ما هي اللغة التي يجب أن تتعامل بها أروبا مع الصين؟
باتريك ميسرلين - رازين سالي
من الخطر أن تتعامل أوروبا بلغة عنيفة مع الصين
يبدو أن الخطابة الأوروبية الموجهة إلى الصين بدأت تأخذ الطابع الأمريكي: مواجهة وحدة. وتُعتبر معدلات العجز التجاري وأسعار العملات قضيبا البرق، وأصبحت تهديدات الاتحاد الأوروبي بالانتقام تتردد بوتيرة أكبر.
هذا الأسلوب الجديد المتسم بالعنف في التعامل مع الصين يتميز بالتخبط والخطورة. ففيما يتعلق بمعدلات العجز وأسعار العملات، فإن تشخيص الاتحاد الأوروبي للوضع لا يُعد منطقياً. صحيح أن العجز التجاري للاتحاد الأوروبي مع الصين آخذ في الارتفاع، إذ سجل 166.4 مليار دولار عام 2006. وبينما لايزال ذلك أقل من العجز التجاري الأمريكي مع الصين، إلا أنه تزايد بشكل أسرع. وهبط سعر الرنمينبي الصين بنحو 25 في المائة مقابل اليورو منذ عام 2000، بينما ارتفع سعره نحو 10 في المائة مقابل الدولاروعلى أية حال، العجز التجاري الثنائي ليس مشكلة. لكن الاتحاد الأوروبي يستورد من الصين أكثر، وعلى نحوٍ أقل من غيرها من بلدان شرقي آسيا، عجز الاتحاد الأوروبي التجاري تحوّل ببساطة من تلك الدول إلى الصين، لأن الصين أصبحت محور التجميع النهائي للبضائع المصدرة إلى باقي أنحاء العالم. وتعمل تلك اللازمة على تزايد الواردات الصينية من الأجزاء والقطع من غربي وشرقي آسيا. ويُعد العجز التجاري نتيجة طبيعية لإعادة التشكيل العالمي الضخم للتجارة والإنتاج ويحجب ذلك الهوس بالعجز التجاري الأخبار الجيدة الضخمة كذلك. فواردات الصين متدنية التكلفة تعد بمثابة نعمة بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين، ولبائعي التجزئة، والمنتجين. ونمت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين بأكثر من الضعف منذ عام 2000، وبشكل أسرع من أية وجهة تصدير أخرى. واستثمرت الشركات الأوروبية ما يزيد على 56 مليار دولار في الصين، وحققت حجم مبيعات إجمالياً بما يعادل 134 مليار دولار عام 2006 وكان مقدار وافر من ذلك على شكل إعادة تصدير إلى أوروبا مجدداً. لكن مبيعات الصين المحلية في تزايد أيضاً: فالشركات الأوروبية تستهدف المقاطعات الساحلية الصينية كي تكون سوقاً لما يزيد على 400 مليون شخص، وبمعدلات نمو انفجارية، وطبقة وسطى متعطشة للبضائع والخدمات ذات الجودة الأفضل.
يعاني الاتحاد الأوروبي من مشكلات تجارية حقيقية مع الصين، وبالأخص فيما يتعلق بتطبيق التزاماتها إزاء منظمة التجارة العالمية، والعوائق المحلية للتجارة والاستثمار الخارجيين. وتلك أمور حقيقية وليست زائفة. لكن الحماية الانتقامية من جانب بروكسل ستزيد المشكلات سوءاً، وليس حُسناً. فماذا على الاتحاد الأوروبي أن يفعل بدلاً من ذلك؟
أولاً، عليه أن يعالج شؤونه التجارية وغير التجارية (مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتغيّر المناخي) ضمن مسارات مختلفة. لكن حين يتم ربطها بعضها ببعض تحظى الصين بالمساندة، ويتعارض ذلك مع الحل الوسط. فمن الأفضل بكثير أن تتم معالجة القضايا التجارية ضمن محيط شمولي وواقعي.
ثانياً، على الاتحاد الأوروبي أن يوافق على "وضع اقتصاد السوق" الصينية، إذ تُعد مجادلته بأن الصين لم تف حتى الآن بمعايير اقتصاد السوق المحددة مقبولة ظاهرياً فقط، لأن تلك المعايير غامضة واستبدادية. فالصين الآن متكيفة مع السوق أكثر من روسيا وأغلب الدول النامية الأخرى. وعلى الرغم من ذلك، الاتحاد الأوروبي يوافق على وضع اقتصاد السوق الروسي وغيره من البلدان النامية، لكن ليس الصين.
ثالثاً، من الممكن أن يتفق الاتحاد الأوروبي والصين على سلسلة من الامتيازات ذات المنفعة المتبادلة كجزء من التعاون الثنائي المتطور خارج المسرح السياحي للمفاوضات التجارية إضافة إلى التسليم بوضع اقتصاد السوق الصيني، على الاتحاد الأوروبي أن يوافق على ممارسة بعض القيود فيما يتعلق باستخدامه المعالجات التجارية بصورة عامة، مثل رسوم مكافحة الإغراق، ورسوم الحراسة الانتقالية الخاصة بالصين، والتعويض. وفي المقابل، عليه أن يطلب من الصين تطبيقاً أفضل، وموجّهاً لحقوق الملكية الفكرية؛ والمزيد من انفتاح سوق الخدمات الصينية، وبالذات في الحديث عن العقبات التشريعية المحلية؛ وإزالة قيود الاستثمار الخارجي في قطاعات الخدمات المركزية؛ والمزيد من الشفافية في المعونات المالية المقدمة للشركات الحكومية؛ والمزيد من معايير الشفافية في الشركات الحكومية الصينية، و"صناديق الثروة السيادية" التي تستثمر بصورة متزايدة في الخارج.
تلك هي المقاييس التي يمكن أن تحتوي النزعة الحمائية من جانب الطرفين، وأن توطد العلاقات التجارية. ومن الممكن كذلك أن تحقق مجالاً سياسياً للقيادة في بكين بهدف مواصلة الإصلاح الهيكلي لتتمكن من فتح اقتصادها بصورة أوسع كذلك يمكن أن ينتهي المطاف بالعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي والصين بسهولة، بصورة معاكسة تماماًَ، بتصعيد الحمائية الانتقامية إن الاتحاد الأوروبي هو الكيان التجاري والاستثماري الأكبر في العالم، وهو يلعب دوراً جوهرياً في تيسير انضمام الصين إلى الاقتصاد العالمي ومن غير المفترض أن يقوّض تلك الفرصة بزيادة حدته فيما يتعلق بالقضايا التجارية الزائفة.
*رازين سالي رئيسة المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي في بروكسل
*باتريك ميسرلين أستاذ اقتصاد في معهد الدارسات السياسية في باريس ورئيس المجلس الاستشاري في المركز الأوروبي للاقتصاد السياسي الدولي