يتميز العصر الحالي بالميل نحو الوحدات الاقتصادية والتنظيمية الكبيرة والعملاقة، وذلك نتيجة ما تقرضه متغيرات هذا العصر من محددات سواء لتقوية كياناتها الاقتصادية أو الإدارية حتى تستطيع الصمود أمام طوفان العولمة الكاسح وما يحتوي عليه من أخطار تنافسية شرسة تهدد بتدمير الكيانات والمنظمات الصغيرة فيما يشبه تهديد الحيتان لأسماك البحر الصغيرة، لذا سيطرة على العالم ما يعرف بظاهرة تركيز المشروعات الاقتصادية concentration enterprises)) حتى غدا المشروع الكبير في الوقت الراهن المحرك الفعال لتحقيق التقدم الاقتصادي، وبذلك فلا سبيل أمام المنظمات والكيانات الصغيرة والمتوسطة أو حتى الكبيرة سوى أن تندمج لتكون كيان عملاق قادر على المقاومة والحياة في ظل المنافسة الشرسة، أو تتهاوى أمام الكيانات العملاقة الأخرى، والاندماج يعد أحد الوسائل الهامة والفعالة لتحقيق التركيز الاقتصادي إن لم يكن أهمها على الإطلاق.
وهذا بدوره يقودنا إلى ضرورة التعرف على مفهوم الاندماج وأنواعه بالإضافة إلى الظروف التي قد تدفع إليه والأهداف التي تُرجى من وراء هذا الاندماج، وما قد يعترض عمليات الاندماج من معوقات، وكذلك إبراز ما قد ينشأ عن عمليات الاندماج من أثار. وذلك بصفة عامة بغض النظر عن طبيعة الكيانات أو المنظمات المندمجة، كما يلي:
مفهوم الاندماج:
1. الاندماج أو الدمج من الناحية اللغوية:
إن معاجم اللغة تنفق فيما بينها حول المعنى الاشتقاقي في اندماج أو "دمج" فيقول الرازي في مادة " دمج" دمج الشيء، أدخله في غيره، واستحكمه فيه، وبابه دخل، وكذا اندمج ودمج بتشديد الدال، وأدمج الشيء لفه في ثوب.
ويقول المنجد في اللغة والإعلام في مادة "دمج": دمج دموجاً في الشيء دخل فيه واستحكم، والأمر استقام دمجه في الشيء أدخله فيه، ويقولون دمج دموجاً في الشيء دخل واستحكم فيه والتأم فهو دامج. ([مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ])
ويقال دمج الشيء دموجاً إذا دخل الشيء واستحكم فيه، وأدمجت الشيء إذا لففته في ثوب (ابن منظور، 2004م : 1010).
2. التفرقة بين الاندماج والدمج من الناحية الاصطلاحية:
يمكن أن يتم التفرقة بين الاندماج والدمج حيث يطلق المصطلح الأول على العمليات الإدارية أما الثاني (الدمج) فيطلق على العمليات التي تتم بناء على تدخل سياسي أو تنظيمي من الجهات الرقابية. (حماد، 1999م: 8).
3. المعنى الاصطلاحي للاندماج:
يختلف تعريف الاندماج أو الدمج تبعاً لطبيعة المنظمات التي يتم دمجها حيث نجد أكثر التعريفات شيوعاً للاندماج هي التعريفات الخاصة باندماج الشركات والكيانات الاقتصادية، كما نجد أن هذه التعريفات أيضاً تختلف حسب الزاوية التي يتم تناول الاندماج من خلالها. وعموماً يمكننا تناول بعض أهم هذه التعريفات حسب زاوية التناول كما يلي:
يُعرف الاندماج بأنه التحام منظمتين أو أكثر التحاماً يؤدي إلى زوالها معاً وانتقال جميع أموالها إلى منظمة جديدة، أو زوال أحدهما فقط وانتقال جميع أموالها إلى المنظمة الأُخرى (المصري، 1406هـ: 33).
ومن التعاريف التي تتناول الاندماج من الناحية التعاقدية وزوال الشخصية المعنوية للمنظمة أو المنظمات المندمجة دون الإشارة إلى فناء هذه المنظمات، أن الاندماج هو عقد بمقتضاه تتفق منظمتان أو أكثر على وضع جميع المساهمين وجميع الأموال معاً في إطار منظمة واحدة، مع زوال الشخصية المعنوية لكل من المنظمات المدمجة وقيام شخصية واحدة هي شخصية المنظمة الجديدة أو مع بقاء الشخصية المعنوية للمنظمة الدامجة أو المنظمات الأخرى (المصري، 1406هـ : 33).
