"تفهنا الأشراف" جهود ذاتية ولا مستحق للزكاة

الدقهلية ـ من إبراهيم سنجاب:

تفهنا الأشراف‏..‏ من الحضانة للجامعة بالجهود الذاتية‏,‏ هذا الشعار يخفي وراءه انجازات كبيرة لقرية صغيرة بالدقهلية‏,‏ تمكن أبناؤها خلال سنوات قليلة من النجاح في أصعب اختبار للتكافل الاجتماعي والتنمية الصناعية والاجتماعية والتعليمية‏.‏

تجربة القرية النموذجية يجري تصديرها الآن الي قري كبيرة مجاورة‏,‏ ومدن شهيرة‏,‏ لم تتمكن بأموالها وخداماتها من الاقتراب من نموذج الأشراف التي تتبع مركز ميت غمر. علي بعد‏90‏ كيلو مترا من القاهرة‏.‏

مساحتها الزراعية التي لا تزيد علي‏500‏ فدان لم تمنع أبناءها الذين يقل عددهم عن‏7‏ آلاف نسمة من تحقيق الحلم‏,‏ الذي ولد كبيرا علي أيدي تسعة من أبنائها في منتصف الثمانينيات‏,‏ قرروا خوض معركة التنمية والتطوير‏,‏ فأصبحت قريتهم حكاية يتناقلها الناس‏.‏

القرية التي لم يكن بها متعلم واحد حتي بداية السبعيينات أصبحت قبلة لعشرات الآف من طلبة الأزهر المصريين والمئات من الأفارقة والأسيويين الذين يأتون إليها يوميا أو يسكنون في منازلها ومدنها الجامعية للدراسة في كليات الشريعة والدراسات الاسلامية والتربية والتجارة‏,‏ التي أنشأها أبناء القرية بالجهود الذاتية دون أن يكلفوا الدولة مليما واحدا‏.‏

أبناء القرية الذين يتذكر كبارهم أن سائقي سيارات الأجرة علي طريق ميت غمر‏/‏ الزقازيق منذ‏30‏ عاما كانوا لا يتوقفون أمامها‏,‏ وكأنها ليست علي خريطة الدلتا‏,‏ فكل ما كان معروفا عنها أنها بلد الأنفار الذين يخرجون مع اشراقة شمس كل صباح للعمل في حقول القري الكبيرة المجاورة سعيا وراء الرزق‏.‏

كل أبناء تفهنا الأشراف يتحدثون عن حكاية بدأت بمجموعة من شباب القرية أنهوا دراستهم الجامعية في عام‏1982‏ واتفقوا بعد الانتهاء من فترة التجنيد علي إنشاء مزرعة للدواجن‏,‏ الشباب التسعة قرروا تخصيص‏10%‏ من أرباح مشروعهم الصغير لانفاقها علي وجوه الخير وزادت بعد ذلك لتصل إلي وقف بعض المشروعات بالكامل للقضاء علي الفقر الذي ينخر في عظام أبناء قريتهم‏..‏ المزرعة الواحدة تحولت خلال عدة سنوات إلي‏10‏ مزارع ومع كل زيادة تزيد الأموال المخصصة للعمل الخيري‏,‏ إلي أن زادت المشروعات فتم انشاء مصنع للأعلاف وآخر للمركزات ومصنع لعلف الماشية‏,‏ وإلي جوار التجارة في الحاصلات الزراعية والفاكهة داخليا وخارجيا‏,‏ تمت اقامة مشروعات أخري كبيرة خارج نطاق القرية‏,‏ وتحول مشروع الشباب الي استثمارات بالملايين تدر عوائدها علي مسيرة التنمية بالقرية‏.‏

مسيرة القرية مع التعليم بدأت بحضانة تسع‏350‏ طفلا‏,‏ ثم معهد أزهري ابتدائي ثم اعدادي للبنين ثم اعدادي للبنات ثم معهد ثانوي أزهري للبنين ثم آخر للبنات‏..‏

في بداية التسعينيات تحمس شيخ الأزهر الامام الراحل جاد الحق علي جاد الحق لرغبة أبناء تفهنا فوافق علي إنشاء كلية الشريعة الاسلامية‏,‏ تم انجازها في‏13‏ شهرا فقط وبدأت الدراسة بها في عام‏1992,‏ ولا ينسي أبناؤها أن الدكتور نصر فريد واصل كان عميدا للكلية عندما تلقي خبر تعيينه مفتي الديار المصرية واستكملت القرية مشروعاتها التعليمية بانشاء كلية التجارة بنات ثم كلية التربية ثم كلية للدراسات الانسانية والعربية‏.

