخال تغيير ما.. هذا ليس منطقيا وله انعكاسات سلبية على سير العمل داخل المنظمة من جهة، ويؤثر كذلك على سمعة المنظمة في السوق.
الحل هنا إقناع الموظفين والمنتسبين بأهمية التغيير والأهداف التي يمكن تحقيقها من إحداث مثل ذلك التغيير، وأخذ رأيهم قبل اتخاذ القرارات النهائية.. قد تجد من بينهم من تكون لديه آراء بناءة وفعالة لطبيعة التغيير اللازم أو مستلزماته، من واقع تعامله اليومي بعمليات المنظمة، وإلمامه المتعمق بتحديات العمل وتفاصيله التي قد تحتاج إلى تطوير أو تغيير.. أما أصحاب المناصب الإدارية، رغم أهمية مناصبهم، فبحكم مسؤولياتهم ومهامهم لا يتعاملون مع الأعمال والعمليات اليومية عن قرب، لذا فإن الموظفين أولى بتحديد بعض مواطن الإشكال التي تتطلب التغيير، ومن ثم يقوم أصحاب المناصب الإدارية بدراسة الآراء والمقترحات والتوصيات، ومن ثم يكون بيدهم إصدار القرارات ذات العلاقة، والتي تصب في مصلحة المنظمة ككل، وأيضا مصلحة العمل وكل من ينتسب إلى تلك المنظمة، على اختلاف درجاتهم الوظيفية ومسؤولياتهم ومهامهم.
من الأمور التي تساعد على كسب الموظفين إلى صف التغيير وإقناعهم بأهميته هو قيام صاحب المنظمة أو إدارتها بالاجتماع مع الموظفين وكل ذي علاقة لإيضاح الصورة المتكاملة الشاملة.. إشرح للموظفين أين تقف المنظمة اليوم وإلى أين تود إيصالها في المستقبل القريب والبعيد.. ينبغي الحرص على شرح أهمية ذلك للمنظمة والتأثيرات والانعكاسات الإيجابية المترتبة على التغيير، والتي تصب في مصلحة الجميع، بحيث سيكون لذلك انعكاسات مهمة على مهامهم وتطورهم الوظيفي، وسيقود المنظمة بكل منتسبيها إلى آفاق النجاح والإنجازات.
من الأمور المساعدة أيضا تخصيص بعض المهام وتطويعها بما يتلاءم مع قدرات ومهارات وكفاءات كل موظف.. إذاما شعر الموظف أن المهام الموكلة إليه تتلاءم مع مهاراته وكفاءاته فإنه حتما سيبذل أقصى جهد في سبيل إثبات أهليته بهذه الثقة الممنوحة من قبل أصحاب القرار في المنظمة، ومن ثم يسعى جاهدا لتحقيق النجاحات والإنجازات.. ونجاحات وإنجازات كافة الموظفين معا تكون ثمرتها حتما نجاح المنظمة ككل، حيث يمثل كل موظف جزءا من الصورة الكبرى.. في هذه الحالة يكون الموظف أكثر قبولا للتغير الذي من شأنه أن يحسن ويعزز مهامه – الخاصة- وبالتالي تحسين أداء المنظمة ككل.
أيضا يستحسن أن يتبع صاحب المنظمة وأصحاب الإدارات على اختلافها سياسة “الباب المفتوح”، بحيث يسهل على الجميع التواصل معهم وإيصال آرائهم وملاحظاتهم، وبالتالي المساهمة الفعالة في تحديد المواطن التي تحتاج إلى التغيير.. طبعا لا أقصد أن تترك الباب مفتوحا ليدخل إلى مكتبك كل من يريد ولحظة ما يريد، وإلا لن تتمكن من إنجاز أي من مهامك ومسؤولياتك.. بل أقصد فتح قناة تواصل بينك وبين الموظفين، إما عن طريق الخطابات أو البريد الإلكتروني أو الشبكة الداخلية الإنترانت أو أي وسيلة تواصل أخرى تراها ملائمة.. في هذه الحالة، عند صدور قرار أو قرارات التغيير، تجد الأغلبية العظمى يتقبلون تلك القرارات بحماس، حيث يشعرون أنه كان لكل منهم دوره في الوصول إلى تلك القرارات.. ومن المهم التنبيه هنا إلى أهمية وضرورة عدم الاكتفاء بإصدار قرارات التغيير، بل ينبغي الحرص على متابعة تنفيذ تلك القرارات والإجراءات المتخذة.
في الختام أقول.. على صاحب المنظمة أو الإدارات العليا وأصحاب اتخاذ القرارات ألا يتمسكوا بقرارات التغيير التي حددوها، بل ينبغي ترك مجال لتغيير “التغيير” المحدد، في حال تم اكتشاف عدم فعالية التغيير المقرر أو وجود سلبيات فيه.. في هذه الحالة يجب دراسة الأمر وإجراء التعديلات والتغييرات اللازمة، خاصة وأن الهدف ليس مجرد إصدار قرار بمطالبة التغيير، بل الهدف هو إجراء تحسينات وتعزيزات على أداء ومنتجات وخدمات المنظمة في سبيل الوقوف راسخا في السوق ومواجهة التحديات والمنافسة.