مقدمة
د.نور متخصص في علم الكيمياء وله خبرة طويلة في مجالات عديدة. في عام 2002 تولى د.نور إدارة المعمل المسئول عن قياس جودة التصنيع في شركة صناعية بالعالم العربي. حينئذ وجد د.نور بعض التحديات الصعبة مثل الارتفاع بدقة القياس وتحليل أخطاء القياس وتحسين توصيات المعمل للقائمين على إدارة المصانع. يحكي د.نور فيقول:
“لم يكن لدينا القدرة على تحديد نسبة الخطا الحقيقية في القياس ومعرفة أسبابها. فعملية القياس قد تختلف نتيجتها نتيجة لاختلاف الشخص القائم بالتحليل أو اختلاف ماكينة التحليل أو حدوث خطا ما أو اختلاف العينة. كان علينا أن نكون أكثر دقة في توصياتنا عن عيوب المنتج لأن توصيات المعمل ينتج عنها قرارات خطيرة تؤثر على مستقبل المؤسسة كلها”
واجه د.نور تحديات أخرى منها وجود ماكينات تحاليل كثيرة بحالة سيئة وعدم استغلال لموارد كثيرة. ومما زاد من صعوبة الأمر أن المعينين الجدد لم يكون لديهم مهارت عالية في هذا المجال.
البداية
عندما اطلع د.نور على نظام الانحرافات المعيارية الست Six Sigma وجد فيها فرصة عظيمة لتطوير قدرات المعمل. فباستخدام الوسائل الإحصائية المتقدمة يمكن تحليل الكثير من المشاكل ورفع كفاءة العمل في المعمل. اقتنع د.نور بالفكرة وبدأ في تثقيف نفسه بنفسه عن نظام المعايير الانحرافية الست.
ما هو نظام الانحرافات المعيارية الست (Six Sigma)؟
هذا النظام يعتمد على استخدام نظام متكامل في حل المشاكل وتقليل العيوب. المقصود بالانحرافات المعيارية الست هو أن تصل العيوب في المنتج إلى 3.4 عيب في المليون وهو تقريبا صفر. هذا النظام تم تطويره في شركة موتورولا وحقق نتائج كبيرة ثم انتشر كثيرا بعد تطبيق شركة جنرال إلكتريك لها. يستخدام هذا النظام الأساليب الإحصائية كوسيلة أساسية في دراسة وحل المشاكل وتطوير العمل.
العقبات الأولى
واجه د.نور عدة عقبات عند بداية محاولاته لتطبيق هذا النظام. حاول د.نور أن يحصل على دعم إدارة المؤسسة لتطبيق هذا النظام في كل قطاعات العمل ولكنه لم يجد أذنا صاغية فقرر أن يحاول أن يُطبقه في نطاق عمله في المعمل. ثم بدأ يواجه مقاومة عالية للتغيير من المهندسين والكيميائيين والفنيين. فهذا يقول:هذا النظام لن يضيف شيئا والآخر يقول: نحن نعمل بدون هذا النظام منذ عشرات السنوات و الآخر يقول: وهل نحن لا نعرف كيف نعمل بطريقة جيدة حتى نتعلم هذا النظام؟
حاول د.نور اتباع أسلوب الإقناع وإن كان لم يظهر نتائج كبيرة حتى بدأ في عقد محاضرات تدريبية للعاملين بالمعمل. لاحظ د.نور أن المحاضرات النظرية لا تفيد كثيرا فبدأ في التركيز على الجانب العملي. يحكي د.نور فيقول:
“بداتُ أشرح طريقة من طرق نظام الانحرافات المعيارية الست ثم أُعطي أمثلة ثم أُكلف الحاضرين بحل بعض الامثلة بأنفسهم. بعض الأمثلة كان يكلف المتدرب بحلها بعد المحاضرة وقد يستغرق ذلك عدة أيام. كان هذا الأسلوب مفيدأ لأن المتدربين بدؤوا يشعرون بقيمة نظام المعايير الانحرافية الست”
التطبيقات
نجح د.نور في تطبيق أحد أدوات نظام الانحرافات المعيارية وهو مقياس التكرارية والإعادة Repeatability & Reproucibility والمعروف بـ R&R. هذا التحليل يمكننا من معرفة مدى تشتت قيم التحاليل أي مدى اختلاف نتائج التحاليل عند إجرائها في وقت لاحق بنفس الجهاز أو غيره وبنفس فني التحليل أو غيره. والمقصود بالتكرارية Repeatability هنا هو إمكانية تكرار نفس النتيجة عندما يقوم بنفس فني التحليل بالاختبار مرة أخرى. أما الإعادة Reproucibility فمقصود بها مدى تطابق النتائج عند إعادة نفس الاختبار على نفس الجهاز.
كما يتضح من اسمه فإن هذا الاختبار يعتمد على إعادة قياس عدد من العينات العشوائية بنفس الشخص الذي قام بالتحليل وبنفس الجهاز وكذلك عن طريق آخرين وعلى نفس الجهاز وكذلك على أجهزة مختلفة. هذا يمكننا من معرفة أسباب الحيود في النتائج فقد يكون ذلك بسبب خطأ في الجهاز أو خطا في القائم بالتحليل أو خطأ في طريقة أخذ العينة أو غير ذلك. هذه الامور يتم تحديدها عن طريق معالجة نتائج هذه التحاليل إحصائيا باستخدام بعض البرامج الحديثة مثل Minitab.
