المشهد الحالي لكثير من الازمات التي تعاني منها الدول العربية يوحي بكوارث متنامية, فالتطرف في ازدياد, والارهاب في انتشار, والتهجير والتغريب للمواطنين يعمل علي قدم وساق وبشكل ممنهج حتي لو بدا غير ذلك, والحروب الطائفية والايديولوجية لا تتوقف, واقتصاد الدول من ضعف الي ضعف نتيجة الحروب والنزاعات التي تضرب بكثير من الدول العربية والاسلامية, مما ادي الي تزايد الانفاق العسكري بشكل غير مسبوق, وهو شئ لا بد منه للمواقف والاحداث السابقة .ولكن هنا يجب ان نتوقف لتأمل المشهد حيث افتعال الاحداث واشعالها وتاجيجها ثم اعطاء تصريحات وايحاءات من الخبراء العكسريين الغربين والصحف الغربية بعدم الحل خلال الفترات القادمة كما في الازمة السورية والعراق وليبيا واليمن ,فيتولد الشعور بضرورة السعي وراء التسليح بكافة صورة وبالتالي يستفاد صانعوا الاسلحة في الشرق والغرب وخاصة الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا . فالاقتصاد العالمي يمر بمراحل كساد والتجارة العالمية تتراجع ولكن هذه الازمات ادت الي زيادة الصادارات العسكرية بشكل متزايد كما في فرنسا والولايات المتحدة الامريكية .
فاذا استوعبنا الدرس فيجب هنا ان نقوم بتفكير عكسي ان صح اللفظ فكثير من المشاكل والثورات اكثر اسبابها الحالة الاقتصادية المتدنية وعدم العدالة الاجتماعية, والتفاوت في توزيع الدخول , وقلة الوعي الثقافي نتيجة لانتشار الجهل وضعف البنية الاساسية للتعليم وانحدار المستوي التعليمي في اغلب الدول العربية, مما ادي الي وجود البنية الخصبة للتطرف والارهاب ونشأة الثورات والاضطرابات والاحتجاجات الشعبية او الفئوية . وكل هذا يدعم ويعزز التبعية السياسية والاقتصادية للدول الصناعية المهيمنة علي الاقتصاد العالمي والسياسة الدولية ولكن بشكل يراعي مصالحها الخاصة فقط ,واستمرار تقدمها وهيمنتها . ولذلك فكثير من المشاكل التي تحدث غالبا ما تكون بمباركة من الدول المستفيدة بشكل خاص كما اشرنا سابقا .فاذا توجهت الموازنات الحكومية لزيادة الانفاق العسكري اثر ذلك سلبا علي البنود الاخري كالتعليم والصحة والطرق والخدمات مما يؤدي الي زيادة المعاناة للمواطنين لتدني الخدمات وبالتالي القيام بالاضطرابات وزيادة الاعداد المستقطبة لجماعات التطرف والارهاب وتستمر الدائرة في حلقتها المفرغة .
وهنا يقول سائل : الاخطار عظيمة والتسليح ضرورة وطنية وقومية للدفاع عن النفس وخاصة مصر التي تحيط بها المشاكل, فاقول ليست مصر مهددة من الخارج بأكثر من تهديدها من الداخل, وهذا هو المطلوب والذي يدعمه اعداؤنا من الخارج فحروب الوكالة هي سمة العقد الاخير من هذا القرن , والحروب الالكترونية وتجنيد الشباب والتطرف والارهاب هي ابرز واخطر الاسلحة التي يستخدمها الاعداء اليوم, وبالتالي فان سد هذه الثغرات هو الاولوية الاولي واغلاق هذه الثغرات الفكرية هي صمام الامان الاول لصد جميع محاولات التطرف والارهاب . والتعليم والصحة هي البداية الحقيقية لقوة وبناء الدول وتوجيه الموارد نحو المشاريع القومية الحقيقية المدروسة هي المحرك للاقتصاد وبالتالي زيادة الدخل القومي وحل مشكلات البطالة والكساد وبالتالي سوف يعود علي المواطنين فيزيد الولاء والانتماء للوطن وتقوي شوكة الوطن فقوتنا الحقيقية هي قوتنا الداخلية ولن تتحقق الا باغلاق الثغرات والاختلالات الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية وبناء القاعدة الصناعية التي بدونها لن تنجح اي محاولات مهما زادت القوة العسكرية والانفاق عليها . فالعراق وليبيا وسورية من اقوي الجيوش ولكن سقوطها لم يحدث من الخارج فقط ولكن كانب الضربة القاسمة هي الداخل كما يعلم الجميع .
الاعداد للقوة امر واجب علي الدول ولكن القوة شاملة فهي تشمل القوة العلمية ,والقوة الصناعية, والقوة التعليمية, والقوة الاجتماعية, والثقافية والقوة العسكرية . فيجب ان نستوعب العبر ونشمر عن سواعد الجد والعمل لحل المشاكل الداخلية اولا فالتنمية البشرية هي اهم الموارد الاستراتيجية والفعالة في هذا العصر وعدم الالتفات الي اي معطلات بل اعطائها حجمها الحقيقي حتي لا تشغلنا عن الهدف الاهم والغاية الحقيقية للدول ومعرفة مخططات اعدائنا والتعامل معها بما يناسبها ووفق مصالحنا واولوياتنا .