‏ ونظرا لاقبال الآلاف علي الدراسة بفرع جامعة الأزهر بتفهنا كما يقول الباحث القانوني باحدي شركات البترول وخريج كلية الشريعة بتفهنا شريف سلامه فقد تم انشاء مدينة جامعية للبنات تسع‏600‏ طالبة بدأت العمل في عام‏1995,‏ ثم مدينة جامعية للطلاب تسع‏1000‏ طالب وأطلق عليها اسم الرئيس مبارك مدينة مبارك للطلاب بتفهنا الأشراف‏.

مجمع الخدمات بالقرية يضم مكتبة وسنترالا ومشغلا لتعليم الفتيات الي جانب الصرف الصحي ومشروع التشجير وزراعة‏1000‏ نخلة بلح زغلول والمستشفي المركزي ومستشفي التأمين الصحي فقد تم إنشاؤها جميعا بالجهود الذاتية أيضا حيث إنهم هنا يقيمون مشروعاتهم من خلال العمل الجماعي لاصحاب المهن المختلفة‏,‏ حيث يأتي كل منهم للعمل بنفسه لتقليل النفقات والقضاء علي البطالة‏,‏ حتي الطلاب من أبناء القرية ومن خارجها فانهم يجدون عملا في مزارع الدواجن والمصانع المقامة بها‏,‏ أما أصحاب المنازل فقد تمكنوا من الحصول علي دخول اضافية من خلال تأجير بعض طوابقها للطلاب المغتربين وأصبح من المعتاد أن تشاهد طلبة من محافظات أخري أو من دول إفريقية وأسيوية يسيرون في شوارع القرية‏.‏

توسعت المشروعات فقرر أبناء القرية انشاء ما اطلقوا عليه المركز الاسلامي حتي يتولي مسئولية تنفيذ ومتابعة ما يتم الانفاق عليه من مشروعات تتعلق بالصالح العام من خلال تشكيل عدة لجان عمل في مجالات الزراعة والشباب والتعليم والصحة والزكاة والمصالحات
وتمكن المركز خلال عدة سنوات كما تقول تهاني صقر مديرة مركز سوزان مبارك من استخدام أموال الزكاة ــ التي قرر أن تكون عينية بمعني أن زكاة المزارع تكون من المحصول‏.‏

أما الأطباء فتكون بمتابعة المرضي وهكذا وهو ما أدي إلي القضاء علي الفقر تماما من خلال استخدام أموال الزكاة في شراء مواش وآلات خاصة بالحرف المهنية وتوزيعها علي المستحقين‏..‏ ليس ذلك فقط ولكن تحمل تكاليف استخراج رخص المحلات والشهادات الصحية‏..‏ أما الفتيات والسيدات غير المتعلمات‏,‏ فقد تم تدريبهن علي الخياطة بعد محو أميتهن وتسليمهن ماكينات خياطة ولوازم إعداد الملابس المدرسية وشراؤها منهم بتوزيعها علي التلاميذ المستحقين مجانا حتي تمكن فقراء القرية من توديع الفقر والمشاركة في مسيرتها الاقتصادية‏.‏

المهندس صلاح عطية والعمدة محمد فكري القرموطي وصلاح منصور وأحمد شاكر وآخرين حفروا أسماءهم في سجل قريتهم الخالد كرواد للتطوير والتنمية حتي أنهم تمكنوا من إنشاء محطة يتوقف عندها القطار أمام قريتهم بالجهود الذاتية التي يفد إليها الآلاف من الطلبة والطالبات لتلقي العلم يوميا‏,‏ كما أنهم مع اهالي قريتهم لا يجدون بينهم مستحقا للزكاة‏,‏ مما دعاهم إلي انفاقها في قري مجاورة‏.

‏ الأهرام – 3/4/2010