المواهب والسمات


" لكي تكون ناجحاً، عليك أن تكون قادراً على أن تتواصل مع الآخرين؛ ويجب أن يكونوا راضين عن شخصيتك لكي يتمكنوا من إقامة علاقات عمل معك وبناء علاقات تستند إلى الثقة المتبادلة". جورج روس. طيلة السنوات التي مارسنا فيها التفاوض وتقديم الندوات حول موضوع التفاوض، قابلنا كل أنواع الناس، من كل مستويات المهارة والموهبة، ومن خلال مراقبتهم، بدأنا ندرك ما هو فعال من عدمه. وباستخدام هذه المعلومات، قمنا بتطوير نموذج للمفاوض الناجح وفي هذا المقال، سوف نوضح لك هذا النموذج، بما يجعلك قادراً على أن تصبح المفاوض الأكثر نجاحاً الذي يمكن أن تكون عليه. ويحوي هذا النموذج العديد من المواهب والسمات الشخصية. وسيكون من الغباء ترتيب هذه الجوانب المتعددة للنموذج وفق الأهمية لأن كلاً منها يكتسب أهمية في موقف أو آخر خلال عملية التفاوض. لذلك، لا يرتب هذا المقال عناصر النموذج تصاعديًّا أو تنازليًّا، ولكننا نبدأ بتوضيح بعض مواهب التواصل التي نجدها باستمرار لدى المفاوضين الأساتذة. بعدها سنقدم مجموعة شاملة من سمات الشخصية التي يتسم بها المفاوض الناجح.


تحديد المواهب الرئيسية


يظهر المفاوضون الناجحون في أكثر من هيئة وحجم ونمط. كما أنهم يأتون من خلفيات اجتماعية مختلفة ويسعون لتحقيق أهداف مختلفة. غير أن هناك مواهب معينة يبدو أنها مشتركة بين المفاوضين الناجحين. والكثير من هذه المواهب تتعلق بفن التواصل. إلقاء الأسئلة الفعالة، والاستماع بانتباه، وجمع المعلومات بحكمة. فيما تتصل مواهب أخرى بفنية الخطاب ومهارات القيادة. وبينما يولد بعض الأشخاص بهذه المواهب، يتعين على البعض بذل مجهود كبير لتطويرها، والشيء المهم أنك تشحذ هذه المهارات، بحيث لا ينبغي عليك أن تكتفي بتقبل حقيقة أنك لا تتمتع بموهبة خاصة في أي من هذه المجالات. وهذا المقال يمثل مرشداً قيماً لما يجب أن تعمل عليه خلال مسيرتك نحو أن تصبح مفاوضاً محنكاً.


الأسئلة المناسبة


كما أكدنا من قبل، فإن الحاجات وقود أية مفاوضات، سواء كانت بين الأفراد. أو الشركات الصغيرة، أو المؤسسات الكبيرة، أو الأمم. فعندما تبدأ أي مفاوضات، يفهم الكل بصفة أساسية أن كلاً من الحاجات السطحية والحاجات المتأصلة بعمق بداخل كل منا قد تؤدي إما إلى صراع أو تسويات، كذلك يعي الكل أنه بمجرد تلبية الحاجات، فعادة ما تأتي بعد ذلك التسويات والاتفاقات.


وتكمن الصعوبة هنا في كيفية إيجاد أفضل وسيلة لإرضاء كل الأطراف. وخلال ندواتنا، نذكر أن من بين أهم الأشياء التي سيكتشفها المرء حتماً خلال المفاوضات هي احتياجات الطرف الآخر كنقيض لرغباته. وتكتسب دقة الألفاظ أهمية بالغة في الأوقات التي تكون فيها الاختلافات محدودة ويمكن التفاوض أن "يشم رائحة تسوية" تلوح في الأفق،


المفاوض الفعال !


ينبغي على المفاوض الفعال أن يسأل: " والآن، بعد أن أخبرتنا برغباتك، ما الذي تحتاج إليه بالفعل؟". ومن المدهش أن ترى الكيفية التي يلحظ بها الناس الفرق بين الكلمتين بوضوح عندما يسمعون هذا السؤال المباشر، وكنتيجة لهذا الوعي، سوف يخفض هؤلاء الأشخاص من سقف مطالبهم ( رغباتهم )، ويتكلمون عن احتياجاتهم الحقيقية، والتي تكون بشكل دائم أقل من المطالب. هل سبق أن قابلت شخصاً لم تكن رغباته أكبر من احتياجاته؟


ويعرف المفاوض الناجح كيف ينفذ إلى عقل الطرف الآخر؛ فهو يطور فكرة حدسية عما يفكر فيه الطرف الآخر في العملية التفاوضية. وينصح "جيري" عادة بكتاب ممتاز عنوانه: Getting Through to People، تأليف "جيسي إس. نيرينبرج" ( لا علاقة بينها وبين مؤلف الكتاب). فهو يقدم معلومات قيمة عن مهارة التقاط الإشارات والأفكار خلال العملية التفاوضية. ولاشك أن المفاوض الخبير يعد بمثابة مخبر ذهني، ومن بين السمات التي يتمتع بها المخبر الجيد حيازة مهارات استجواب جيدة. فإلقاء الأسئلة اللاذعة لا يقل أهمية عن جمع الأدلة بحذر وكتمان.


وعلاوة على ذلك، يتمتع المفاوض الناجح بالمهارة في إلقاء الأسئلة ليس فقط بغرض التعرف على الحاجات، ولكن للحصول على المعلومات الأخرى المطلوبة. وفي بحوثنا بشأن المفاوضات، وجدنا أن أفضل الأسئلة تتجاوز حدود أسئلة اختبار "ماذا وكيف ومتى". الذي ينبغي إجراءه قبل بدء المفاوضات الفعلية، أي وخلال مرحلة التحضير، ف "ماذا" تناقش الأسئلة التي ينبغي إلقاؤها تحديداً والشخص الذي سيلقيها. أما "كيف" فتغطي مسألة التقييم الدقيق لكلمات الأسئلة، وفي النهاية، تشير" متى" إلى توقيت إلقاء السؤال وهو الأمر شديد الأهمية. فعلى سبيل المثال، إذا كنت ستلقي السؤال الذي يكشف الفارق بين رغبات الطرف الآخر وحاجاته في وقت مبكر من المفاوضات، فعلى الأرجح أنك لن تحقق أي شيء منه.


أما إذا ألقيته بعد ساعات طوال من المساومة والمماحكة، وفي الوقت الذي يتجه فيه الطرفان نحو إتمام الاتفاق، فالأرجح أنه سيكون أكثر فاعلية. ولا حاجة للمفاوض أن يكون مؤهلاً مثل المحققين المحترفين، ولكنه بحاجة لاستيعاب الفئات الخمس التي تنقسم إليها الأسئلة:


الأسئلة العامة:


" ماذا ترى؟"،" لماذا فعلت ذلك؟". لا تضع مثل هذه الأسئلة أية حدود، ولا يستطيع من يلقيها أن يتحكم في الإجابات إطلاقاً.


الأسئلة المباشرة:


" من المسئول ؟"،" من سيؤدي المهمة ؟". مثل هذه الأسئلة، إلى جانب السؤال شديد الفاعلية "بم تنصح ؟"، عادة ما تلقي إجابات مباشرة.