ذكرت دراسة صادرة مؤخراً عن بنك دبي الوطني بعنوان المنظور الوطني لتأثير النظم والقوانين على تأسيس الأعمال التجارية في الإمارات أن النمو الاقتصادي يمثل أحد المنافع الناتجة عن وضع قوانين وإجراءات حكومية فعالة إلى جانب تحقيق مستويات عالية في التنمية البشرية، حتى تتمكن الحكومة من تحسين مستوى المنظومات الخدماتية المختلفة في المجتمع مثل النظام الصحي والنظام التعليمي باستخدام تلك الموارد والإيرادات، بدلاً من التركيز على البيروقراطيات التي تعيق النمو الاقتصادي، وهذه المكاسب تتحقق من جهتين أولاً عندما تسن الحكومة قوانين ونظماً سلسة وحكيمة تفيد رجال الأعمال بتوفير المال والوقت الذي ينفقونه على استيفاء تلك الإجراءات وتركيز جهودهم على الأنشطة المنتجة، وثانياً فإن الحكومة يمكنها أيضاً أن تستفيد بشكل أفضل عندما تركز جهودها على تقديم خدمات اجتماعية أساسية أخرى بدلاً من ملاحقة هذه القوانين والإجراءات العقيمة من الناحية الاقتصادية، نلاحظ أن الإجراءات الحكومية يمكنها أن تعمل كآليات لتشجيع التجارة والاقتصاد ونموهما، أو كمعوقات لأشكال النمو هذه، ويشير تقرير للبنك الدولي أن التجارة في الدول الأقل تقدماً تواجه ضغوطاً حكومية أكبر في شكل الإجراءات والقوانين لاسيما عند مقارنتها بالدول الأكثر تقدماً، حيث تتحمل المؤسسات التجارية في الدول النامية تكاليف إدارية تزيد بثلاثة أضعاف مع ضعفين من الإجراءات الحكومية المتسببة بالطبع في تأخير كبير في بدء أعمالها، وتشير تلك الدراسة إلى أن دولة الإمارات الشقيقة تحتل المركز ال 77من بين 175دولة في العالم، وهذا الترتيب ليس مشجعاً للإمارات على الإطلاق، وتوصي الدراسة بضرورة التغلب على كثرة الإجراءات البيروقراطية الحكومية وخاصة التي تواجهها المنشأة الجديدة.
وقد اعتمدت تلك الدراسة على معايير مختلفة شملت عدداً من الإجراءات اللازمة وتكلفة الرسوم لكل إجراء والحد الأدنى لرأس المال، وفي هذا الجزء من الدراسة قدمت آراء ووجهات نظر رجال الأعمال من المواطنين الإماراتيين وغير المواطنين بشأن الإجراءات والقوانين الحكومية، حيث استخدمت الدراسة 7مؤشرات مرتبطة بالإجراءات والقوانين الحكومية المتعلقة ببدء نشاط تجاري جديد وبناء على ذلك أبدى المشتركون في الدراسة آراءهم في مدى الدعم الذي يحققه كل مؤشر في بيئة الأعمال بدولة الإمارات.

الخلاصة
بالرغم من أن الفساد الإداري يوجد في كافة مجتمعات الإعمال، إلا أن متخذي القرار في دولة الإمارات يجب أن يضعوا إجراءات أكثر قدرة على ردع هذه الممارسات وإتاحة فرصة عادلة للمنشآت التجارية الصغيرة للنمو، لاسيما أن هذه المنشآت لا تمتلك الموارد والإمكانات المتاحة للمنشآت الكبيرة. من الواضح أن المنشآت التجارية تتعامل مع بعض الممارسات، التي توصف من قبل الكثيرين بأنها ممارسات في الفساد الإداري ، بشكل مغاير وتنظر إليها على أنها سياسات تجارية أو استثمارية فعالة بالرغم من التكاليف التي قد تترتب على هذه الممارسات. وتفصح النتائج عن أن الإجراءات والقوانين الحكومية يجب أن تكون أكثر شفافية إذا كان الهدف منها هو تخفيف هذه الممارسات أو القضاء عليها بالفعل، والتي تتيح بالتالي فرصا تجارية غير متكافئة للمنشآت الصغيرة مقارنة بمثيلاتها من المنشآت الكبيرة. تعتبر نتائج الدراسة مؤيدة لنتائج الدراسات التي قام بها البنك الدولي حول وجود تعقيدات إجرائية وقانونية كثيرة تمثل عوائق وتحديات المنشآت التجارية حديثة التأسيس، فهي تعتبر عوامل هدر لطاقات هذه المنشآت ووقتها ومواردها في الوقت الذي تتوقع فيه تشجيعا حكوميا اكبر لجهودها التنافسية في مواجهة منشآت اكبر منها من حيث الموارد والخبرات. كما تشير النتائج إلى أن العنصر النسائي أكثر قلقا تجاه الإجراءات والقوانين الحكومية ومدى فاعليتها. وهذا القلق الزائد يبدو صحيحا أيضا بالنسبة لخريجي الجامعات الذين يلتمسون الدعم الحكومي بكافة أشكاله لدخولهم غمار المغامرات التجارية في دولة الإمارات، وخاصة إذا كان هؤلاء الخريجون من ذوي الدخل المحدود. هذه التساؤلات والشعور الزائد بالقلق يجب أن يواجه بجدية اكبر من قبل متخذي القرار إذا كان الهدف فعلا هو تشجيع الشباب المواطن. وقد يكون تخفيف الإجراءات الحكومية أمرا ضروريا خاصة للمشاريع التجارية الجديدة، وينبغي أيضا مراجعة كافة الإجراءات الحالية بشكل شامل وإعادة هندستها وإعادة النظر في المبررات التي وضعت هذه الإجراءات على أساسها، وبالتالي محاولة تعديلها بشكل جذري وفعال وإلغاء الإجراءات الإدارية والاقتصادية والقانونية التي تعيق النمو السريع للقطاع التجاري والاقتصادي ممثلا في المشاريع حديثة التأسيس.