هل شعرت قط بفتور الهمة وكنت على وشك الاستسلام؟
وهل تشعر أحيانا بالإحباط بالنسبة لما هو
حولك وتشعر بأنك غير قادر على أن تحدث الفرق؟
إنني آمل بأن تكون القصة التالية مصدر تشجيع لك .

في عام 1963 كنت شاب في العشرين من عمري
أقوم بنزهة في منطقة ريفية في بلادي قريا من قري (عكا )، وكانت تلك
المنطقة حينئذ شبه قاحلة وموحشة وتخلو تقريبا ً من
ا لأشجار بسبب المغالاة في قطعها. وكانت التربة
عندئذ مجروفة بفعل الأمطار وعدم وجود أشجار
تحميها من ذلك الانجراف. لقد أصبحت المنطقة
بأكملها قاحلة وجافة.

كانت الزراعة في تلك المنطقة ضعيفة بسبب فقر
التربة، وكانت القرى هناك قديمة ومتهالكة، وكان
معظم القرويين قد هجروا الريف ، كما أن الحياة
البرية نفسها كانت فقيرة بسبب انعدام الأشجار. وكان
الطعام شحيحا ًوجداول المياه التي بقيت قليلة العدد.

وتوقف الجوال الشاب في إحدى الليالي عند كوخ
متواضع لأحد الرعاة الذي كان لا يزال مفعما ً بالقوة
والحيوية بالرغم من أنه كان في الخمسينات من
عمره. وأمضيت ليلتي هناك مستمتعا ً بضيافة
الراعي ، وامتدت إقامتي هناك بضعة أيام.

و لاحظت ببعض الفضول أن الراعي كان
يمضي ساعات أمسياته بتصنيف بذور الصنوبر
والبندق والجوز وغيرها على ضوء المصباح . وكان
يفصل البذور الرديئة عن الجيدة، وعندما ينهي عمل
أمسيته كان يضع البذور الجيدة في جراب .

وكان عندما يرعى غنمه في اليوم التالي يقوم
بغرس تلك البذور على طول الطريق في حفر يقوم
بعملها بعصاه ، تاركا ً بين الحفرة والأخرى مسافة
معينة ثم يقوم، بعد غرس البذرة، بطمر تلك الحفرة
بقدمه. وكان يقضي نهاره كل يوم بتغطية بعض
مناطق الإقليم الذي يعيش فيه بتلك البذور.

وتساءلت عما كان يحاول ذلك
الرجل أن يفعله، وأخيرا سألته عن ذلك الأمر. فأجاب
الراعي: ”حسنا أيها الشاب . إنني اغرس أشجاراً“.
وأجابت حينها : ”ولكن لماذا ؟ ستمر
سنوات وسنوات قبل أن تصبح تلك الأشجار ذات
نفع، وقد لا تكون حياً عندئذ لتراها وهي تنمو“.
رد علي الراعي قائلاً : ”نعم، ولكنها في يوم ما
ستنفع شخص ما وستساعد على إصلاح هذه الأرض
الجافة. إنني قد لا أرى ذلك اليوم أبداً، ولكن أولادي
قد يرونه“.

وأعجبت ببعد نظر الراعي وبنفاذ بصيرته
وبروح الإيثار الموجودة لديه المتحلية برغبته في
إعداد الأرض للأجيال المقبلة، مع أنه قد لا يجني
ثمار ما زرعه.

وبعد عشرين عاماً ، وقد أصبحت
في الأربعين من عمري، قمت بزيارة ثانية إلى نفس المنطقة
وذهلت مما رأيت . لقد كان هناك وادياً عظيماً مغطى
بغابة طبيعية جميلة من مختلف أنواع الأشجار.
حقا إنها كانت أشجار صغيرة ولكنها، على كل
حال، أشجار. لقد انبعثت الحياة في الوادي بأكمله،
وأصبح العشب الأخضر أكثر يانعة، وعادت الحياة
البرية إلى هناك، أصبحت التربة طرية مرة أخرى،
وعاد المزارعون إلى جني محاصيلهم.

وتساءلت في نفسي عما يمكن أن يكون قد
حدث لذلك الراعي، ولدهشتي وجدت انه ما زال حياً،
بل ومفعما بالنشاط والحيوية، وأنه مازال يسكن في
كوخه الصغير، وما زال يصنف بذور الجوز كل مساء.

وعلمت أن وفداً حكومياً قد جاء من العاصمة
مؤخراً ليرى غابة الأشجار الجديدة هذه، والتي بدت
لهم كأنها غابة طبيعية رائعة. وعلم أفراد الوفد بأن
من زرع تلك الغابة كان ذلك الراعي بمفرده، وأنه
كان يفعل ذلك أثناء رعيه لأغنامه، وكانت النتيجة ما
يرونه أمامهم من أشجار جميلة وفتية. و لامتنان الوفد
الشديد للراعي أغدق عليه منحة تقاعدية خاصة.

وأعربت عن دهشتي لجميع التغييرات التي
طرأت على المنطقة، ليس فقط فيما يتعلق بالأشجار
الجميلة، بل كذلك في الزراعة التي عادت إلى
الوادي وفي الحياة البرية التي تجددت وفي الأعشاب
الخضراء الجميلة. لقد كانت المزارع آخذة بالازدهار
كما عادت الحياة إلى القرى ثانية، وكانت ما أراه
هو نقيض ما رأيته قبل عشرين عاما.

والآن كان كل شيء آخذاً بالازدهار، وهذا بفعل
بصيرة رجل واحد فقط وبسبب الهمة التي اتسم
بها والصبر الذي تحلى به والتضحية التي بذلها
والإخلاص الذي صاحب عمله يوماً بيوم ولسنوات عديدة.

والسؤال الذي قد تطرحه على نفسك بعد قراءتك
لهذه القصة: ” ولكن ما هو الفارق الذي بإمكاني أن
أحدثه ؟ وماذا يمكنني أن أفعل لجعل العالم مكاناً
أفضل ؟“ نعم إن المهمة قد تبدو كبيرة جداً وأن
المشاكل صعبة للغاية. وفي بعض الأحيان قد نشعر
بأننا نفتقر إلى المقدرة أو إلى الوسائل. ولكن لدى
كل منا القدرة على أن يؤثر على غيره، وأن شخصاً
مهتماً بتحسين وتغيير العالم الذي يعيش فيه يستطيع
أن يؤثر على الآخرين ليقوموا بنفس العمل.

إن بإمكانك أن تبدأ بإحداث الفارق بالجزء الذي
يخصك من العالم بتحسين حياتك الخاصة، ومن ثم
تبدأ بإحداث فارق في حياة الآخرين، وسرعان ما
ستجد أن الأمور قد تحسنت، وأنك قد ساعدت على
تحسين العالم الذي تعيش فيه إلى الأفضل. حتى وإن
قمت بتحسين جزء من العالم وأثبت بأن هناك أمل
بأنه في يوم ما سيتحسن كل شيء.
نعم، إن بإمكانك أن تحدث الفرق.