لا يزعم د.نور أنه طبق سياسة الانحرافات المعيارية الست Six Sigma ولكنه بالفع طبق جزءً منها. فكل الاختبارات تخضع لمقياس R&R ويتم تحليل النتائج وتحديد أسباب الحيود واتخاذ الإجراءات للتصحيح. فهو كذلك تطبيق لأسلوب تحليل المشاكل في سياسة الانحرافات المعيارية الست والمعروف بـ DEMIAC والتي تعني تحديد المشكلة ثم القياس ثم التحليل ثم التحسين ثم الرقابة (المتابعة).
من الأشياء الجميلة في تطبيق د.نور أن الفنيين أصبح لديهم قناعة بضرورة تطبيق تحليل R&R لما لمسوا من فوائده. فقد اتضح لهم من خلاله أن أحدهم يحصل على أقل حيود في النتيجة عندما يقوم بتكرار التحليل. وبدراسة الأمر اتضح لهم أنه يقوم بتثبيت العينات بطريقة جيدة مما يساعد في ثبات نتيجة الاختبار في كل مرة. وأظهرأيضا كذلك بعض العيوب في الأجهزة. وكذلك ساعدهم هذا المقياس في معرفة مدى تشتت النتائج وعلاقة ذلك بالتفاوت المسموح به في مواصفات المنتج مما يجعلنا على علم بمدى مناسبة دقة النتائج للدقة المطلوبة لتحقيق مواصفات المنتج نفسه.
إعادة تنظيم المعمل
قام د.نور بإعادة تنظيم ادوات ومعدات التحليل. فقام بفصل أماكن التحضير عن أماكن التحليل أي فصل الأماكن التي يتم فيها تحضير العينات للاختبار عن الأماكن التي يتم فيها إجراء التحاليل والاختبارات. الهدف من ذلك هو تحسين بيئة التحليل أي تجنب وجود أتربة ناتجة عن تحضير العينات في مكان الاختبار.
قام كذلك بالاهتمام بنظافة المعمل وعليه فقد قاد عمليات إعادة حالة الأرضيات والدهانات إلى حالة جيدة وكذلك عملية ترتيب المعدات وتنظيمها. وساهم في إعادة تشغيل عدة أجهزة كانت مُهمَلة وتخلص من تلك التي لا تعمل ولا يمكن إصلاحها والتي كانت تشغل مكانا كبيرا في المعمل. وللمحافظة على نظافة بيئة الاختبار قام باستحداث ستارة هوائية عند مدخل المعمل لمنع دخول الأتربة. ومن أجل تحسين بيئة العمل فقد تم إضافة بعض مراوح التهوية في بعض المعامل التي كانت تعاني من الروائح النفاذة للعينات أو مواد التحليل.
استخدام نظم المعلومات
تمكن د.نور من تفعيل وتشغيل نظام معلومات خاص ببعض نتائج المعمل مما مكَّن من نقل النتائج إلكترونيا للإدارات المعنية. ساهم ذلك في سرعة اتخاذ القرارات الخاصة بشحن المنتج وذلك نتيجة لوصول نتيجة تحليل المعمل بسرعة. تم تدعيم ذلك بعملية تنظيمية تُمكن من تحليل عينات المنتج بعد إنتاجها بوقت قصير.
هل كان الطريق مُعبدا
قد تتصور أن تطوير المعمل قد تم في جو مثالي من حيث سهولة توفير مستلزمات التطوير والتعاون من الآخرين والعمالة الماهرة وغير ذلك. ولكن د.نور يقول:
“كانت هناك عقبات كثيرة ولكنني عندما أضع هدفا أكافح للوصول إليه وإن مررت بفترات إحباط في الطريق ولكنني أعود وأحاول مرة اخرى حتى أستطيع الوصول للهدف…..”
وترى اهتمام د.نور بقيمة الموارد البشرية كبيرا فهو يبذل مجهودا كبيرا لتدريب الفنيين. يظهر ذلك عندما تجد الفنيين يُحدثونك بطلاقة عن اختبار R&R وعمليات مراقبة العمليات إحصائيا Statistical Process Control على الرغم من أن هذه الأمور تبدو صعبة لخريجي الجامعات. بل ويحاول د.نور تخصيص غرفة للتدريب في داخل المعمل نفسه. ولا يقتصر التدريب على التدريب الفني فقط بل يتم تدريب الفنيين على اللغة الإنجليزية لتساعدهم في التعامل مع المصطلحات الأجنبية التي يحتاجونها في عملهم.
وبالإضافة للتدريب الذي يقوم به بنفسه فإن د.نور يُنظم تدريب يقوم به الفنيون ذوو الخبرة لهؤلاء الملتحقين بالعمل حديثا. ويتم تدريب الشخص الملتحق بالعمل على التحليل لفترة طويلة حتى يتمكن من أدائه بدقة ويتم التأكد من ذلك بمقارنة نتائج الاختبارات التي يقوم بها بنتائج نفس الاختبارات التي يقوم بها شخص خبير.

الرؤية المستقبلية
يرى د.نور أن المعمل يجب أن يقوم بأنشطة أكبر لتشمل تحاليل البيئة والزيوت. ويتحدث د.نور عن صعوبة توظيف فنيين متخصصين في الكيمياء لعدم انتشار هذا التخصص في التعليم المتوسط وفوق المتوسط. ويجد د.نور أن تطبيق سياسة الانحرافات المعيارية الست بشكل واسع هو أمر عسير لأنه يتطلب بيئة عمل مختلفة وتفهما من كل الإدارات وتدريبا مكثفا للعاملين بالمؤسسة كلها.