ويرى (المصري) أن الاندماج هو عقد تُضم بمقتضاه منظمة أو أكثر إلى منظمة أخرى، فتزول الشخصية المعنوية المنظمة، وتنتقل أصولها وحقوقها إلى المنظمة الضامة أو تمتزج بمقتضاه منظمتان أو أكثر فتزول الشخصية المعنوية لكل منهما وتنتقل أصولهما وخصومها إلى منظمة جديدة (1406هـ :50).
كما أن هناك من يرى أن الاندماج أو الدمج هو اتفاق بين منظمتين لضم كافة الموارد الخاصة بهما والاتحاد في وحدة واحدة ليتحول الناتج إلى كيان واحد يتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة عن المنظمات التي اندمجت وفقدت بالتالي شخصيتها الاعتبارية المستقلة (الصادق:www.sironline.gov ).
وتعرف (عايدة) الاندماج بأنه اصطلاح قانوني يدل على قيام منظمة بضم منظمة أو عدة منظمات أخرى إليها، أو مزج منظمتين أو أكثر وتكون منظمة جديدة (1419هـ: 230).
ومن خلال التعريفات السابقة نجد أنها بنيت على أسس معينة يضمها الاندماج من بينها أنه عقد ينتج عنه انتقال أصول وخصوم المنظمة المدمجة إلى المنظمة الدامجة أو الجديدة وانتقال الشخصية المعنوية للمنظمة أو المنظمات المندمجة أو ذوبانها في المنظمة الدامجة أو اختلاطها مع بعضها لتكوين شخصية جديدة، كما يلاحظ أن بعض هذه التعريفات لم يشترط في كل الأحوال انتقال جميع أصول وخصوم المنظمات المندمجة إلى المنظمة الدامجة أو الجديدة بل يجوز لها أن تحتفظ ببعض أصولها للوفاء ببعض التزاماتها أو خصومها دون أن ينال ذلك من اعتبار العقد اندماجاً، أو أن يحول دون تحقيق الأثر المهم للاندماج وهو انتفاء الشخصية المعنوية للمنظمة المندمجة.
4. الفرق بين الاندماج والاستحواذ من الناحية الاصطلاحية:
يمكن أن نفرق بين الاندماج والاستحواذ من خلال أمرين هما:
أ#. أن "الاندماج" هو التحام منظمتين أو أكثر وزوالهما وقيام منظمة جديدة تنتقل إليها ذمم المنظمات الزائلة، أما "الاستحواذ" فهو شراء منظمة لأصول وموجودات منظمة أخرى وانتقال ملكيتها إلى المنظمة المستحوذة، ويتمثل الفرق الرئيسي بين الاندماج والاستحواذ في وضعية المساهمين في الحالتين، في حالة " الاندماج" يحتفظ المساهمون في المنظمتين بأسهمهم في الكيان الجديد أو في المنظمة الدامجة، وبالتالي يتحولون إلى مساهمين في المنظمة الجديدة، أما في حالة "الاستحواذ" فغالباً ما تبقى المنظمة المستحوذ عليها موجودة وتقوم بعملياتها بالشكل المعتاد، إلا أن ملكية أسهمها تنتقل إلى مساهمي المنظمة المستحوذة أما عن طريق الدفع النقدي أن عن طريق سندات دين، وتتمكن في هذه الحالة المنظمة المستحوذة من السيطرة على الأصول الثابتة للمنظمة المستحوذ عليها وموجوداتها ومطلوباتها، و"الاستحواذ" إما أن يكون كلياً بشراء كافة أصول المنظمة المستحوذ عليها أو جزئياً بامتلاك جزء من أسهم تلك المنظمة. [مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ])
ب#. من الناحية المحاسبية: المعايير الدولية كانت الأوضح في تعريف المعاني: الاستحواذ "Acquisition" ويكون بنسبة أكبر من (50%) متى حصلت على السيطرة (Control)، والاندماج "Merger" هو الحصول على نسبة (100%) وبالتالي عدم ظهور حقوق الأقلية.([مشاهدة الروابط متاحة فقط لأعضاء المنتدى .. ]).